هجرة اللاجئين المُعاكِسة نحو… سوريا د. جميل م. شاهين ـ برلين

 

يرى الإنفعاليـون هذا الكلام ضرباً من الخيال، لكنّ الخيال بـــدأ يتحول لحقيقـة…

لا أتحدثُ هنا عن عودة اللاجئين السوريين من الأردن ولبنان وغيرها من دول الجوار، بل عن عودتهم من الدول الأوروبية، وتحديداً ألمانيا. عـودة إختياريـة أو قسـرية.

الصورة الفردوسـية الألمانية توضحت معالمها، وظهرت ملامحُ مبدئية لما ينبغي على اللاجئين فعلهُ، فالذي جاء بحثاً عن الديموقراطية والحرية، صُدِم بسياط حراس مراكز اللجوء الأتراك. والذي جاء بقصد جمع المال صعقهُ راتب المساعدة الإجتماعية. أما الذي جاء بحثاً عن حوريات شقراء، فتكفيهِ نظرة الإحتقار من الشعب الألماني بعد حوادث الإغتصاب الأخيرة، هذا إن كان لديهِ إحساس. أن يُمنعَ اللاجئون من دخول المسابح وصالات الديسكو والمسارح، فهذه بداية لما يشعر به الألمان، وللأماكن التي سيُحصرُ فيها اللاجئون. لهذا لن يبقى من هؤلاء إلا الذي سيرضخُ لشروط الحكومة الألمانية ويمكنـه التأقلم مع مجتمع متحضّر متطور، فيتعلّم اللغة، ثم يعمل أو يدرس، أمّا الذي جاء بمجتمعهِ المتخلّف ويطمحُ بغبـائه أن يؤقلم الألمان مع تحجّر عقله، فسـوف ينعزل في كنتونات منغلقة متخلفة يسيطر عليها الإجرام والمخدرات، وهو ما حذّر منه الكثيرون من المحللين السياسيين والإجتماعيين.

الجيش الألماني أعلنَ توقفه عن مساعدة اللاجئين الطارئة مع قدوم الصيف، ورئيس وزراء أغنى الولايات الألمانية بايرن، السيد زيهوفر قال البارحة: “سنقبل سنوياً 100 ألف لاجئ، وكحد أقصى 200 ألف.” أي سيُقبل خُمس عدد اللاجئين، وأضاف زيهوفر: “سنغيّر قوانين اللاجئين، ولن نكرر ما حصل عام 2015 تحت أيّ ظرف.”

سيتم طرد اللاجئين من المغرب والجزائر، باعتبار بلادهم آمنة، خاصة وأنهم أكثر مَنْ شارك بعملية الإغتصاب، تونس على طاولة المناقشة وستعتبر بلداً آمناً قريباً.

بالنسبة للسوريين، قانون لم شمل العائلة الذي حُصر بالزوجة والأطفال تحت سنّ الثامنة عشرة، وأقرب موعد يحصل عليه الشخص في السفارة الألمانية في لبنان هو بعد 12 شهراً، بدون رشــوى للعاملين في السفارة من “الأشقاء”. أما قانون لمّ شمل الأقارب من الدرجة الثانية بوجود كفيل، فقد انتهى مع نهاية عام 2015.

التوقف عن العمل باتفاقية تشنغن بدأته النمسا، وأصبح لا يمكن للاجئ الذي حصل على إقامة التنقل في أوروبـا.

قانون الإندمــاج بدأت السلطات الألمانية بتطبيقهِ حرفياً، أي على اللاجئين أن يعيشوا كالألمان، وأول مراحلهِ في رياض الأطفال “كيتا”، وعلى الأمهات أن تدخلن دورة لتعليمهنّ طريقة التربية الصحيحة بعيداً عن أساليب الجاهلية في التربية. حصة تعليم السباحة للفتيات في المدارس الإبتدائية إلزامية، مهما كان موقف الوالد “المؤمن”. دورات تعليم اللغة الألمانية أيضاً إلزامية والمتخلف عنها لن يحصل على المساعدة الإجتماعية. كل جريمة يرتبكها اللاجئ ستكون عقوبتها الطرد إلى بلده الأصلي، بما في ذلك جرائم السرقة.

اللاجئون الذين ارتكبوا عمليات قتل في سوريا مهما كان انتماؤهم وجنسيتهم، تحت المراقبة اللصيقة، وسيتم تسليمهم للسلطات السورية أو لبلد آخر.

من خلال لقاءاتي مع اللاجئين، أحصيتُ 22 حالة هجرة معاكسة للسوريين خلال شهر كانون الأول الفائت، في برلين وولاية براندنبورغ.

أحد الذين قرروا العودة إلى سُــوريا قال لي حرفياً: “عشتُ ثلاثين عاماً في دمشق، لم أتعرض للإذلال والإهانة حتى من قِبل المخابرات السورية، كما تعرضتُ لها على أبواب دائرة الهجرة في برلين. كنتُ أذهبُ لحجز بطاقة الدخول عند الثالثة صباحاً، تُفتح الأبواب في السابعة، عندها يمارسُ الحراس الأتراك عمليات تفضيل شخص عن آخر، وتبدأ المعارك والشتائم…”. بعد تسع محاولات، نجح في دخول المبنى وحجز البطاقة، انتظر حتى الخامسة مساءً، ولم يأته الدور بمقابلة الموظفة المختصّة، فأعاد الكرة مراتٍ حتى نجح. التقيتهُ قبل أيام، حصل على الإقامة وباتَ عليه التفتيش عن شقة صغيرة، ودخول دورة تعليم الألمانية. تقدّم بطلب لم شمل عائلته من سوريا، فجاءهُ الموعد في 02 شباط 2017، أي عليه أن ينتظر أكثر من سنة ونصف كي يلتقي بعائلته وطفليه. قال: “ستمرُ عليّ أكثرُ من سنتين حتى أبدأ من الصفر في مجتمع لا أقبلهُ ولا يقبلني.”. أضاف متأثراً: “صحيح أننا في سوريا ليس لدينا كهرباء، ولا أمان، والغلاء والفساد منتشر، لكنها بلدي وستبقى عزيزة عليّ مهما حصل.” سألتهُ: “لماذا جئتَ إذاً؟”. ابتسم وأجاب: “كانت نوبة جنون… لا، بصراحة نوبة غباء وغيرة وانتهت.”. مشكلتهُ الآن أنّ السلطات الألمانية لم تقبل أن تُعيدَ له جواز سفرهِ السوري، فبعد أن تقدّم بطلب إنهـاء اللجوء، راحت الدوائر الحكومية تتقاذفهُ؛ دائرة الهجرة تقول أن جوازه مازال عند الشرطة، الشرطة تقول أنها أرسلته لدائرة الهجرة، وبين حانا ومانا ضاع الجواز السوري، وعن قصــد…

تتباينُ الآراء، فبعض الذين قابلتهم يقولون: “نار سوريا ولا جنة ألمانيا.”، آخرون يقولون العكس. السوريون الذين قرروا البقاء في ألمانيا لهـم أهداف متباينـة:

ــ طــلاب عِلم يسعون بجدّ لنيل شهادات عليـا وتأمين مستقبل مرمـوق.

ــ أناس فقدوا كلّ شيء في الوطن، فباتت الحياة في ألمانيا مهما كانت، أقل سـوءاً.

ــ أشخاص اتكاليـون كسالى، يمكنهم العيش بفتات المساعدة الإجتماعية والتسول على أبواب الكنائس، ولكن إلى متى سيبقى العمل بقانون المساعدة الإجتماعية؟.

ــ فارّون من الخدمـة العسكرية.

ــ مجرمون ارتكبوا جرائم قتل في سـوريا، تقدموا بطلب اللجوء معتقدين أنّ الألمان غافلون عنهم، بعضهم راح ينشر الدعوى لأنّ الله انتدبـهُ في مهمة سـماوية!.

ــ مختلسون، نهبوا الأموال من ســوريا، وبدأوا يفتتحون مشاريع في ألمانيا، هؤلاء مُرحّبٌ بهم من قبل السلطات الألمانية.

ــ أناسٌ شـعروا بخيبة أمل، وبأنّ ما جاؤوا من أجله كان وهماً، لكنهم يخجلون أن يعترفوا بذلك، يُكابرون ويتظاهرون بالسعادة كي لا يشـمت بهم الصامدون في سـوريا.

الهجرة المُعاكسة ابتدأت وإن كانت خجولة الآن وبأعداد قليلة، لكن عندما يتأكدُ العازمون على العـودة من أنّ السجن، كما يُشاع، لن يكون بانتظارهم لدى دخولهم الأراضي السورية، ستزداد وتيرتها، وهذه مهمة حكومتنا “الرشـيدة” إن كانت فعلاً تريد عــودة المهاجرين!

مع بدايـة استتباب الأمن وتحرير المزيد من المدن والقرى، وعودة الأمان ولو كـان جزئياً إلى سـوريا، والبدء بعملية إعـادة الإعمـار والتي تحتاج ليد عاملة، سـنرى ازدحاماً عند الحدود، والسـهم يُشـير إلى دمشــق. فهل سـيرحبُ الصامدون بعودتهـم؟ د. جميل م. شاهين 18.01.2016