هل قتلَ أردوغان السفير الروسي؟ الدكتور جميل م. شاهين. 20.12.2016





غدر العثمانيين وحقدهم أمر معروف لدى شعوب سبع وعشرين دولة عانت من العدوان أو الاحتلال العثماني وجرائمه ومجازره وتخلّفه، وهذا ليس موضوع بحثنا هنا لكن سأذكّر بما قلته مرات: “احذروا إسرائيل مرة وتركيا ألف مرة.”.

هل يعلمُ ذلك بوتين؟

ارتفعت توقعات كثيرين بردة فعلٍ سريعة لبوتين وبأنه سيحرق الأخضر واليابس تحت وفوق أردوغان، فجاء تصريحهُ الأخير حول مقتل السفير بارداً حسب رأيهم. ولكن هذه هي ردة الفعل الذكية بل الخبيثة، فروسيا عدوة تركيا منذ مئات السنين، والقيصر لا يأمنُ جانب العثمانيين ولو قبّلوا حذاءهُ، وهم يُقبّلون الآن قفا كلب بوتين. حتى إن تأكدت روسيا أن أردوغان وراء الجريمة، فلن تكون ردة فعلها علنية، وهذا هو العمل الاستخباراتي المحترف وبوتين رجل مخابرات قبل أن يكون رئيساً. “روسيا ستنتقم لكن بطريقة سيبيرية وليس بطريقة شوباش يا أهل العريس.”.

مَن المستفيد من جريمة الاغتيال؟

المستفيد الأول هو الغدر التركي، وهو انتقام أنقرة من موسكو على إفشال مخططات التوسع العثماني في سوريا، المستفيد الثاني هي واشنطن التي تريد أيضاً الانتقام من روسيا بسبب ما يجري في سوريا وأيضاً تريد اشعال النيران بين موسكو وأنقرة. المستفيد الثالث هو السعودية الحاقدة على بوتين أيضاً بسبب موقفه في سوريا، إذاً سوريا هي الدافعُ لكل ما جرى ويجري في العالم من أحداث كبيرة.

إذاً مَن قتل السفير الروسي؟

ما سنوردهُ هنا هو ما حصل عليه مركز فيريل للدراسات من مسؤولين وخبراء ألمان هنا في برلين، وهم الذين صرّحوا لنا قبل عشرين يوماً: “الحرب بين روسيا وتركيا قاب قوسين.”. وهذا التصريح لم يأتِ من فراغ؛ داعش لم تقتل السفير وكل ما قالته أنقرة كذبٌ، وداعش أضعف استخباراتياً من القيام بهكذا عملية دقيقة، وكل ما تفعلهُ هو عمليات دموية لا تحتاج لذكاء، بل تحتاج لعدة كيلوغرامات من المتفجرات وإرهابي غبي. إنّ قاتل السفير هو Hakan Fidan “هاكان فيدان” رئيس المخابرات التركية، الثعلب التركي ومُنقذ أردوغان من الانقلاب الفاشل في تموز 2016، ومن المعروف عن هاكان أنه يمكن أن يتصرف لوحده دون استشارة رئيسهِ، وهو ما فعلهُ في الانقلاب حيث أخفى عن أردوغان البلاغ الروسي عدة ساعات، وتصرّف لوحدهِ.  

بعودتنا في مركز فيريل لأسرار حياة هاكان هذا، وهو خريج كلية العلوم السياسية، وجدنا أنّه عمل في قوات التدخل السريع لحلف الناتو في ألمانيا منذ عام 1986 حتى عام 2001، ثم تدرّب في ألمانيا عام 2003 ولمدة عام كامل على العمل المخابراتي على يد المخابرات الألمانية، فرع المعلومات في برلين ومدينة كولن. إذاً الألمان يعرفونه تماماً.

الخبر الخاص الأول الذي علمنا به في مركز فيريل: أنّ هاكان فيدان سافر سرّاً إلى الولايات المتحدة قبل أسبوعين في بداية كانون الأول الحالي، فمع مَن اجتمع هناك؟ بالتأكيد لم يذهب لجامعة ميرلاند حيث درس أيضاً، بل لمكان ما في ميرلاند. والخبر الثاني أنّ الذي قتل مولود ميرت الطنطاش، قاتل السفير، هو ضابط استخبارات مقرب من هاكان، وقد أطلق عليه خمس رصاصات كي يتأكد من أنّ مولود هذا لن يعود للحياة ثانية.

الحديث التركي عن أنّ “مولود” عضو في تنظيم القاعدة وأن جماعة غولن وراء اغتيال السفير، ثم تمثيلية جبهة النصرة وتبنيها للعملية، كله مسرحية تركية. مولود هذا عضو في حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان منذ عام 2011، وجماعة غولن ضد تنظيم القاعدة، كما أنّ مولود شارك في الاعتقالات ضدّ الانقلابيين في تموز 2016، أي أنه موالٍ لأردوغان بدون شك. حتى المصور الصحفي لوكالة أسوشيتد برس “برهان أوزبيليجي”؛ هل ما فعلهُ كان مجرد جرأة؟ بما في ذلك حجته المضحكة أنه حمى نفسه بالكاميرا؟ الجميع هرب من وجه هذا المتوحش، إلا المصوّر! 

القاتل مولود سليمٌ عقلياً، وقاتل بوضعه كان سيقتل كل من حوله، خاصة مرافقي السفير الروسي الذي لم يأتِ لوحدهِ، بينما تجنب ذلك مولود وأطلق في الهواء طلقتين تحذيريتين.

سؤال على الهامش: هل قُتِلَ السفير الروسي بمسدس مولود؟! 

السؤال المهم: لماذا انتظر الحراس 8 دقائق كاملة كي يتدخلوا؟ بانتظار اكتمال المشهد التمثيلي مثلاً؟ المسرحية كانت عثمانية بامتياز.

حركات الولايات المتحدة حول إغلاق سفارتها، ووجود تهديدات من داعش، والاسم الثاني على لائحة الاغتيال هو السفير الأميركي، هذا كله فيلم مكشوف كتابة وأداءً وإخراجاً… أمر اغتيال السفير الروسي أندريه كارلوف، صدر من واشنطن بالتواطؤ والتخطيط من المخابرات التركية، وغالباً بمعرفة أردوغان شخصياً. خاص بمركز فيريل للدراسات ـ برلين 20.12.2016