في درعا كانت البداية، ومن درعا بدأت النهاية.

في درعا كانت البداية، ومن درعا بدأت النهاية. زيد م. هاشم Firil Center For Studies FCFS. 11.09.2021 إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات.

لحوران لها أهمية تاريخية، خاصة في تاريخ الأزمة السورية لأسباب عديدة، منها موقعها الجغرافي القريب من العاصمة دمشق والحدود الأردنية وفلسطين المحتلة. البيئة الحاضنة والتي تتحمّلُ الدولة نصيبها من الخطأ بوجود هذه البيئة، حيث شُرّعت الأبواب لدخول تيار سلفي بذريعة بناء المساجد من تبرعات خليجية “سخية”، حملت هذه التبرعات أفكاراً ومخططات حذّر كثيرون منها قبل وقوع الفأس في الرأس… السلاح كان موجوداً بين أيدي فئة واسعة نتيجة عمليات التهريب الحدودية، فكان التمرد المسلح وإنشاء غرفة خاصة من قبل القوى الدولية والإقليمية الداعمة للتنظيمات الإرهابية سميت بغرفة موك وهي اختصار لـ
Military Operations Center
تحدثنا عنها مفصلاَ في بحث بمركز فيريل للدراسات يمكنكم مراجعته تحت الرابط.

أكبر حرب للمخابرات العالمية في سوريا. د. جميل م. شاهين


انتمى لهذه الغرفة حوالي 20 فصيلاً مسلحاً أهمها:: جبهة ثوار سوريا، وجبهة أنصار الإسلام، وألوية سيف الشام، وألوية الفرقان، وفرقة شباب السنة وفصائل الجبهة الجنوبية، كذلك عدة فصائل من الشمال السوري والقلمون وريف دمشق…


إتفاقيات درعا بين الأمس واليوم

عقدت الدولة السورية اتفاق مصالحة مع مسلحي درعا بوساطة روسية منذ سنوات. اتفاق هشّ اخترق مئات المرات ولم يكن الالتزام ببنوده جيداً كما حدث في أرياف دمشق وحمص. والسبب أنّ دخول الجيش لمناطق خارجة عن السيطرة، كان محظور دولياً وليس روسياً فقط، وهذه حقيقة دون رتوش. مئات العمليات الإرهابية والاغتيالات والتفجيرات حدثت ضد مراكز حكومية وضد مسؤولين وضباط أمن وجيش. أيضاً يمكنكم مراجعة البحث عن درعا…
اليوم تغيّرت الظروف، وبات بإمكان الجيش السوري الدخول بل وفرض شروطه ضمن اتفاقية جديدة تشبه اتفاقيات الغوطة وريف حمص.


ماذا جرى في درعا


تغيرت الظروف الإقليمية والدولية ومعها الخارطة الداخلية للحرب في سوريا ومالت الأوضاع لصالح الدولة، فترجمت تلك الظروف باتفاق جديد في درعا

تذكرون؛ عندما كان الجيش السوري يُحرّرُ مدينة أو حتى قرية صغيرة من داعش نفسها، حجم البكاء وصرير الأسنان لدى القنوات الفضائية العالمية ومعها كبار المسؤولين من العرب قبل الأجانب، وهم يولولون حزناً على “الثوار المساكين” حاملي أغصان الزيتون.


تمّ الاتفاق الجديد في درعا ودخل الجيش السوري، ولم نسمع خبراً عاجلاً أو صوت عويل في نفس القنوات ومن نفس المسؤولين ولم تحدث اجتماعات دولية وتهديدات بالقصف…


حراكٌ ديبلوماسي بدأ في واشنطن


حراك دبلوماسي بعضهُ علني والآخر خفي. بدأهُ ملك الأردن عبد الثاني بزيارة لواشنطن، عاد من عاصمة القرار باستثناء خاص للتعامل مع دمشق. الكلام كان واضحاًحيثُ قال في مقابلته مع قناة :
(بشار الأسد سيبقى لأمد طويل… عندما تنبأ الناس بأنّ الإطاحة بسلطته سيحدث خلال أشهر معدودة، أنا قلت إن ذلك سيتطلب سنوات كثيرة، هذا إن كان سيحصل بالفعل. ها هو النظام موجود هناك.)
يتابع الملك الأردني: (علينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا، هل يجب تحقيق تغيير للنظام أم تغيير للسلوك؟ إذا كانت الإجابة تغيير السلوك، فماذا علينا أن نفعل للتلاقي حول كيفية التحاور مع النظام، لأن الجميع الآخرين يقومون بذلك، لكن ليست هناك خطة حتى الآن).
العاهل الأردني أكد على ضرورة التعامل السلطة في دمشق على أنها واقع لا يمكن تغييره ومع روسيا لأنها اللاعب الرئيسي في سوريا، وأن الإبقاء على الوضع القائم يعني استمرار العنف الذي يدفع ثمنه الشعب السوري

صحيفة “واشنطن بوست”: “اقترح الملك عبد الله الثاني على جو بايدن تشكيل فريق عمل دولي يضم الولايات المتحدة والأردن وروسيا وإسرائيل ودولاً أخرى لوضع خارطة طريق تهدف إلى استعادة سيادة ووحدة سوريا.”.


تصريحات الملك الأردني لم تكن لولا الضوء الأخضر من واشنطن… وقد لمعَ.

لبنان أيضاً


التغيرات بدأت في لبنان عندما طلب حزب الله من إيران تزويد بيروت بالنفط، فهرولت الشفيرة الأميركية إلى قصر بعبدا مقترحةً على الرئيس ميشل عون تزويد لبنان بالغاز المصري.
ولأنّ الاقتصاد مفتاح السياسة تسارعت الأحداث في حلبة المواجهة على النفوذ وتغيرت بعض التكتيكات من قبل واشنطن في استراتيجيتها الجديدة، فهل سنتركُ إيران تُنقذ لبنان وتسيطر عليه أكثر وأكثر؟
من البديهي أنّه بدون ضوء أخضر من واشنطن لا يستطيع الحاكم المرتبط بهذه الدولة دخول الحمّام.
أي تعاون اقتصادي بين مصر والأردن ولبنان يتطلب التعاون مع سوريا، وأية اتصالات سياسية واقتصادية وحتى فنيّة يجب أن تنتظرَ الضوء الأخضر هذا من الولايات المتحدة، تابعو واشنطن حصلوا أخيراً على الأوامر فجاءت التحركات المتصاعدة التي بدأنا نعيشها اليوم ومستقبلاً.

سوريا أم إيران في لبنان، هذا هو الخيار المطروح أمام واشنطن، فلتكن سوريا. حلٌّ يُرضي طهران والدول العربية وموسكو. فليكن؛ بمعنى عودة الأمور لما قبل 2011 بعودة النفوذ السوري بناء على متطلبات المرحلة


تشكيل حكومة جديدة في لبنان جاء نتيجة توجيهات دولية طبعاً وليس اتفاقاً داخلياً. عام من الفراغ السياسي بعد استقالة الحكومة السابقة نتيجة تفجير ميناء بيروت، ولم يتفق “زعماء” الطوائف، بإشارة واحدة من الخارج، اتفقوا وعينوا نجيب ميقاتي، أغنى رجل في لبنان، كرئيس حكومة توافقي رغم أنّ ملفات الفساد تلاحقهُ في طرابلس على الأقل. هو التنافس بين الأثرياء على الكراسي وليذهب الشعب إلى الجحيم

أين روسيا إذاً؟


روسيا اللاعب الأهم في الساحة السورية دون شكّ، وترحيبها بعبور أنبوب الغاز المصري عبر سوريا يُحقّقُ مصالحها حيث ترى أنّ ذلك سيوسّعُ نفوذها في لبنان، كما أنّ خط الغاز المصري خرق في قانون عقوبات قيصر وعودة سوريا للعب دور إقليمي، مما سيحدّ من النفوذ الإيراني في سوريا أيضاً بحضور عربي.
إنهاء ملفّ درعا يعني إغلاقُ نافذة مزعجة ومربكة لموسكو المحتارة بين تل أبيب ودمشق، فلا هي قادرة على مواجهة حاسمة ضدّ العدوان الإسرائيلي المستمر، ولا هي راضية عن عجزها هذا. هناك تغيير في لهجة الروس تجاه الغارات المتكررة وتصريحات قاعدة حميميم باتت تشبهُ التصريحات الرسمية السورية بل تنوبُ عنها أحياناً؛ يكفي يا تل أبيب. لكن حتى الآن لم يرقَ الردّ الروسي لمستوى التهديد…

دعونا نفترض أنّ حرباً كبيرة قامت بها إسرائيل مدعومة بدول الناتو ضد عدة دول عربية، هل ستكون نتيجتها بحجم هذا الدمار الحاصل بحثاً عن “الديموقراطية المزعومة” منذ عام 2011؟ هل ستقتلُ تلك الحرب مئات الآلاف وتشرد الملايين؟
حرب الوكالة أرخص بكثير، طالما هناك مَن يقوم بأداء دور إسرائيل على نحو أفضل منها، فلِمَ العناء وتبذير الأموال.
واشنطن سيدة الجيل الجديد من حروب الوكالة التي يخوضها الوهابيون والأخوان والحركات الانفصالية لصالحها، وما عليها سوى تثبيت لحكام فاسدين من عملائها في سلطة كل دولة، وهذه هي طريقة جو بايدن الديموقراطي “الأقلمة” والتجزئة عوضاً عن إسقاط الأنظمة التي لا تروق له ولهم.

توقعات مركز فيريل للدراسات للقادم

هي البداية ولن يكون هناك سحرٌ في الحلول السياسية والاقتصادية، الولايات المتحدة تريدُ التفرّغ لحربها مع الصين دون “تشويشات” بمعارك صغيرة. لهذا ما نراهُ في مركز فيريل للدراسات أنّ واشنطن تسعى لهدوء ما في الشرق الأوسط وليس سلاماً والفرق واضحٌ. توقعاتنا التالية بناء على ما يجري وقراءة التغيرات، وهذا يحتاج لوقت لكنه بدأ…


انضمام سوريا لمشروع “الشام الجديد” مطروحٌ بقوة فأنبوب الغاز المصري يمكنه إعادة إحيار خط الغاز العربي المتوقف منذ عام 2010.


عودة سوريا إلى الجامعة العربية أيضاً مطروح وبقوة هذه المرة، وهذا يعني إعادة فتح السفارات والتمثيل الديبلوماسي عربياً أولاً مما سيُمهد الطريق لباقي الدول. بالتزامن مع فتح ملف عودة اللاجئين السوريين من كافة الدول خاصة المحيطة بسوريا؛ لبنان والأردن وتركيا والعراق.

قريباً سيُفتح ملف طريق حلب اللاذقية لأنها ضمن اتفاقية الأستانا، لكن تركيا ماطلت في تطبيقها. الغارات الروسية والاشتباكات المتقطعة بين الجيش السوري وجبهة النصرة في هذه المناطق لم تتوقف. تطبيق الإتفاق كما حدث في طريق حلب دمشق وسراقب لابد منه.


ملف المناطق التي تحتلها قسد والجيش الأميركي ستُفتح، وهذا بحث واسع سنفتحهُ قريباً.


مع حدوث التغيرات السابقة سيبدأ الحديث الجدّي عن إعادة الإعمار بتمويل خارجي، وهذا سيحدّ من “الفساد” ولن يُنهيه طبعاً، لأن دخول رؤوس الأموال الخارجية يعني مراقبة أكبر، لهذا سنرى معارضة وعرقلة لدخول الشركات الأجنبية والعربية التي لا تتغاضى عن هذا الوباء الشامل، وستكون الحجة “الحفاظ على السيادة”…


بدء ضخ الغاز وبعده الكهرباء سيحلُّ الأزمة التي تعصفُ بلبنان وسوريا ولو جزئياً، ويُخفف العبء عن كاهل المواطن الذي تعب ولا يفكر سوى بالهجرة.


بدء الحضور الصيني الإقتصادي في سوريا والمنطقة.


نتيجة التحسن الاقتصادي، سيستقر سعر صرف الدولار، وتبدأ الليرة السورية واللبنانية بالتعافي تدريجياً شرط استمرار التحسينات، وخفض نسبة الفساد ولو 10%.

ختاماً


دعكم من الكلام الإنشائي والحماسي والحديث عن البطولات الخارقة، هناك دول عظمى هي صاحبة القرار
وباقي الدول تابعة ليس أكثر. الحديث عن السيادة الوطنية والاستقلال باتخاذ هذا القرار، كلام للاستهلاك العام. فعدد الدول صاحبة السيادة الوطنية لا تتجاوز أصابع اليد…
التقى بوتين بايدن في منتصف حزيران الماضي، ويبدو أنّ التوافق على الملف السوري قد حصل، توافق وليس اتفاق، فكان أول قرار من مجلس الأمن لم تعارضه موسكو بقضية المساعدات والمعابر، حيث شهدنا دخول مساعدات أممية إلى ادلب في سابقة تحدث للمرة الأولى. توافق ما في الجزيرة السورية سترعاه موسكو مع واشنطن وأنقرة.
مؤشرات بدء التعافي ظهرت، لكننا لا ندعو للتفاؤل المفرط. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. الدكتور جميل م. شاهين. 11.09.2021