
في كمين محكم تمّ قتل الإرهابي الأردني إياد الطوباسي (أبو جليبيب)، القيادي حالياً في تنظيم “حراس الدين” التابع لتنظيم القاعدة مع عدد من رفاقه. الكمين جرى البارحة جنوب شرق محافظة درعا قرب الحدود الأردنية، الجهة المُنفذة غير معروفة، دارت الشكوك حول المخابرات السورية، لكن نُرجحُ كونها عملية تصفية قام بها زعيم تنظيم جبهة النصرة، الإرهابي أبو محمد الجولاني.
إياد الطوباسي هو صهر زعيم تنظيم “القاعدة” في العراق، أبو مصعب الزرقاوي وابن مدينتهِ، الذي قتل عام 2006 بغارة أميركية في العراق. شارك الطوباسي في القتال في أفغانستان ثم عاد إلى الأردن ليتطوع في المخابرات الأردنية لـ “مكافحة الإرهاب”! فجأة عام 2003 اختفى وظهر في مُجاهداً في العراق. أسس مع عدد آخر جبهة النصرة بينهم إرهابي يُلقّب بأبي محمد الجولاني، غير معروف الاسم الحقيقي له أو الجنسية. استلم الطوباسي منصب أمير في الجبهة وبالتالي “القائد العسكري” في درعا وريف دمشق الجنوبي منذ 2012 حتى كانون الأول 2015، أعفي من منصبه وطُلبَ منه الرحيل إلى الشمال، فأصبحَ أميراً للجبهة في ريف اللاذقية
انشقّ الطوباسي عن جبهة النصرة بعد اتهام أميرها الجولاني بالتخابر مع جهاتٍ أجنبية غير معروفة! فجدّدَ ولاءه لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، بعد قيام الجولاني بإعلان فك الارتباط مع القاعدة، يومها صرّح: “تنظيم
القاعدة هو التنظيم الوحيد الذي يؤمن بوحدة المسلمين كافة في قتال أعدائهم”. كذلك انشق الإرهابي الأردني بلال خريسات “أبو خديجة الأردني” والأردني سامي العريدي لنفس السبب، وكلهم إرهابيون في سوريا.
أمرَ الجولاني باعتقاله مع عدد من رفاقه في محاولة “ظاهرية” لمحاربة التيار الموالي للقاعدة، ونتيجة الضغوط ووصول توجيهات “ما” للطوباسي، قرر العودة إلى محافظة درعا، لكنه فشل بالهرب. في نهاية تشرين الثاني 2017، هاجم أيمن الظواهري، جبهة النصرة وهددها طالباً إطلاقَ سراح الطوباسي ورفاقه.
لماذا أراد الطوباسي العودة إلى درعا؟
استطاع الطوباسي بنفوذه الكبير في المخابرات الأردنية وعلاقاته الواسعة مع كبار الضباط، تجنيد أكثر من 1400 إرهابي أردني حسب إحصائيات خاصة بمركز فيريل للدراسات. من هنا تعاظمَ نفوذهُ وسيطرته على آلاف الإرهابيين الأردنيين والسوريين والفلسطينيين الذين قاتلوا بصفوف جبهة النصرة والقاعدة جنوب سوريا، ونؤكد في مركز فيريل أنّ قسماً كبيراً منهم مازال عند الحدود السورية الأردنية، ضمن “البيئة الحاضنة” من الجانبين.
عمليات المصالحة لا تعني أن نوايا وأهداف عناصر وزعماء
الجماعات الإرهابية، نزلت عليهم الهداية وتابوا عن حمل السلاح وأصبحوا حمائم سلام، هؤلاء يا “أصحابَ المعالي” ينتظرون فرصة للعودة؛ الطوباسي كان يحمل لهم هذه الفرصة، فقد أجرى اتصالات ببعضهم وكان مخططه العودة إلى ريف درعا الجنوبي والبدء من جديد، ليس كأمير في جبهة النصرة ذات السمعة السيئة هناك، بل كزعيم في تنظيم القاعدة. هذا ما أكدهُ القيادي المنشق عن جبهة النصرة المدعو “أبو سراقة الشرعي” الذي نشر: (تقبل الله الشيخ المهاجر الأردني أبو جليبيب، الذي استشهد وثلة معه من الإخوة المهاجرين في درعا، حيث ضاقت بهم الحياة في إدلب وانطلقوا ليحيوا “مسيرة الجهاد” في درعا).
مَن قتل إياد الطوباسي؟
اتهام الإرهابي العراقي علي موسى عبد الله الجبيري الملقب
بـ “أبو ماريا القحطاني” زعيم وخبير الاغتيالات في جبهة النصرة، باغتيال الطوباسي أمرٌ نستبعدهُ في مركز فيريل، فهو حسب المعلومات وبعد مغادرته درعا إلى إدلب، بقي هناك ولم يغادرها، وليس لهُ مصلحة في قتله، كما أنّ نفوذ القحطاني ليس كبيراً فهناكَ مَنْ هم أقوى منه بدرجات، وبينهم إرهابي مغمور يُدعى أبو محمد حدود له باعٌ طويلة في الاغتيالات، سوف نبحثُ عنه ونجد تفاصيل أكثر عنه.
هذه معلومة خاصّة لأصحاب المعالي الكبار الكبار: حسب اعتراف أبي ماريا القحطاني نفسه:
“غادرتُ درعا إلى إدلب مروراً بالحواجز الأمنية، بعد دفع رشاوى بآلاف الدولارات” هل استوعبتم الأمر؟ رشاوى على الحواجز الأمنية وبالدولار
البعض اتهمَ بقايا الجيش الحر في ريف درعا، وهذا الأمر يحتاج لمجموعة كبيرة تتحرك بأسلحتها ضمن المنطقة دون أية رقابة أمنية بعد فرض الجيش السوري سيطرته، وهذا أيضاً أمر مستبعد.
كذلك اتهم “جيش خالد” التابع لتنظيم داعش في درعا
بقتل الطوباسي، وهو مازال متواجداً بصورة سرية في مناطقه، عند الحدود مع الجولان المحتل والأردن.
المؤكد لنا أنّ إياد الطوباسي أرسل زوجاته وأولاده إلى الأردن، ثم حاول الهرب إلى درعا من إدلب ثلاث مرات، وفشل إلى أن قام الجولاني باعتقاله في المرة الأخيرة.
قبل أكثر من شهرين، أي في أيلول 2018، ظهرَ الطوباسي في الزرقاء واصلاً من إدلب كيف؟ نُرجحُ أنها عملية للمخابرات الأردنية بمساعدة تركية
منتصف تشرين الثاني 2018، ظهرَ مع مجموعة جديدة من الإرهابيين الأردنيين في ريف القنيطرة الجنوبي مع اتصالات بالموساد الإسرائيلي. جرت خلال ذلك عدة اغتيالات لقادة مجموعات مسلحة في درعا قاموا بتسوية أوضاعهم مع الجيش السوري، منهم اغتيال “مشهور الكناكري” في داعل، ثم اغتيال “يوسف الحشيش” القائد العسكري السابق في فصيل “جيش المعتز بالله” في المزيريب.
بداية كانون الأول 2018 اختفى الطوباسي فترة معلومات مركز فيريل: ظهر مرة أخرى في 04 كانون الأول 2018 في مدينة الزرقاء الأردنية شارع الملك عبدالله، التقى عدداً الزعماء السلفيين وأجرى اتصالات مع جبهة النصرة في إدلب، يخبرهم أنه عائد خلال يومين إلى سوريا بمجموعة كبيرة من المجاهدين.
عبر الحدود الأردنية السورية باتجاه درعا مع مجموعة تضمُّ 30 شخصاً بينهم مهربين يعرفون الطرق. هناك مَنْ غدرَ بالطوباسي ونصبَ له كميناً كبيراً، فأفنى المجموعة كاملة ومعظمهم من جنسيات عربية، الأغلب أردنية وفلسطينية. عُرِفَ منهم مرافقا الطوباسي التونسي أبو سلمان، والأردني أبو طلحة المهندس، وطلحة المنصور، أبو زكريا.
هل قامت المخابرات الأردنية بإعلام نظيرتها السورية بتحركات الطوباسي ومجموعته؟ الاحتمال وارد ليس لأنّ الأولى تكافح الإرهاب، بل هي وثيقة حسن سلوك لا أكثر، ضمن خطة تقارب مع دمشق. الإرهابيّون ينشطون فوق الأراضي الأردنية ويتبعون للقاعدة وفرعها جبهة النصرة ولداعش، وآلاف من الأردنيين قاتلوا ضد الجيش السوري على مدى سنوات، سواء رضيت المخابرات الأردنية أم لم ترضَ، ودليل مركز فيريل تُقدّمه أسماء القتلى في صفوف الإرهابيين يومياً. لاحظوا أنّه لم يرد سوى اسم سوري واحد بين هؤلاء حتى الآن!!
الاحتمال الثاني هو أن يكون زعيم تنظيم جبهة النصرة وبأوامر من رؤسائه، قرر التخلص من الطوباسي كي لا يُسبّبَ لهُ “قلقاً” في المستقبل، على طريقة بان كي مون.
بجميع الأحوال يا أصحابَ المعالي الكبار الكبار؛ البيئة الحاضنة مازالت ناشطة وموجودة بقوة في كافة المناطق التي أجرت “مصالحة” في درعا وغيرها من المحافظات السورية. الأمن السوري يقول أنّهُ يفعل واجبهُ على أكمل وجه، وعلينا أن نُصدّق، فهل تٌصدقون أنتم؟ أيّ ضعفٍ أو اختراق في نقطة ما، سيؤدي لعودة ظهور مجموعات مسلحة خبيرة بالقتال والإرهاب، الطوباسي نموذجٌ من مئات بل آلاف من الذين عبروا كامل التراب السوري مروراً بحواجز “الأتاوة” نعم ما عاد اسمها حواجز أمنية فالفساد ينجرُ العظام يا أصحاب المعالي إن كنتم “لا ترون”. مركز فيريل للدراسات. برلين. 30.12.2018. “ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ”. 55 الذاريات.