كل مَن قال عن الأسد ديكتاتور، هو الديكتاتور.




قبل شهور قليلة كانت تربط ألمانيا بتركيا علاقاتٌ وثيقة، وكان الرئيس التركي أردوغان حليفاً بل صديقاً حميماً للقيادة والحكومة الألمانية، والمُدافع “الشرس” عن الديموقراطية بوجه الأنظمة المُستبدة. فجأة وبين ليلة وضحاها أصبح أردوغان هذا بنظر الألمان… ديكتاتوراً!

الديكتاتور السفاح أردوغان

السلطان السفاح أردوغان لم يتغيّر منذ توليه السلطة كرئيس للوزراء وبعدها رئيساً للجمهورية التركية، ديكتاتور سفاح مجرم غدّار لا يؤتمن، طمّاع، مريض نفسي بداء العظمة، ولصّ… يُحارب الأكراد ويقتلهم ويُشردهم، يمنع الحريات الإعلامية ويعتقل الصحفيين، يُشجّعُ ويدعم الإسلاميين المتطرفين ويُعادي العلمانيين، يقتل أو يرمي بالسجون كلّ مَنْ يُعاديه، وما حصل بعد انقلاب تموز 2016 من اعتقالات وطرد من الوظائف، هو أكبر دليل على أنّ هذا الرجل هو أكبرُ ديكتاتور وسفّاح أنجبتهُ تركيا منذ عشرات السنين، رغم ذلك كان بنظر العالم وألمانيا تحديداً؛ صديقاً ورجل سياسة فذّ… وديموقراطياً!

الديكتاتورية الأميركية

مسرحيات الانتخابات الأميركية الديكتاتورية مفضوحة، فالمواطن الأميركي وجد نفسهُ قبل شهور أمام خيارين سيئين لرئيسه القادم لا ثالث لهما؛ إما هيلاري كلينتون بماضيها الأسود وفضائحها المالية والأخلاقية، أو دونالد ترامب المصارع والفوضوي، الذي يفقهُ فقط بالصفقات التجارية والنساء، بينما في السياسة “طلطميس”. فأي ديموقراطية هذه؟ أليس دونالد ترامب وجوقته استبداديون يتحكمون ليس بمصير الشعب الأميركي فقط، بل بمصير العالم؟ أليس بإمكان ترامب هذا إشعال حرب عالمية؟ هل هذه ديموقراطية! ثم ماذا عن الملايين التي خرجت ضد قتل الشرطة الأميركية للمواطنين السود، ماهي نتائج هذه المظاهرات؟ هل استقال وزير الأمن الداخلي الأميركي؟ وهل أدت المظاهرات ضد ترامب لنتيجة؟ أم هي فقط “إفراغ شحنة القطيع الأميركي”؟

الديكتاتورية الألمانية

سأتحدثُ عن ألمانيا التي تصنّفُ ديموقراطيتها بمراتب متقدمة عالمياً /السابعة/ مقارنة بمرتبة الولايات المتحدة /16 عالمياً/. حسب الكاتب الألماني Volker Hahn: “القلق يزداد في ألمانيا على مكانة الديموقراطية فيها، بعد ترشح المستشارة أنجيلا ميركل لولاية جديدة”. يتابع Volker Hahn: “أردوغان ديكتاتور منذ أن كان رئيساً لبلدية استنبول، وليس فقط الآن كما نسميه في إعلامنا، ولكن ماذا عن ميركل؟ فالسلطة والحكم بيدها وبيد مجموعة صغيرة من أتباعها… نظام ميركل يستوفي جميع الشروط الرئيسية للديكتاتورية الاستبدادية.”!. يتابع: “الإعلام الألماني يتابع ويدعم ميركل بأكاذيب كبيرة، خاصة في مجال سياسة اللاجئين، والتغطية على الجريمة المنظمة، بينما تهيمن البيروقراطية على مفاصل الحياة الإدارية مما يخنق الحريات في ألمانيا. كل هذا أوقع الشعب الألماني بحالة من اليأس بإمكانية التغيير.”.




انتقادات من داخل صفوف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي

لم يعد انتقاد الحريات في عهد ميركل مقتصراً على المعارضة أو سياسيي شرقي ألمانيا، فالانتقادات باتت تأتي من قطاعات واسعة من المجتمع، ومن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي ترأسه ميركل، كان هذا واضحاً في المؤتمر الوطني للحزب الذي جرى في مدينة إيسن، حيث اتهِمت بالفشل السياسي الكامل، وتعالت أصوات الإطاحة بحكم ميركل.

عندما عملت ميركل مع المستشار السابق هيلموت كول الذي كان حاكماً بلا منازع. وكان لديه العديد من المعارضين والمنافسين مثل الاقتصادي فريدريك ميرز، وكريستيان فولف. الوضع الآن مشابه لكنه أكثر سوءاً. لقد أدت سياسة ميركل الاقتصادية إلى سحق الطبقة الوسطى، وافلاس المشاريع الصغيرة والمتوسطة لصالح الشركات العملاقة، هذا ما أكده رئيس الحزب الحاكم السابق والخبير الاقتصادي Josef Schlarmann، حيث قال: “تعاني ثقافة ديموقراطية النقاش في المناظرات من التراجع في ألمانيا”. مشبهاً حكم ميركل بـ “ملعب قياصرة روما”.!




ماري لوبان أكبر مثال

استطلاعات الرأي تشير إلى أنّ المرشحة الفرنسية ماري لوبان هي الأوفر حظاً بالفوز، أليست هذه ديموقراطية؟ إذاً لماذا تُحارَبُ ماري؟ ولماذا يتم نبش ماضي والدها جان لوبان زعيم الحزب الوطني واتهامه بمعاداة السامية وميله إلى النازيين، من أجل الوصول لابنته؟ ثم تصفها الصحافة الألمانية اليوم بوصف وقح: “ماري لوبان ابنة الشيطان”!   Tochter des Teufels، ويصدر عنها كتاب بهذا العنوان واصفاً إياها بـ “أخطر إمرأة في أوروبا”!

كل هذا لأنها قالت: “سأدعم الرئيس السوري بشار الأسد إن فزت بالانتخابات الفرنسية”.

قالوا: “أيام الأسد باتت معدودة”. رحلوا جميعهم وبقي الأسد، واليوم وبعد الذي ورد: 

أليس كل مَن قال عن الرئيس السوري أنه ديكتاتور هو نفسهُ ديكتاتور؟  

نعم يمكننا ومن خلال وجودنا في ألمانيا أن ننتقد ميركل دون إهانة ودون أن نحرق العلم الألماني! فالشعب الواعي الراقي الوطني يحترمُ علمهُ وهذا العلَم ليس رمزاً لميركل، بل هو رمزٌ لألمانيا، ولا يقبلُ الألمان أن يأتيَ فرنسي بعلَم لهم… ويمكننا الخروج بمظاهرة وإسقاط حكمها، أو المطالبة بتغيير قانون ما، كل هذا مسموح، لكن هل سيحصل التغيير؟ لقد تظاهر الألمان لمدة 8 سنوات ضد قانون “هارتس 4” فماذا كانت النتيجة؟ لا شيء… هم يتركون شعوبهم تتظاهر وتصيح وتصرخ وتُسقط وتندد، حتى تتعب هذه الشعوب وتعود لمنازلها، ويطبقون القانون الذي يريدون ويحقق مصالح الأغنياء، والأغنياء فقط، وليذهب الفقراء إلى الجحيم.  

الدكتاتورية الحديثة ليست ديكتاتورية  هتلر أو ستالين، وليست قتل المدخنين في القطارات، أو حرق رجال الدين الأرثوذكسيين، بل هي ديكتاتورية بزيّ أمّ حنون وأب عطوف، هي ديكتاتورية التسامح مع المعارضة، وترك المظاهرات تجوب البلاد عرضاً وطولاً، وعندما يعود القطيع إلى منازله لاهثاً منهكاً فاتحاً فمه ورافعاً إشارة النصر، تقوم الطغمة “الديموقراطية” الحاكمة بتنفيذ ما تريد.

في الحقيقة لا يوجد شيء اسمه ديموقراطية في أيّ دولة في العالم، إنما هي خدعة للعقول الساذجة… لكن مَن يفهم هذا؟ مركز فيريل للدراسات 26.02.2017