لماذا لم يحمل الأردنيون السلاح ضد دولتهم؟ إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. المهندس حافظ فيّاض

لماذا لم يحمل الأردنيون السلاح ضد دولتهم؟ إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. المهندس حافظ فيّاض

لا توجد شعوب واعية، كافة الشعوب قابلة للتحريك نحو الفوضى لتحقيق أهداف محددة لما بعد مرحلة الفوضى.

لماذا لم يحدث ما حصل في سوريا وليبيا، مثلاً في المغرب أو الأردن؟

رغم الاحتجاجات المستمرة والمتواترة زمنياً مراتٍ ومرات، (علماً أنّ هذين البلدين أقل استقراراً بكثير من سوريا، وتشكوان من مشاكل أكبر بكثير مما كان لدى ليبيا وسوريا قبل الحرب)!

السبب ببساطة هو أنّ القوى العالمية المسيطرة لم تحرك الوضع نحو التفاقم. هذه القوى أو القوة ليست الولايات المتحدة أو إسرائيل، بل هي بضع عائلات معظمها موجود في أميركا، تحكم شعوب تلك الدولة نفسها ومعها أوروبا وتسيطر على العالم كله عبر منظومة النقد والبنوك ومجمعات الصناعة والتجارة والهيئات الدولية الحاكمة والمُنَظِّمة للنشاطات النقدية المالية العابرة للقارات عبر الدولار و البنوك، وأخيراً… عبر الإعلام… وما أدراك ما الإعلام…

 

تمتلكُ الولايات المتحدة أكثر من ثلث ثروات العالم المالية، فإن أضفنا لها أوروبا، أصبحتا تشكلان نصف مقدرات العالم ومركز ثقل كل القوانين والنشاطات والنظم المالية إضافة للتكنولوجيا المتطورة، والصناعات بكافة أنواعها والإعلام، والهيمنة الاستعمارية التي لم تنتهِ كما يُكذبُ على الشعوب في كتب التاريخ.

 

حتى اللحظة… الصين وروسيا ليستا مستقلتان عن هذا النظام المالي ولا تستطيعان ذلك، إنما تكافحان طيلة الوقت للاستقلال عنه عبر إنشاء منظومة نقدية مالية مستقلة وعادلة، ستكون الشرط الأول والأهم لصعود هاتين الدولتين الى حجمهما المنشود.




أعود إلى جوهر المقالة، ولنتحدث بواقعية بعيداً عن العواطف الجياشة:

إذا كانت دول هائلة بحجم الصين أو روسيا تهتز بقوة أمام أسياد المال المتنفذين في العالم إن أرادوا هزّها، فكيف بدول ليست سوى نقطة صغيرة على الخارطة، وعالمياً لا وزن مالي أو نقدي لها مثل الأردن؟

 

نعم لا وجود لشعب واعٍ ولا وجود لوعي جمعي أصلاً، فالوعي الجمعي يتم تشكيله وإعادة تشكيله والتحكم به باستمرار،  و المشكلة في أن هذا كله يحدث دون إدراك الشعوب،  لأنه يتم ببرمجة اللاوعي، وهناك بحوث كثيرة حول ذلك، فهذا موضوع قديم و ليس فيه جديد سوى تطور الوسائل و سرعة تأثيرها.

أما الأردن فهو كبلد فقير جداً، ليس بموارده، إنما بإرادته وتبعيتهِ السياسية وخياراته وارتباطاته التاريخية التي بنيت تحت بند واحد هو : (الحفاظ على النظام الملكي مقابل التبعية التامة). هذا البلد يوضع تحت الضغط الآن كمرحلة أولى، فقط لأن الملك عبد الله الثاني أراد أن يناور قليلاً في قضية القدس، وبـ “صفقة القرن”، بأكثر مما تسمح له القوى العالمية وأدواتها الإقليمية.

تبعية الأردن كتبعية مصر، كتبعية تركيا، كتبعية السعودية… هم تُبعٌ يلعبون تحت الوصاية الأمريكية ومعها الجد البريطاني، ومحكومون بالمنظومة النقدية المالية الرأسمالية الدولية.

تعمل هذه المنظومة، كي تنتزع كل شيء من الشعوب، بمنح الدول القروضَ، ثم مطالبتها بالفوائد الضخمة، ومعها المطالبة بتعديلات ضريبية قانونية تقود إلى الخصخصة وفتح الأسواق أمام الشركات العالمية، التي تشتري البنى التحتية و كل ما هو مهم وذو قيمة في الدولة، فتنعدم بهذا شيئاً فشيئاً قدرة الدولة على التحكم بالاقتصاد وسوق العمل والتجارة،  وبذلك تصبح كسيحةً عن اتخاذ أية قراراتٍ مستقلة، ثم تأتي فترات تضخم مالي ثم عجز يتطلب مزيداً من القروض والديون و فوائد الفوائد، ومن ثم خصخصة أكثر، وتغيير في القوانين لصالح رأس المال والشركات أكثر وضد حقوق واحتياجات المواطن، وتستمر هذه الأنشوطة بالتضيق…

دَين القروض يمول بدين قروض جديدة، يتبعه انحسار أكبر باستقلالية الدولة وتصغرُ مساحة حركتها في مسائل سيادية مثل الموازنة العامة والتوظيف والتعليم والتقاعد والطبابة والبنى التحتية والمصروف العام، أي؛ انحسار وتراجع في كل شيء ليبقى حيز بسيط للمناورة بالنتيجة النهائية لهذا النهج.

هذا ليس حال الأردن فقط، بل حال الولايات المتحدة وأوروبا عموماً، رغم الغنى الهائل والفاحش تؤخذ النقود من جيوب الفقراء وتنهب من قِبلِ قلة قليلة تهيمن على كل شيء، وليست المسرحيات السياسة ولعبة الديمقراطية سوى أسلوب اليوم المتطور لاستعباد البشر.

الخلاصة… مشكلة الأردن مالية سياسية معاً، وليست مجرد رفع أسعار أو زيادة ضرائب… يراد أولاً تنازلاتٍ أكبر بخصوص ما ذكرناه في مركز فيريل للدراسات حول (صفقة القرن)، ليعود لاستعداده لتقديم خدماتٍ أساسية في موضوع فلسطين والمنطقة ككل…

إنّ أهم ميزات رئيس الوزراء الأردني الجديد عمر أحمد منيف الرزاز، ليست الدكتوراة التي يحملها أو خبرته وحنكتهُ، هي ببساطة وكما ذكرنا على صفحة مركز فيريل على الفيس بوك: المدير العام السابق للبنك الدولي في واشنطن وبيروت…

إذا فشل الأردن في التسويق جماهيرياً لذلك… واستمر في عدم نيل رضى أصحاب القرار “الكبير”… عندها على الأردن السلام…

مع تمنياتنا بالنهاية كل الخير والمحبة لشعب الأردن. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. المهندس حافظ فيّاض، برلين. 07.06.2018