مكاسب أردوغان من حرب القوقاز. فادي عيد وهيب

مكاسب أردوغان من حرب القوقاز. فادي عيد وهيب. القاهرة. باحث وحلل سياسي في شؤون الشرق الأوسط وإفريقيا Firil Center For Studies FCFS Berlin

يبدو في الأفق توافق نسبي بين الأطراف الفاعلة في الملف الليبي على تقزيم الحرب هناك على الأقل، في ظل جهود مصرية لإخراج كافة العناصر المسلحة الأجنبية من ليبيا، وهنا كانت المعضلة الأولى أمام أردوغان من يجلس على مقعد طرابلس الأول؛ فايز السراج أم فتحي باش أغا، خاصة وهو يدرك أن الداعمين لطرفي الحرب الليبية مقبلين على تقديم تنازلات والتضحية ببعض الأسماء ليستمر المسار السياسي الذي بات الكل يدفع نحوه، كي تحافظ الولايات المتحدة وبريطانيا على الأقل على عدم إحداث خلل بين كافتي الصراع بعد الخط الأحمر المصري على سرت والجفرة.

ماذا يفعل أردوغان بالمرتزقة في ليبيا؟

ثاني معضلة لأردوغان في ليبيا هي مصير المرتزقة الذي جلبهم لها، في ظل الصراعات الجانبية بينهم بغرب ليبيا، حتى صار مصير مرتزقة أردوغان في ليبيا واحد من ثلاثة، الأول التجنيس بالجنسية الليبية والإنضمام لجهاز شرطة فتحي باشأغا، والثاني تركهم للموت على عتبات سرت إن تمادوا في غبائهم وطمعهم، والثالث سحب بعضهم من ليبيا لحدود أذربيجان مع أرمينيا، تجنبا لصراع فيما بينهم، ولمنح أردوغان الأفضلية في القوقاز كما كان في شمال سوريا وغرب ليبيا، بعد أن تلقى الضوء الأخضر لإشعاله بيوليو الماضي.

ماذا فعلَ أردوغان بالمرتزقة الإرهابيين في ليبيا؟ إلى أين سيتم ترحيلهم؟

وبالتأكيد عندما تنشب المعركة بين أرمينيا وأذربيجان، لن تكون تركيا المتداخل الوحيد بميدان القوقاز بل ومعها إسرائيل في نفس الخندق والسبب جارة أذربيجان الجنوبية إيران، كي تكون المعركة ثلاثية الأبعاد، بحرب تبدو للعين المجردة بين أذربيجان وأرمينيا، وفي بعدها الثاني تركيا ضد أرمينيا، وإسرائيل ضد إيران، وفي بعدها الثالث الناتو ضد روسيا. هكذا تبدو الحرب هناك، فهل هذه هي الحقيقة؟

هناك محور يجر روسيا عبر أدواته لحرب بأقرب نقطة لحدودها، وأبرز تلك الأدوات تركيا وأذربيجان وأوكرانيا، فتداعيات ضم روسيا للقرم2014 لم ولن تنتهي بعد، وطبعا تركيا أبرز الداعمين لأذربيجان وأوكرانيا معا، ولا ننسى تأييدها حق كييف في القرم، وكنيستها بالقسطنطينية أعطت شرعية إنفصال الكنيسة الأوكرانية عن كنيسة موسكو الأم، وتتار القرم (المرتبطين لغويا وعرقيا بتركيا) تبنوا كل العمليات التخريبية بالجزيرة.

و يبقى هناك نقطة واحدة فقط إيجابية لروسيا في عدوان أذربيجان على أرمينيا، وصمت الولايات المتحدة عن ذلك، وهو أن رئيس الورزاء الأرميني الموالي للغرب صار مجبراً على الهرولة نحو موسكو، وهذا ما لم يدركه باشينيان، بأن أرمينيا لا صديق لها إلا روسيا، كما هو حال الأكراد لا صديق لهم إلا الجبال، وكلهما يتأذى بشدة من أردوغان في الأيام الماضية.

نجح أردوغان حتى الآن في أرمينيا

الآن وبعد مرور عدة أسابيع على الحرب بين أذربيجان وأرمينيا نستطيع القول أن أردوغان نجح في تحقيق هدفه الإستراتيجي البعيد من تلك الحرب وهو؛ خلط الأوراق مجدداً ووضع الأضداد في وجه بعض من جديد، كي يلعب على التناقضات بينهم، فإسرائيل الذي انزعج أردوغان بشدة من تطبيع علاقاتها مع الإمارات، وهدد بسحب سفيره من أبوظبي وليس من تل أبيب! اليوم أعاد إسرائيل مجدداً الى صفه بعد أن ثبّت أقدامها بالقرب من حدود إيران الشمالية، وقدم هدية غالية الثمن للدولة العميقة بواشنطن بخلق “شيشان جديدة”، في وقت حساس جداً قبل الإنتخابات الأمريكية القادمة، التي يتخوف منها أردوغان سواء جاءت نتيجتها ببقاء ترامب في الرئاسة أو بفوز جو بايدن بها، فالأول قد ينحاز للعرب بفعل موجات التطبيع، والثاني صرح بأن أردوغان ديكتاتور وسيسقطه من الداخل. هذا بالإضافة لأهداف أخرى داخلية لحرف الأنظار عن مصاعبه الإقتصادية المتفاقمة وتراجع قيمة الليرة التركية وارتفاع الديون الخارجية.

نجح أردوغان حتى الآن فهل سيُسمحُ له أن يستمر بنجاحه؟

شيشانٌ جديدة بإنتظار روسيا ستصل نيرانها إلى إيران “البراغماتية”

لا عجب من تصرفات أردوغان فهو من وعدنا بأن يصلي في الأقصى فور توليه رئاسة تركيا منذ 17 عاماً، وفشل… ثم وعد بالصلاة في المسجد الأموي بدمشق عام 2012، وفشل، بينما مازالت الملايين من السذج تُصدقهُ والمصلون في الأقصى يرفعون صورهُ وينتظرون… وينتظرون… رغم أنهُ لا يتوضأ إلا بدماء المسلمين في العراق وسوريا وليبيا والصومال والآن بدماء المسلمين في القوقاز ولم ينتهِ بعد. فادي عيد وهيب. باحث ومحلل سياسي في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. مركز فيريل للدراسات. 08.10.2020