هل بدأ نجمُ بوتين يخبو؟ الدكتور جميل م. شاهين

هل بدأ نجمُ بوتين يخبو؟ الدكتور جميل م. شاهين. 07.10.2020 Firil Center For Studies FCFS Berlin

صباح 20 آب لعام 1968، استفاق أهل تشيكوسلوفاكيا على أصوات 2000 دبابة و800 طائرة سوفيتية ومن حلف وارسو ومعهم 235 ألف جندي، يغزون أراضيهم. السبب؛ بداية ربيع تشيكوسلوفاكي للتحرر من سطوة الاتحاد السوفيتي. أدانت كافة دول العالم ما حصل بما في ذلك الصين والولايات المتحدة وحلف الناتو. لم يكترث ليونيد بريجينف لهذه الإدانات وأعاد البلد إلى حضن حلف وارسو. ألكسندر دوبتشيك رئيس البرلمان سعى لإقامة حكم لامركزي وإجراء إصلاحات سياسية وإقتصادية، خشي بريجينف أن تنسحب براغ من الحلف إلى الناتو فتصبح قاعدة أميركية في خاصرة موسكو، فاستبق ذلك وضرب ضربته.

أين روسيا من الإتحاد السوفيتي؟

اليوم ونحنُ نُقارن بين الإتحاد السوفيتي في الستينات والسبعينات وحتى أواسط الثمانينات من القرن الماضي، هل أعادت روسيا تلك المكانة؟ هل تستطيعُ روسيا بقيادة بوتين تحدّي العالم كما فعلها بريجينيف وغيره من القادة السوفيت؟ بغضّ النظر إن كنّا في مركز فيريل للدراسات وأنتَ أيها القارئ الكريم، نتفق أو نختلف مع تلك السياسات. لاشكّ أن روسيا اليوم أفضل وأقوى منها في التسعينات والعقد الأول من هذا القرن، لكنّها لم تصل بعد لما كان عليه السوفيت.

هل باتت روسيا نسخةً عن الولايات المتحدة؟

لا شك أن السوفيت ساعدوا ودعموا دولاً عديدة حول العالم في العقود الماضية، ولم يتخلَّ قادتهم عنها إقتصادياً وعسكرياً لتوثيق هذا الدعم. لم تترك موسكو حلفاءها يواجهون أعداءهم لوحدهم، أوقفوا العدوان الأميركي أو دعموا بشكل مباشر كوبا وسوريا ومصر وليبيا والعراق وفيتنام وكمبوديا وبنما وتشيلي ونيكاراغوا وغيرها الكثير، في مواجهة الناتو وواشنطن.

تراجعَت قوة السوفيت وتفكك إتحادهم، ليتحوّل الدعم إلى شجب وإدانة؛ تفرّجوا على غزو العراق ثم أدانوا عملية ثعلب الصحراء وقصف صربيا وهاهم يتفرجون على سوريا وأرمينيا. تفكك حلف وارسو وتحوّلت معظم دوله إلى الناتو واستقبلت صواريخ أميركية تُهدّد موسكو نفسها، فماذا فعل الروس؟ خسروا معظم حلفاءهم حول العالم وتحول هؤلاء الحلفاء إلى المعسكر الأميركي.

دعونا نعذر الروس لضعف دولتهم خمسة وعشرين عاماً منذ عام 1990 حتى 2015… عدة حوادث ظهر فيها الروس، خلال السنوات الخمس الماضية حتى يومنا، أضعف والوثوق بهم أقل، حتى باتوا قريبين من السياسة الأميركية. تدّعي واشنطن أنها تُحرّرُ الدول من الديكتاتورية وتنشر الديموقراطية، ولا يُصدقها سوى السذج. فهل روسيا اليوم بأفضل منها؟

فلننسَ ليبيا والعراق وفنزويلا وغيرها ولنتذكر فقط سوريا وأرمينيا

الروس في سوريا

لاشك أن روسيا لعبت دوراً قوياً في محاربة الإرهاب وساعدت الجيش السوري في حربه ضدهم منذ تدخلها عام 2015. لكن هل تمكنت روسيا من مواجهة الولايات المتحدة في سوريا؟ الجواب معروف، نصيغ سؤالنا بطريقة أخرى: هل تمكنت روسيا من مواجهة تركيا في سوريا؟

الإحتلال التركي ومعهُ عملية التتريك ومخطط ضم أجزاء واسعة من محافظة إدلب وحلب تجري تحت عيون موسكو. أزمة إقتصادية ومعيشية خانقة منذ سنوات وصلت الآن لحدّ لا يطاق، أيضاً تحت عيون موسكو، فماذا فعلت؟ ألا يستطيع بوتين أن يأمرَ ناقلة بترول بالرسو في ميناء طرطوس والتخلّص من أزمة البنزين؟ ألا يستطيعُ تأمين القمح والتخلّص من أزمة الخبز والبطاقة الغبية؟ الفساد انتشر في سوريا بين كبار كبار المسؤولين، ألا تستطيعُ روسيا فعلَ شيء لمحاربته أم أنّ الفساد مُفيدٌ لها تماما كما يُفيد الفساد في العراق، الولايات المتحدة؟

الجيش السوري اقتربَ من تحرير كامل محافظة إدلب والذي أوقفه هم الروس كي لا يُغضبوا أردوغان. الطيران الإسرائيلي يقصف الجيش السوري بشكل مستمر، والروس لا يسمحون باستخدام إس 300، كي لا يُغضبوا نتنياهو.

النتيجة: لا يوجد لسوريا حلفاء بما في ذلك روسيا وإيران، هما أصدقاء مصلحة ليس أكثر.

الروس في أرمينيا

أرمينيا الجمهورية السوفيتية السابقة، صاحبة التاريخ الحضاري العريق والتي كانت مساحتها تتجاوز مساحة إيران. حكمت من بحر قزوين إلى شواطئ المتوسط، عمر عاصمتها يريفان 2800 سنة. أصبحت اليوم بمساحة 29 ألف كم مربع وعدد سكان 3 مليون فقط، هذه الدولة الصغيرة والتي تربطها بروسيا معاهدة الأمن الجماعي، تُحاربُ لوحدها أذربيجان وتركيا وحتى إيران، بينما تكتفي موسكو بطلبِ وقف إطلاق النار.

المؤكد أنّ الجيش التركي يُشاركُ في هذه الحرب ضد أرمينيا، ومعه عدة آلاف من الإرهابيين من “جيش الإخوان المسلمين” من جنسيات سورية وغير سورية. هؤلاء يُقسمون لقسمين: قسمٌ أرسلَ كي يكون في الصفوف الأولى أي ليموت، والقسم الآخر أّرسِلَ كي يبقى في أذربيجان تمهيداً للخطوات القادمة شمالاً نحو موسكو وجنوباً نحو طهران…

في أيلول الماضي، أجرت تركيا وأذربيجان مناورات عسكرية مشتركة، سؤالنا في مركز فيريل للدراسات: هل عاد الجنود الأتراك ومعهم الدبابات والطائرات المقاتلة والأسلحة الحديثة إلى أنقرة، أم بقوا هناك؟ أيُعقل أنّ المخابرات العسكرية الروسية لم ولا تُدرك هدف التدخل التركي اللاحق؟!! أليست المناورات دليلاً على نوايا مسبقة للحرب على أرمينيا؟ ماذا تنتظر موسكو وبوتين أكثر، أن يصل الإرهابيون الأتراك إلى الكرملين، عندها يصحو الدبّ الروسي وقد لا يجد وقتاً كي يصحو…

أين إيران؟

تصريحاتُ أقل ما يُقال عنها غير مدروسة ومتناقضة مبدئياً، لعلي أكبر ولايتي مستشار خامينئي في مقابلته مع صحيفة كيهان، بأنّ أرمينيا تحتلُ أجزاء من أراضي أذربيجان بما في ذلك إقليم أرتساخ الأرمني (دولةٌ تحتلُ أرضها!)، وعليها مغادرتها. تابع في تصريحه أنّ تركيا وإسرائيل تدعمان أذربيجان، ثم يوصي ولايتي تركيا بالعمل على تحرير تلك المناطق وحماية المظلومين الأذربيجانيين!

بما أنّ عدوّ إيران الأول هو إسرائيل المتواجدة حسب ولايتي في إقليم أرتساخ عند حدود بلاده، المفروض أن تقفَ طهران مع أرمينيا، أو على الحياد على الأقل دون تصريحاتٍ، لا أن تقفَ إيران وأذربيجان وتركيا وإسرائيل في صفّ واحد!.

ماذا بعد يا بوتين؟

قد يتحدّثُ البعض عن سياسة بوتين الهادئة وطريقته الخاصة باستدراج الضحية، أو أنّ روسيا ستضرب بقوة في اللحظة المناسبة… من المقبول أن تكون ردة الفعل متأنية في موضوع إسقاط الطائرة الروسية، لكنّ التأني في موضوعي سوريا وأرمينيا خاصة يعني الإنتحار… الإنتحار يا بوتين.

بعد عام 2015، ارتفعت شعبية بوتين ولمع نجمهُ في عدة دول بما في ذلك بلدهُ. تدخلهُ في سوريا ومساندة الجيش السوري كان له الفضل الأول بإعادة شيءٍ من قوة الاتحاد السوفيتي. ثم انخرط في إرضاء تركيا التي لن ترضى حتى لو أجلس أردوغان مكانهُ. احتلت تركيا إدلب وريف حلب وأجزاء من ريفي الحسكة والرقة. أسقطت طائرة روسية. حوّلت كنيسة آجيا صوفيا الإرثوذكسية إلى مسجد. تدخلت في ليبيا. واليوم أصبحت عند الحدود الروسية الجنوبية، فماذا فعلتَ وماذا أنتَ فاعلٌ يا بوتين؟

اسمع هذه القصة القصيرة يا بوتين

بما أنّك تُحبُّ سماع القصص هذه واحدة مختصرة من تأليفنا في مركز فيريل للدراسات: يُحكى أن رجلاً عانى من هجوم صبيّ لصّ بشكل متكرر على بعض أملاكه وسرقتها. اللص الصغير يُنفّذُ خطة والده اللص الأكبر. كان بإمكان الرجل إطلاق النار وقتل اللص الصغير فيرتدع والدهُ، لكنّه ظنّ أنّ بإمكانه استمالتهُ لجانبه كي يفصلهُ عن اللص الكبير، فراح يتغاضى عن سرقاته ويُبررها أحياناً. كبرَ اللص الصغير وكبر وأصبح مُحترفاً، فباتَ الرجل يواجهُ لِصَّين كبيرين، الصبي وأبيه، قاما بهب كافة ممتلكاته وحرقوا منزله وأعادوه إلى الحضيض… وصلت الفكرة يا بوتين؟ الدكتور جميل م. شاهين. مركز فيريل للدراسات. 07.10.2020