ويبقى الدّينُ قاتلُ الشعوب الأول

 

        د. جميل م. شاهين.

يُتهمّ الاقتصاد كأكثر دوافع الحروب بين الدول، والمرأة بأنها الإغراءُ الذي يُغذي هذه الحروب، بينما في الحقيقة يقبعُ الدّين في الصدارة دائماً، كأكثر غطاء لقتل الشعوب، وهو ليس غطاء بل تطبيق لتعاليم الأديان دون استثناء.

يتذاكى المُدافعون عن الدّين بالقول: “الدّين مما يفعلون براء.” ثم يأتونا بآياتٍ مجتزأة تتحدث عن السلام والمحبة والإخاء، ولدى العودة لهذه التعاليم “السمحة” نرى أنّ كافة جرائم القتل والإبادة والمجازر والحروب، منذ أسطورة قابيل، مروراً بحروب اليهود والصليبيين والغزو الإسلامي وانتهاءً ببدعة داعش،  كان الدّين مقياسها ومرشـدها ومرجعها الأول، ومن نصوص ما يُسمى “الكتب السماوية” اقتبس الإرهابيون ارشادات إله الشرّ الذي به يؤمنون، الأمثلة جاهزة فلا تختبروني.

يعود المدافعون عن الدّين ليقولوا: “هم يُفسرون الـدّينَ حسب مصالحهـم، ويسـتغلون تعاليمـه للوصـول إلـى أهــدافهم.”

ومتــى تــمّ تفســير الــدّين علــى حقيقتــه، وأيــن؟

ما هذا الإله “الداعشي” الذي يطلب ممن أرسله: “وَدَمَّرُوا الْمَدِينَةَ، وَاقَضَوْا بِحَدِّ السَّيْفِ عَلَى كُلِّ مَنْ فِيهَا، مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَأَطْفَالٍ وَشُيُوخٍ حَتَّى الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْحَمِيرِ.” ثم يتم عمل كوبي للأديان اللاحقة…

أين هي الدولــة التي قامت علـى أسـاس ديني ونجحـتْ، وكان فيهـا شـيء مـن الديموقراطيـة واحتـرام الإنسانية وقسـط مــن العدالــة؟ إن استطعتم أن تعطوني مثالاً، أعطيتكم عشـراتِ الدول التي وضعـتْ الدّين جانباً، وكانت أنجح وأكثر عـدلاً من دولتـكم الدينيـة المزعومة…

الأخــلاق وُجـدتْ قبــل الـدّين، القانـون وُجـدَ قبـل الـدّين، والقوميــة وُجـدتْ قبـل الــدّين. دينـكُم لـم يـأتِ بجـديد في هـذا الخصـوص، فلا تقحمـوه في مجـال لم يُخترع من أجله.

 

معظم المتدنيين يعتبـرون الله الراعي الحصـري لطائفتهـم، ودينهـم هـو دين الله!! هــل يحتـاج الله لــدين؟ وقبــل دينــك يا فالــح، هــل كــان الله كافــراً، أم ملحــداً؟؟

لا يدخــل الجنــةَ إلا أتبــاع الـدين الفلانــي، فإن حــذفنا الفــروق العدديـة، وجـدنا أن الجنّـة لـن يدخلهــا أحــدٌ، وهــذا هــو الصحيــح…

كتـابي مـن عنــد الله، وكتـابهم بدعـة. كتـابي سـماوي وكتـابهم مُحـرّف. هــم كفــار ونحـنُ المؤمنـون، وخـذ سـيلاً مـن الترهات الببغاوية التـي يحفظهـا أنصاف المثقفين عـن ظهـر قلب، وعندمـا تسـألهم كي يفســروا لكَ معنـىً مـا، يقفــون كالماعـز في سـوق الجمعـة ليقولوا: “والله هيك قلنـا رجـل الدين..” لعنـة الله عليكَ وعليـه…

على فرض أنّ هناك ديانات سماوية، مـاذا عـن الديانـات غيـر السـماوية؟ مـاذا لـو وجـدتَ أيهـا المُتدين أنّ تعاليمهـا تـُماثـل  تعاليـم دينـك، وجـاءت قبـله بألف عـام وأحيانـاً ألفين، هذا إن كانت لديك الجرأة أن تُخالف تعاليم مُلقنيك وتقرأ عن ملحمة جلجامش واسطورة الطوفان السومرية، وكيف جاء مَنْ نسخها على عدة أجزاء، ليتم تكرارها لاحقاً وحسب شطارة الحكـواتي وإضافاته، وقس على ذلك.

 

نعـم بالتأكيد، حـدثتْ في سـوريا مآسٍ طائفية ودينيـة مـراتٍ ومـرات، مجـازر وإبـادة جماعيـة، مُـسحتْ وحُرقت قــرىً بكاملهـا مـع سـكانها، وقُتل مئات الآلاف على أيدي الغزاة الدينيين…

اليهــود هـم الســبب! شـمّـاعة معوجــة نـُعـلّقُ عليهـا خيبتنـا وغباءنـا. اليهـود سـاهموا بتأجيج النيـران مرةً، لمـاذا لـم نتعلـم في الثانية؟ في الثالثـة؟ في العاشـرة؟ يـجب أن نقـع في نفـس الحفـرةِ ألف مـرةٍ ولـن نتعلـم…

 

دعـوا الخـلقَ للخالـق وكفاكم “شـوارعية”، تخلصوا من رجال الـدّين و”المتشـعبطين” علـى نوافــذ الجنـّـة الماخوريـة.

أعيـدوا الــدّين إلــى دور العبـادة، وأوصـدوا عليــه الأبــواب، كفاكـم… كفاكــم تحقيــراً لله واسـتغلالاً لـه…

دينــك ديــن محبــة وســلام وإخــاء، قد أصدقك، شرط أن تحذفَ منه مطالبات إلهك بالقتل وقطع الرؤوس. سأحترم دينكَ إن بقــيَ في دار العبــادة، وتصبحُ طريقـة تعاملك مــع الغيــر في الحيــاة العمليـة وفقاً للجوانب الإيجابية فيه، فالدين هو المُعاملة، دون القفز كل ثانية لتفسيرات الدين الاجتماعية والعلمية والفضائية!!

مشــكلتنا لـم تكــنْ يومـاً مـع الله، مشــكلتنا مـع الــذين يعتبــرون أنّ الله وُجــدَ كـي يعتنـيَ بحيـواناتهـم المنويــة…

عندمــا يعـودُ الــدّين إلــى مكانتــه ومكانــه الصحيحيــن، ويتمّ تشـذيبه وحـذف عبارات القتل والتفضيل والظلم، عندهــا فقـــط تنتهـي، وإلـى الأبـد، الحــربُ فــي سـُـــوريا…         د. جميل م. شاهين.