سُوريا أكبر عُقدة في التاريخ د. جميل م. شاهين 11 آب 2012

عدد القراءات 211974 تاريخ النشر 11 آب 2012. كلّ مَن يصدق أن هناك ديموقراطية في العالم، هو إنسان أكثر من ساذج.

لماذا هذا الهوس الجنوني بالديموقراطية في سوريا؟ وما هو سر هذا الاهتمام الفجائي بحرية الشعب السوري؟ للإجابة يكفي أن تعرف كم هي معقدة قصتنا السورية، بعد أن نتخلى عن أفكارنا الطائفية وموروثنا البالي في إلغاء كل مَن يعارضنا، وطبعا بعد أن نتخلص من غسيل الأدمغة على مدى سنة ونصف.

ـ قطر: السيدة الأولى موزة ومعها عدد من أمراء الإمارات وشركاء أوروبيين وسوريين، اشتروا مئات الهكتارات من الأراضي في مناطق متفرقة من سوريا، منها: غرب حوران بموازاة الجولان المحتل، وفي الجزيرة السورية وغرب دمشق والبادية، هذه العملية تمت بصورة شرعية وغير شرعية. الهدف هو القيام باستثمارات عملاقة، اكتشفت المخابرات السورية أن من بين الشركاء، إسرائيليون! تم ايقاف المشاريع. قامت القيامة. السوريون قبلوا بإعادة الأموال بسعر الشراء، لكن سعر الأراضي في كل سوريا تضاعف عدة مرات خلال شهور فقط. نشأ خلاف كبير، خاصة بعد موافقة تركيا على مد نهر صناعي من سد أتاتورك مرورا بسوريا لينتهي في القدس، تم تجميد المشروع مع مشروع أوتوستراد السلام الشهير /تحدثتُ عنه في مسلسل كتبته عام 2009 ولم يتم انتاجه بعد/. فبدأ جنون: قطر، الإمارات، تركيا وإسرائيل.

ـ أنسب طريق اقتصادي لغاز وبترول شرقي المتوسط /122 ترليون قدم مكعب/ هو المرور عبر سوريا في طريقه إلى أوروبا. هذا الغاز سيصل بسعر أقل من غاز سيبيريا وقطر بـ30%. هنا هرعت كل من: قطر، روسيا، بريطانيا، أميركا، تركيا، فرنسا، للفوز عبر شركاتها العملاقة بعقود استثماره والتحكم بأوروبا لثلاثين عام قادمة. الكل ينتظر موافقة سوريا على مرور الخط عبر أراضيها، وهي التي تقرر لمن تُعطي الامتياز. سوريا اختارت وانتهت..

ـ خطا غاز قطر وغاز بحر قزوين، يجب أن يمرا من سوريا إلى أوروبا، للتخلص من هجمات الأكراد في العراق وتركيا، لكن الروس يعارضون ذلك لأنه سيؤثر سلبيا على تسويق غاز سيبيريا.

ـ خط البترول والغاز من إيران والعراق سيمر من سوريا إلى مصفاة بانياس التي سيتم توسيعها لتصبح واحدة من أكبر المصافي في الشرق الأوسط. وهذا المشروع سيضر بالبترول السعودي بشكل خاص.

ـ حزب الله: هدد إسرائيل بكف يدها عن سرقة الغاز اللبناني من حقلي تامار وليفياثان، وقد أخذت تهديده محمل الجد، إذا لابد من التخلص منه ولكن سوريا تدعمه، إذا التخلص من سوريا أولا.

ـ قبرص فجأة أصبحت لاعباً مهماً باتفاقها السري مع إسرائيل، ومن مصلحتها أن تكون سوريا بلداً مفتتاً لدويلات متصارعة، فتتمدد مياهها الإقليمية للبحث عن الغاز قرب الشواطئ السورية. لكن تركيا تمانع وتطالب بمياه اقليمية لشمال قبرص المحتل والذي لاتعترف به أي دولة في العالم، وليس له مياه إقليمية.

ـ شيخ قطر يريد الحصول على لقب إمارة قطر مبدئيا، وقد تتطور الأمور لتصبح مملكة قطر، وهذا لايتم إلا بسلالة صافية ونسب أصيل. قد يكون تحقيق إنجازاتٍ سياسية كبيرة ولعب دور هام في الشرق الأوسط، هو الطريق لمملكة قطر هذه. نجح في ليبيا، وأثر في مصر وتونس واليمن، لكنه حتى الآن فشل في سوريا.

ـ الصين: يهمها الهدوء في الشرق الأوسط كي يستمر امداد النفط والغاز اللذين تفتقر لهما. وانهيار سوريا يعني سيطرة الغرب على 70% من مصادر طاقتها المستوردة، وبالتالي ستتحكم الولايات المتحدة بمعظم مصادر الطاقة خاصة إن انهارت إيران بعد سوريا، هنا ستصبح الصين تحت رحمة أسعار الطاقة وتتلاشى معها سيطرتها الاقتصادية على الولايات المتحدة.

ـ روسيا: تريد عودة أمجادها والوقوف بوجه أميركا وإلغاء نظرية القطب الأوحد، والحفاظ على آخر منفذ لها على المتوسط. كما أن غاز شرقي المتوسط يسيل له لعاب شركة غاز بروم الروسية. سوريا تُحققُ لها الكثير من الميزات، لهذا أتوقعُ أن تضعَ موسكو ثقلها في الأزمة السورية خاصة إن تفاقمت أكثر وهذا هو الأرجح… الأمور تسوء وتسير نحو الأخطر. دعكم من التطمينات هناك المزيد من الأصابع التي بدأت تدخل في الأعماق… 

ـ الولايات المتحدة: تريد التخلص من سوريا لبناء شرق أوسط جديد، سيدته إسرائيل لتتفرغ لمشاكلها مع الصين وروسيا والهند والدول الصاعدة اقتصاديا وعسكريا كالبرازيل. طلبت من سوريا الإبقاء على قاعدة عسكرية في العراق، رفضت الأخيرة. طلبت بناء قاعدة إنذار مبكر فوق الجبال التدمرية، رفضت. المقابل كان: الحكم الديكتاتوري بنظرهم، سيصبح فجأة ديموقراطياً.

ـ الأردن: يريد التخلص من قصة حق العودة وتوطين الفلسطينيين شرق الرويشد بتمويل خليجي، يُنقِذ اقتصاده. سوريا ومن وراءها بعض المنطمات الفلسطينية تقف في وجه هذا المشروع. تم استمالة حماس بوعود غربية لرفع اسمها عن قائمة المنظمات الإرهابية وتشكيل حكومة فلسطينية تضم وزراء كانوا البارحة إرهابيين. لهذا ركض مشعل إلى عمان والدوحة ثم القاهرة، مع وعود باستثمار غاز بحر غزة.

ـ مصر: الأخوانية قد يستقر الحكم فيها بمساعدة سعودية مادية ودينية، شرط السعودية، رغم عدائها للإخوان المسلمين، أن تبقى مصر بعيدة عن التأثير السوري، وتقوم بإقناع حماس بقبول العروض الإسرائيلية، وبهذا يستمر تدفق المليارات الثلاثة من مساعدات البيت الأبيض ومليارات إضافية من حكام الخليج، ولكن هل ستتفرج قطر على مصر بصمت دون أن تحشر أنفها؟

ـ السعودية: ومن وراءها العرب مجتمعين، يريدون التخلص من قضية فلسطين وضم إسرائيل ابنة العم إليهم، لتكون سندهم في حربهم ضد إيران الشيعية، وبما أنهم أنصاف رجال كما قال عنهم الأسد، وهذا التعبير مازال ينخر عظامهم وسوف يحاسبونه عليه إن استطاعوا، وبما أن جيوشهم الجبارة مخصصة لقمع المظاهرات على أبعد تقدير، فالجيش الإسرائيلي هو المرشح ليكون حامي الحمى من إيران وسوريا، اللتين تحملان السلم في العرض في قضية القدس.

ـ أفضل حل للتغلب على إيران الشيعية هو ضرب جبهتها الأمامية سوريا، حتى لا يسيطر الهلال الشيعي على الشرق الأوسط، ويتحول الإعجاب الخفي لشعوب الخليج بانجازات إيران التكنولوجية والعسكرية، إلى إعجاب علني وسخط على دول الخليج العاجزة عن صنع شماخ الأمير.

ـ إيران يهمها أن تصبح سيدة الشرق الأوسط في كل شيء، وسوريا بوابتها لذلك. وانشغال العالم بسوريا سيحجب الأضواء قليلا عنها، ريثما تُعلن امتلاكها للقنبلة النووية، أو تصل لاتفاق مع دول 5 + 1 تتراجع فيه عن قنبلتها مقابل شروط تفرضها. سقوط سوريا يعني تحجيمها وربما بداية انهيارها، لهذا ستدافع بأقصى طاقاتها.

ـ العـراق: لا حول له ولاقوة. يريد حدودا غربية هادئة شرط ألا يكون الحكم هناك معاديا، لكن مؤمرات حكام الخليج الطويلة عليه، لن تسمح بهذا.

ـ لبنان: المفتت انخرط في اللعبة  وغاص حتى أذنيه، وراحت الأمواج العاتية تلعب به، وكون عدد الزعماء في لبنان أكثر من عدد الشعب، سيكون أكثر المتضررين مما يجري في سوريا.

لا يمكن التغلب على سوريا بهجوم خارجي، لثلاثة أسباب:

1ـ الجيش السوري جيش قوي متماسك حتى الآن له عقيدة قتالية خاصة بوجود الأصدقاء والحلفاء. سقوط سوريا يعني سقوط روسيا والصين وإيران وحزب الله…

2ـ السوريون يمسكون بأوراق مهمة من اللعبة في الشرق الأوسط، ويمكنهم إشعال حرائق في المنطقة.

3ـ إذاً التغلّب على سوريا وقلب الحكم فيها لن يكون سهلاً،لهذا فالسرطان الإسـلامي الداخلي أسهل السبل، ويجب نشره في كل مكان وكل مدينة وقرية سورية، ثم يأتي تفتيتها لدويلات إسلامية وقومية تسهل السيطرة عليها من منشأ طائفي. لقد وجدوا في سوريا بيئة حاضنة لهذا السرطان، بعد أن أتخم المجتمع السوري بأخطاء الحكومات المتعاقبة، أخطاء قاتلة كان الفسـاد أهم نقاط الضعف فيها، فانساق الفاسدون لعبادة المال ونسوا عبادة الله، وأصبح تهريب السلاح إلى سوريا أسهل من تهريب الدخان.. وانقسم المجتمع السوري لطبقتين فقط؛ فاسدون هربوا للخارج وأصبحوا معارضة “نزيهة” تتحدث عن الشرف، بانتظار حجز الكراسي في الدولة الجديدة، وفاسدون آخرون ينتظرون فوق كراسي الحكم عسى ولعل. الفقراء فقط يدفعون الثمن..

آخر العروض التي قدمتها دول للخليج للرئيس السوري هو الاستقلال بدولة على الساحل السوري ومعه 30 مليار دولار وغاز البحر المتوسط قبالة الشاطئ، والإبقاء على القاعدة الروسية في طرطوس وبذلك يتم شراء روسيا أيضا. 

ـــ سقوط سوريا كدولة يعني: خسارة نصف العالم وربح النصف الآخر، والنتيجة سوريا مفتتة لطوائف وإمارات ودويلات. وأول ما سنراه، هو علم إسرائيل يرفرف في سماء العاصمة السورية حلب… نعم حلب، ستنقل المعارضة السورية العاصمة إلى حلب بناء على رغبات ومخططات تركيا. لأن دمشق أصبحت على بعد كيلومترات من إسرائيل بعد أن تتخلى المعارضة عن الجولان الذي اشترته إسرائيل بأموال قطر وبشكل قانوني. وسنرى أشقاءنا الإسرائيليين يتزلجون على ثلوج جبال بلودان في شتاء 2014، في المتنزهات التي ستفتتحها السيدة موزة، وسنرى هيئة النهي عن المنكر، وعلى بُعد أمتار، نادي العراة والشاذين جنسيا… هكذا يخططون.

انتصار سوريا يعني:

ـ اقتصاد سوري مزدهر.

ـ الجيش السوري سيصبح الأقوى في الشرق الأوسط.

ـ بدء سقوط دول الخليج كأحجار الدومينو.

ـ انكماش تركيا العثمانية وسقوط أردوغان، وفتح ملف لواء اسكندرون.

ـ إسرائيل ستفكر بإعادة الجولان بدون شروط.

ـ نهاية حقبة التسعينيات من سيطرة القطب الأوحد.

ـ سقوط الأردن ومشروعه لتوطين الفلسطينيين.

ـ عودة مصر إلى الحضن السوري.

ـ انهيار الفكر الوهابي بشكل كامل.

هل ستستسلم 100 دولة تحارب سوريا؟

يتـم العمل الآن على عدم السقوط وعدم الانتصار، وهذا يعني أنّ الحرب على سوريا مرشحة أن تطول سنوات وسنوات… هذا رأيي الذي يراهُ كثيرون سوداويّاً ويريدون مَن يقول لهم شهور قليلة وتنتهي الأزمة. الكاتب: د. جميل م. شاهين، طبيب، كاتب وروائي سوري ــ برلين 11.08.2012. مركز فيريل للدراسات.