لعبة سعر صرف الدولار وتأثيره على الاقتصاد. الدكتور جميل م. شاهين. بحث الحرب والاقتصاد. الجزء الرابع

يمكنكم مراجعة الأجزاء السابقة من بحث “الحرب والاقتصاد” على الروابط أو بكتابة “الحرب والاقتصاد” على مُحرّك البحث.

اجتمع عام 1944، قبل انتهاء الحرب، في الولايات المتحدة الأميركية بولاية New Hampshire ممثلون من 44 دولة لوضع نظام مالي عالمي جديد، لتحاشي الاضطرابات المالية التي حدثت قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، 1939 حتى 1945. فأنشأ صندوق النقد الدولي، ووافقت الدول على ربط اقتصادها بسعر صرف الدولار، واستطاعت منذ عام 1945 حتى عام 1971 المحافظة على أسعار صرف عملاتها مقابل الدولار، أي رُبطَ اقتصادها بالدولار بينما ربطت الولايات المتحدة سعر عملتها بالذهب، وباتت تتحكّمُ بسعر الصرف، ترفعهُ وتخفضه حسب ميزان مدفوعاتها… بهذا تسيّدت اقتصاد العالم… بعد عام 1971 قررت واشنطن وقف تحويل الدولار واحتياطيات الدول الأخرى من الدولار إلى الذهب، أي أعطت الحرية للدول بتسعير عملاتها مقابل عملات أخرى.

هذه الحرية لم تكن لصالح الدول الضعيفة، فحدث ما يُسمى “تعويم العملة” أي أن سعر الصرف متأرجح صعوداً ونزولاً، لمنع ذلك تخلّت الكثير من الدول عن احتياطيات الذهب ولجأت لشراء الدولار وتخزينه كعملة “آمنة” (العملات الصعبة) كونه المسيطر الأول على سوق الاستيراد والتصدير.

الدول صاحبة الاقتصاد القوي، كالصين وألمانيا بدأت تخفف اعتمادها على الدولار في التصدير والاستيراد، مما جعل اقتصادياتها ثابتة.

ثبات اقتصاد دولة، صغيرة أو متوسطة القوة، واستقرار عملتها، أصبح مرتبطاً بما تمتلكهُ من العملات الصعبة، فمثلاً نأخذ سوريا: لدى سوريا 1 ترليون ليرة سورية، أي 1000 مليار، كي تحافظ على سعر صرف الدولار بـ 50 ليرة سورية، يجب أن يكون في خزينتها 20 مليار دولار، وهذا كان قبل 2011.

كي تحافظ سوريا على سعر صرف الدولار بـ 50 ليرة سورية، يجب أن يكون في خزينتها 20 مليار دولار، وهذا كان قبل 2011.

سعر صرف الدولار وهمي!!

 ربط سعر صرف عملة الدولة التي تعاني من الحرب بالدولار قد يكون وهمياً، أو غير صادر رسمياً عن الحكومة، لكنّ سيطرة الدولار على السوق العالمية بالتعاملات التجارية، يجعل هذا الربط حقيقياً، كما تؤثرُ العقوبات المفروضة وما تنفقهُ الدولة من عملاتها الصعبة على المجهود الحربي، حتى تفرغ الخزينة. هنا تُصبحُ لعبة التجار والأثرياء بالتعاون مع المسئولين واضحة في التحكّم بسعر الصرف تبعاً لمتطلباتهم وأطماعهم، فيرتفعُ  سعر الدولار غالباً مع بعض الانخفاضات الآنية، ليُصبحَ ربطُ كل سلعة قائماً بهذا الارتفاع حتى لو كانت محلية الصنع، فنرى ارتفاع سعر الخضروات مثلاً والسبب “ارتفاع الدولار”! وكلّ هذا ربطٌ وهمي يدخل مُخيّلة حتى بائعة “البقدونس”. وبالتالي ترتفعُ الأسعار ويُعاني المواطن بينما تمتلئ خزائن تجار العملة…  

وهذا ما يحدثُ في سوريا؛ الخزينة خسرت معظم عملاتها الأجنبية بسبب الاستيراد والمجهود الحربي ومحاولة تغطية السوق بطرح الدولار لمنع ارتفاعه. العقوبات المفروضة على سوريا. حالة الحرب أدت لضعف الانتاج المحلي بشكل كبير. الفساد المالي والإداري لعب دوراً رئيسياً في التحكّم بسعر الصرف، والتغاضي عن أثرياء الحرب الذين يتحكمون بالسوق بسبب شراكتهم مع كبار المسئولين الفاسدين. لهذا نرى في مركز فيريل أنّ سعر صرف الدولار في سوريا سيبقى متأرجحاً غير ثابت طالما بقيت الأسباب السابقة موجودة: حرب، عقوبات، فساد، سوء تخطيط. علماً أنّ أيّ انتصار يحققه الجيش السوري يجب أن ينعكس إيجابياً على سعر الصرف، وهو أمرٌ طبيعي في دول العالم، لكن هذا لم يحدث ولن يحدث في سوريا.

من طرق الاحتلال الاقتصادي أيضاً، هو أن تلعبَ الدول الكبرى دور “الشرطي” لحماية الدول التابعة من مخاطر خارجية أو داخلية، حقيقية أو مُختلقة، وهذا موجود بوضوح في دول الخليج العربي. الدول هذه تمتلك ثروات طبيعية كبيرة لكنها دول ضعيفة وعاجزة عن حماية نفسها من صدام حسين سابقاً، وإيران حالياً، الحل أن تأتي القوات الأميركية فتقيم قواعدَ عسكرية كبيرة لتأمين حراسة آبار الغاز والبترول وشركاتها أولاً، ولمنع أي تهديد خارجي أو داخلي يؤثر على الإمدادات، وعلى الحكومات دفع ثمن حماية هذا الشرطي “الأتاوة”، وهو ما قالهُ ترامب صراحة… عندما تنضبُ الآبار لن يبقى جندي أميركي هناك، ولتذهب هذه الدول بحكامها وشعوبها إلى الجحيم. الدكتور جميل م. شاهين. بحث “الحرب والاقتصاد”. الجزء الرابع Firil Center For Studies FCFS Berlin