هل بدأ حلّ ملف الشمال والجزيرة السورية؟

هل بدأ حلّ ملف الشمال والجزيرة السورية. الأستاذ زيد م. هاشم. 19.09.2021. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات.

باتت مناطق عديدة من سوريا تخضع لاحتلال مباشر من ميليشيات أو جيوش أجنبية، كالشمال والجزيرة السورية التي تحتلهما قواتٌ أميركية وتركية وبريطانية، بحجة محاربة الإرهاب ومنع تمدده نحو أراضيها. بينما يبقى الهدف الرئيسي تحقيق مصالح هذه الدول بالتوسع واقتطاع أراضي الدول المجاورة، وضمان صياغة حلّ سياسي تكون الميليشيات التابعة لها أحد أركانه لمشاركتها في الحكم بصياغة جديدة تلبي طموحاتها، الأمر ينطبقُ على ميليشيات قسد الإنفصالية وجيش الإخوان المسلمين وجبهة النصرة الإرهابية وغيرها… سنحاول هنا باختصار تفكيك الخارطة السياسية والعسكرية الحالية والحلول المطروحة حالياً على الأقل، هذه الحلول القابلة للتغيير دائماً تبعاً لاتفاق الأطراف الفاعلة على الساحة السورية، حول حصصها من الكعكة…

القواعد الأميركية في سوريا

رغم التصريحات والأخبار المنتشرة منذ ثلاث سنوات عن انسحاب أميركي مزعوم من سوريا، مازالت تنتشر فوق الأراضي السورية 28 موقعاً وقاعدة عسكرية أميركية، أي ازداد عددها ولم ينقص. يُقدّرُ مركز فيريل للدراسات عدد الجنود والعناصر الأمنية الأميركية 2500 إلى 3000 عنصر.

قاعدة رميلان: أكبر القواعد تمّ تطويرها ببناء مُدرجات هبوط للطائرات متوسطة الحجم. فيها جنود أميركيون وبريطانيون وخبراء ألمان، العدد بين 450 و550.
قاعدة المالكية: وفيها مطار روبار وتسمى رميلان الثانية.
قاعدة تل بيدر. قاعدة لايف ستون. قاعدة قسرك. قاعدة هيموس. قاعدة المدينة الرياضية جنوبي حي غويران. قاعدة الشدادي. قاعدة حقل العمر. حقل التنك. حقل كونيكو. قاعدة الرويشد. باغوز الفوقاني. قاعدة التنف عند المثلث السوري الأردني العراقي.
مؤخراً؛ قامت القوات الأميركية بمساعدة الإنفصالييبن بإنشاء قاعدتين جديدتين في ريف اليعربية وريف المالكية على المثلث السوري العراقي التركي الذي يشكله نهر دجلة.

ماذا يفعل الجيش الأميركي في سوريا؟

لا تختلفُ أهداف الاحتلال الأميركي في سوريا كثيراً عن أهدافه في باقي الدول التي احتلتها وشنطن وما أكثرها. دولة عظمى تعتبرُ نفسها شرطي العالم حسب اعترافاتهم. الشرطي هذا في حقيقته هو “قاطع الطريق” يفرض الأتاوة على الجميع ويستبيحُ ممتلكاتهم ويسرق كلّ ما تقعُ يده أو عينه عليه، ثم يتحدثُ عن الإنسانية والحرية والعدل!. في سوريا بالإضافة لسرقة البترول والغاز بمساعدة عملائه وصبيته، يهدف إلى:
قطع الطريق على إيران ومنع تمددها نحو سوريا ولبنان أكثر. وبالتالي قطع طريق الحرير القادم من الصين.
السطو على ثروات وخيرات الجزيرة السورية يعني قطع الإمدادات ومصادر رئيسية للاقتصاد السوري وزيادة الحصار على دمشق، هنا تضمن واشنطن إقحام ميليشيات قسد في الحلّ السياسي القادم، وتساوم على الحضور الإيراني في سوريا

حربُ الصين تبدأ من سوريا


سبقَ وذكرنا أنّ الجيش السوري حارب عن الصين. راجعوا المقالة.
الخطر الصيني يتعاظم وأفول نجم الولايات المتحدة بات مسألة وقت، لهذا كان على واشنطن بناء استراتيجية تعتمدُ التخلّص من المعارك الهامشية والتركيز على المعركة الرئيسية، لهذا انسحبت من أفغانستان، وتسعى لحلول سريعة في الشرق الأوسط، إيران والعراق وسوريا واليمن وليبيا، لتهدئة الأوضاع كي تتفرّغ للعدو الأكبر.
خطوات سريعة تتعلق بالملف الإيراني وتقاسم للنفوذ في العراق من خلال إعطاء ضوء أخضر للكاظمي للقيام بوساطة بين إيران والسعودية. مصالحة سريعة بين تركيا وقطر من جهة ومصر والإمارات والسعودية، من جهة آخرى. تحركات في سوريا واجتماعات بين موسكو وواشنطن، والسماح لبعض الطائرات بكسر العقوبات والهبوط في مطار دمشق…
في بحث قبل أيام بعنوان “إلى أين ستصلُ نيران أفغانستان” شاهدنا كيف هرولت الدول نحن أفغانستان بعد خروج الجيش الأميركي. الجميع يريد اقتسام الفضاء “الطالباني” لكنّ الصين باتت الأقرب. كي يكتمل مشروع الصين يجب أن تكون كافة الطرق سالكة، الخاتمة ستكون في سوريا وبدون الخاتمة يفشل أي مشروع…

ماذا يحدث شرقي الفرات؟

سؤال بسيط من معلوماتنا وما توارد على القنوات الإخبارية، ماذا يعني دخول عشرات الشاحنات المحملة بالسلاح إلى الميليشيات الكردية؟.


حسب الأخبار؛ ازداد العدد ليصل إلى أرقام مرعبة والتاريخ كان 10 حزيران 2019: “وصل عدد الآليات التي تحمل مساعدات لوجستية وعسكرية قادمة من شمال العراق عبر معبر سميلكا، لتصلَ مناطق سيطرة قسد شرق الفرات إلى 1115 شاحنة على الأقل، ضمن الدفعات الـ13 التي دخلت لمنطقة شرق الفرات، منذ الإعلان عن سيطرة التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية على شرق الفرات”.


دعونا نفترض أنّ العدد صحيحٌ والشاحنات حملت السلاح لقسد. هل عادت هذه الشاحنات فارغة؟ لا يوجد ما يُثبت ماذا كان في الشاحنات العائدة لأنّ معظمها كان مغطى.


أكّدنا وغيرنا أنّ أعداد إرهابيي داعش كانت بعشرات الآلاف، أين اختفوا فجأة؟ لماذا لا تكون هذه الشاحنات قد عادت محملة بأسرى داعش نحو قواعد أمريكية شمال العراق ومنها قاعدة مطار أربيل، حيث تمّ ويتم توزيعهم في العراق وقسم ينقل لأفغانستان أو مناطق أخرى حول العالم. ألم تتساءلوا لماذا يتم ومَن يقوم بقصف مطار أربيل بشكل مستمر؟


في تصريح لوزير الخارجية الروسي لافروف: (ستتوصل روسيا وأمريكا في المستقبل إلى عدة اتفاقيات في مجال الاستقرار الاستراتيجي). الحديث كان عن مناطق الجزيرة السورية، والاستقرار الاستراتيجي يعني حلول طويلة الأمد في ملفات المواجهة، وبالطبع شرق الفرات وإدلب وشمال سوريا أهمها لأن موسكو وواشنطن على تماس مباشر هناك، وغير مباشر من خلال حلفائهما؛ الجيش السوري والتركي وقسد والمجموعات الإرهابية…

تفاهم ما حدث بين الأميركان والروس شرقي الفرات، بعدم التعرّض لجيشهما هناك. لاحظنا ندرة الهجمات على الطرفين، مقابل استهداف مستمر للقوات التابعة لإيران خاصة جنوب وجنوب شرقي دير الزور.
التفاهم على عدم التعرض للقوات العسكرية الأمريكية خاصة، قابلهُ مؤشرات جديدة وهي عدم استخدام الفيتو الروسي على إدخال المساعدات الإنسانية لإدلب، مقابل دخول الجيش السوري إلى درعا، هل سنرى مثل هذا التفاهم يحصل بالشمال السوري حيث الحضور المباشر للولايات المتحدة وتركيا؟

القادم على منطقة الشمال والجزيرة السورية حسب مركز فيريل للدراسات


مَن يتوقع أن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه عام 2010، فهذا أمر صعبٌ. الحق بجانب الأقوى، وسوريا ليست الأقوى، فهي ساحة حرب وتصفيات بين الأقوياء والثمن كان باهضاً، والحلول الواردة هي الرمد لكنها أقل سوءاً من العمى، بانتظار دورة الأمم والتاريخ كي تعود سوريا دولة قوية تقود المنطقة كما كانت يوماً…


ضوء أخضر أمريكي لتوافق روسي تركي في الجزيرة السورية، لاتمام اتفاق أضنة المعدل القاضي بإبعاد قسد عن الحدود السورية التركية لمسافة 30 كم. مع تواجد أمني لقسد في المدن التي تقع على الخط الحدودي مثل ميليشيات الأسايش، بينما تنسحب التشكيلات العسكرية لما بعد الـ30 كم.
مثالنا على هكذا اتفاق ما حصل في رأس العين وعين عيسى حيث تمركز الجيش السوري على بعد مسافة 30 كم بعد انسحاب قسد ودخول القوات التركية للمدينتين.

التوافق الجديد إذا تم على طريق القامشلي المالكية، ستكون نهاية ملف قسد العسكرية قد بدأت. ما وصلنا منذ أيام هو تأكيد حدوث انسحاب لقوات قسد من الحدود إلى عمق الأراضي السورية، على طريق القامشلي المالكية ترافق مع إزالة حواجز رئيسية على هذا الطريق. فإذا تم وضع نقاط للجيش السوري فهذا يعني تطبيق اتفاق أضنة ميدانياً وانكفاء قسد. أكبر المدن التي يشملها الاتفاق في محافظة الحسكة والتي تمثل الخزان البشري لقوات قسد هي: الدرباسية وعامودا والقحطانية والجوادية ورميلان ومعبدة المالكية. القامشلي مستثناة لوجود مربع أمني ومطار تتواجد به القوات السورية والروسية.

إن تمّ الاتفاق، سيعود الجيش السوري إلى الجزيرة السورية ربما عبر اتفاقية دولية وهذا يعني أنّ قسد فعلياً انتهت… فهل سترضى بذلك؟ ربما ترضى بوجود إغراءاتٍ سياسية، سنرى ما هي.

أنقرة ستضمن بذلك عدم توسع نفوذ قسد للتعاون مع حزب العمال التركي، كذلك سيؤدي لإنشاء منطقة عازلة بعمق 30 كم بشريط حدودي يمتد من إدلب إلى المالكية لإعادة اللاجئين تحت إشراف ودعم دولي ونفوذ تركي. الروس يمثلون القوى الرئيسية صاحبة الحضور الأقوى في سوريا عسكريا وسياسيا، وإخضاع شرق الفرات لاتفاقية تفاهم سيجعل من روسيا مايسترو التوافقات في جغرافيا مليئة بالتعقيدات الخطيرة وهي شرقي الفرات


ماذا يقصد بوتين بـ90% من أراضي سوريا محررة؟


اعتبر بوتين في لقائه مع الأسد قبل أيان أنّ 90% من الأراضي السورية محررة. على الواقع الرقم مبالغ فيه وغير صحيح، فهناك أربعة محافظات محتلة تشكل أكثر من 35% من مساحة سوريا. كلام بوتين لم يأتِ من فراغ، فقد قاله بعد لقاءات مع الجانب الأميركي حول المناطق التي تحتلها قسد الانفصالية، واعتبارها محرّرة حكماً. الأمم المتحدة أكدت التوافق: “مصالح الولايات المتحدة وروسيا متطابقة في سوريا”.
القصد هو ملف الجزيرة السورية وحضور عربي مكثّف لإضعاف الدور الإيراني اقتصادياً أولاً ثم سياسيا وعسكرياً، وهذا تتفق فيه روسيا والولايات المتحدة دون شك.


تحريك ملف إدلب قادم


اجتماعات هامة خلال أسابيع قليلة ستحسم الوضع؛ يلتقي أردوغان ببايدن في نيويورك، ثم ببوتين في سوتشي نهاية الشهر، مع اجتماع اللجنة الدستورية في‏جنيف في السادس من تشرين الأول.
بالعودة لـ90%، إن اتفق بوتين مع أردوغان على ملف إدلب وتنفيذ الاتفاقيات السابقة، سيكون الحل سلمياً. إن ماطل أردوغان كعادته، سنرى تحركات عسكرية في إدلب بضوء أخضر أميركي. إن حصلت فسيكون دليلاً واضحاً على أنّ ملف قسد قد انتهى واتفق على صيغته النهائية كما حدث في درعا… ونتمنى في مركز فيريل للدراسات ألا تكون هذه الصيغة “حكم لا مركزي”… نتمنى
.

ماذا تستفيد واشنطن؟


واشنطن ستضمن دخولاً مريحاً لقسد بالعملية السياسية بعد حل ملفات النزاع، وبالتالي تضمنُ لها عميلاً دائماً وجديداً “إضافياً” في الدولة السورية، وكذلك ستعمل على نقل داعش بسهولة خاصة وأنّ قسد تحرس قواعدها الموجودة خارج خارطة الصراع، كما ستحاول واشنطن أن تبقى السيطرة على آبار البترول والمعابر الحدودية مع العراق وطريق الحسكة حلب والحسكة دمشق، تحت سيطرة قسد.
لهذا كلّه؛ تعمل الولايات المتحدة ومنذ شهور بعيدة على إنشاء قوة قبيلية جديدة بقيادة عبدالإله الجربا، يكون عناصرها من السوريين العرب وليس الأكراد، لأنها أدركت متأخرة أن قوة الأكراد محصورة ببعض مناطق تواجدهم فقط، وبالتالي تصبح المنطقة بعد الـ30 كم منطقة نفوذ أميركي. وهذا ما يؤكدهُ انسحاب قسد من عدة مناطق شرق ديرالزور، لتسليم مجلس ديرالزور العسكري هذه المنطقة وتخفيف حدة التوتر بين عشائر تلك المنطقة وقسد، ضمن سياق التوجه الأمريكي لترتيب الوضع في الجزيرة قبل الإنسحاب الجزئي المرتقب.

انسحاب أميركي من سوريا لكن في المكان


مؤشرات انسحاب أميريكي جزئي من شرق الفرات تجلى بسحب تكليف شركة دلتا لتجديد واستثمار آبار البترول في الجزيرة والتي منحتها إدارة ترامب، مع تصريحات قيادات عسكرية أميركية بأنّ وجودهم في سوريا هو لمحاربة داعش، لهذا فالانسحاب سيتم بعد تفاهم على حصّة الانفصاليين التابعين لواشنطن من الثروات ودورهم السياسي والإداري في المنطقة.
نتوقع بقاء مستشارين عسكريين أمريكيين لمراقبة تنفيذ التوافقات إن حصلت، مع تدخّل روسي كوسيط لترتيب العلاقة مع دمشق
.


اتفاق أضنة المعدل نصف حلّ


اتفاق أضنة “المُعدّل” بدأ تنفيذهُ في جرابلس بريف حلب ثم الباب وبعدها عفرين وتل أبيض ورأس العين، قُسّمت المناطق والشريط الحدودي إلى ثلاثة أقسام، الأول بعمق 10 كم وفيه دوريات روسية تركية، الثاني منطقة منزوعة السلاح بعمق 10 كم أيضاً، والثالث يتواجد فيه الجيش السوري باستثناء القامشلي كما ورد. الهدف التركي كان تفكيك الممر الكردي الذي عمل عليه الانفصاليون لربط الجزيرة السورية بمنطقة عفرين.


بهذا فشل مشروع الانفصاليين الواسع والذي شكل خطراً على سوريا وتركيا، لكنه استبدل الانفصاليين بمجموعات مسلحة موالية لأنقرة، ومنح الجيش السوري تواجداً في تل تمر وعين عيسى والقامشلي والحسكة، مع قوات رديفة ودفاع وطني وحلفاء إيرانيون وروس وعراقيون. هو ليس الحلّ الأمثل، لكنه أقل سوءاً من سابقه.


نُكرر؛ العودة إلى عام 2010 باتت صعبة حالياً على الأقل، لكنها ليست مستحيلة. الولاء لمن يدفع أكثر، هذه حقيقة خبرناها خلال الحرب دون شك، ولا يجب التغاضي عنها والحديث عن “الصمود”، فالجائع لا ولاء له، وتحسين الوضع المعيشي وإعادة الإعمار مع نمو اقتصادي سريع وحلّ سياسي، سيُعيد الولاء الذي فُقِد في مناطق واسعة من سوريا. تغيّراتٌ هامة تشملُ سوريا والشرق الأوسط في الطريق، وطوي صفحة أحداث خطيرة نحو التهدئة باتت مطلوبة أميركياً أولاً، بانتظار فتح صفحة جديدة من الصراع، نتمنى أن تكون بعيدة عن سوريا… إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. الدكتور جميل م. شاهين. 10.09.2021