مراحل الحرب والاحتلال الاقتصادي. الدكتور جميل م. شاهين. الجزء الثالث

يمكنكم مراجعة الجزأين السابقين من بحث “الحرب والاقتصاد”، على الروابط في نهاية هذا الجزء. نتابع اليوم الخطوات التي تسلكها الدولة المعتدية في حربها على أخرى، بتوجيهها مباشرةً أو عن طرق أخرى غير مباشرة، لاتباع مراحل تتسببُ بمصاعب تتحوّل لأزمة اقتصادية فيها.

  • تحريرُ أسواق الدولة المُستهدفة Free market وفتحها للبضائع الأجنبية، حتى لو كانت هذه الدولة تُنتجُ مثيلاتها وبنفس الجودة. يتم الترويج للبضائع الأجنبية إعلامياً واجتماعياً بحيث تسيطرُ على الأسواق ويتوقف الناس عن شراء البضائع الوطنية. هذا أسلوب بسيط قياساً لما سيأتي لاحقاً، يتم فيه أمران:

الأول: ضربُ الصناعة الوطنية.

الثاني: نفاذُ العملات الصعبة اللازمة لاستيراد البضائع الأجنبية.

الأمر شائعٌ جداً حول العالم، ومثالهُ شاهدناه في سوريا بفتح الأسواق السورية للبضائع التركية كـ “الموبيليا” والملبوسات، مما أضرّ بهذه الصناعة في سوريا وتسبب بخسائر بمئات الملايين من الدولارات، فأغلقت معامل وورشات وخسر آلاف مهنتهم ومصدر رزقهم… بدأ تحرير الأسواق والتجارة من قِبل الحكومة السورية ورفع الدعم جزئياً أو كلياً، علاقاتٌ اقتصادية واتفاقياتٌ بالجملة… تمّ ذلك بناء على توصيات بعثة مشاورات صندوق النقد الدولي السنوية … وفق المادة الرابعة من ميثاق التعاون: تقارير 2008 و 2009. ننصحكم بمراجعة بحث الربيع العربي الثاني الذي نشرناه في مركز فيريل للدراسات.

  • فتح مشاريع كبيرة تقوم على تنفيذها شركات أجنبية مرتبطة بالدولة المُتسعمِرة، هذه المشاريع تحتاج لقروض من البنوك الدولية، وخبرات أجنبية، أي تستفيدُ منها تلك الدول الكبرى. القروض تعني تبعية وارتهانُ تلك الدولة بدخلها القومي لسداد الديون ومعها الفوائد. قد يحدثُ عجزٌ عن السداد فتسوء الحالة الاقتصادية ومعها الاجتماعية، وتضطرُ الحكومة للاستغناء عن الكثير من المشاريع التنموية… وقد تلجأ لبيع حصصها للسوق الخاصّة “الخصخصة” والتي تعود بالنهاية للدولة الكبرى، أو تعود للاقتراض فيزداد الارتهان والتبعية.
  • في حالة كانت الدولة “فذّة” وقادرة على السداد وتطوير المشاريع التنموية وتحسين اقتصادها. أو رفضت تلك الدولة القروضَ الأجنبية وقامت بعملية “الاكتفاء الذاتي” مع مساعدات من الدول الصديقة… تقوم الدولة الاستعمارية بخلق مشاكل أخرى لها، كدعم مجموعات عرقية فيها تطالبُ بالاستقلال، أو تحريض مجموعات دينية أو إثنية، والأفضل؛ خلق مشاكل داخل هذه الدول كالحرب الأهلية، أو مع دول الجوار لإشعال النزاعات المسلحة. هنا تستفيدُ الدول الكبرى من بيع السلاح لطرف أو لطرفي النزاع. الحروب ينتج عنها الدمار أيضاً، فتأتي مرحلة إعادة الإعمار، وطبعاً الشركات الأجنبية جاهزة. بعدها تدخل بين الدول المتصارعة في عملية المصالحة “المؤقتة”. الأمثلة كثيرة: الحرب الأهلية في جمهورية إفريقيا الوسطى، الحرب بين شمال وجنوب السودان، الصراع بين أرتيريا وإثيوبيا، دول الخليج وإيران سابقاً وحالياً، سوريا وتركيا، العراق وتركيا، ليبيا، اليمن، فنزويلا…
  • الهدف الرئيسي هو التبعية الاقتصادية والسياسية، لهذا بالإضافة للأساليب السابقة، هناك عمليات ربط اقتصاد الدول المقترضة باقتصاد الدول الكبيرة، وهذا أمر معروف عن طريق ربط سعر الصرف للعملة المحلية بالدولار.

نتيجة التبعية والضيق الاقتصادي ومعاناة الشعب أو في حالة الحروب، فجأة يصحو الضمير لدى زعماء الدول الكبرى، فيرسلون شحنات مساعدات تُسمى اصطلاحاً “إنسانية”. كما تقدم مساعدات اقتصادية وعسكرية دورية غالباً ما تكون سنوية، كمثال المساعدات الأميركية لمصر وهي 2,1 مليار دولار بعد عام 1978 وتوقيع القاهرة لاتفاق السلام مع تل أبيب. المساعدة هذه لا تُشكل أكثر من 1,9% من الدخل القومي المصري، لكن واشنطن تُهدد دائماً بقطعها في حال تجاوز مصر للخطوط المرسومة، مما يؤثر سلباً على الاقتصاد المصري. علماً أنّ الولايات المتحدة تُقدّم مساعدات مماثلة وبعضها ذات قيمة أعلى، لعشرات الدول حول العالم، أفغانستان. الباكستان. الأردن. بولندا. إسرائيل. كولومبيا. السودان. العراق… المطلوب من هذه الدول هو “الولاء والطاعة”. مركز فيريل للدراسات. الدكتور جميل م. شاهين. بحث “الحرب والاقتصاد”. الجزء الثالث.

الجزء الأول والثاني:

https://bit.ly/2vAeXir

https://bit.ly/2VIzIao