هـل سيحكم الإخوان المسلمون “الجُدد” سوريا؟ د. جميل م. شاهين. 28.01.2016

عدد القراءات 2390817 نُشِرتْ بتاريخ 28 كانون الثاني 2016. ربما يكون العنوان صادماً، لكن الذي يدقق في دوائر الدولة السورية منذ فترة التسعينات حتى اليوم، يُدركُ ما أعني، أما الذي ينامُ في العسل فعليه تلاوة سورة النحل فأمر الله آتٍ فلا يستعجلهُ.

واشنطن؛ راعية الإرهاب الأولى في العالم

واشنطن وحليفتها لندن، وحسب زعمهما، تكافحان الإرهاب، ولذلك اعتمدتا نهج مصادقة زعماء الإرهابيين في العالم ودعمهم بالسرّ، للقيام بعمليات إرهابية ضد الدول المعادية لهما. في العلن؛ قتلت أسامة بن لادن والزرقاوي وكأنها إن فعلت ذلك حقاً، فقد حققت نصراً مؤزراً. هذا في الخارج. أما في الداخل الأميركي، فقد حاولت توظيف الشيوخ “المعتدلين” حسب اعتقادها أيضاً، لإرشاد وتوجيه الشباب المسلم الذي يعيش ضمن هذه الدول، والتخلص من الأفكار الجهادية التي تسيطر عليه، وفتحت الأبواب لبناء المساجد، وغضّت الطرف عن دعوات الأسلمة ضمن المجتمعات الإفريقية فيها.

وثيقة نُشِرت 2011. هي توجيه سري من أوباما والمسماة PSD-11،  تحدد دعم الإصلاح السياسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. أفرِجَ عنها بعد ضغط الكونغرس الأميركي تحت قانون حرية المعلومات؛ تبدأ الوثيقة:


يجب دعم الإخوان المسلمين كونهم الجناح المسالم في الإسلام


رغم أنّ أهدافهم المُعلنة والتي باركها البيت الأبيض: ترسيخ القرآن والسنة كونهما المرجعية الوحيدة والتي تطبّقُ على الفرد بغض النظر عن دينه، وتكون المرجعية الوحيدة للمجتمع والدولة، واعتمادهم شعارات “إنما المؤمنون إخوة”، “الإسلام هو الحل و “الله غايتنا” القرآن هو الدستور، النبي هو قائدنا. الجهاد هو طريقنا. الموت في سبيل الله هو رغبتنا. تتابع الوثيقة:

“”من أجل تحقيق غايات الولايات المتحدة، يجب تمكين الأخوان المسلمين من الوصول إلى الحكم في الشرق الأوسـط وشمال إفريقيا، وبناء دول الإسلام السياسي عن طريق قلب أنظمة الحكم هناك.””. فكان “الربيع العربي”!

لسنوات عديدة كان تمويل الأخوان يأتي من السعودية، كونهم يشاركون الوهابية أيديولوجيتها وهي حجر الأساس لجميع الحركات الجهادية المتطرفة. 

مصر والإمارات المتحدة وصفتا الجماعة بأنها منظمة إرهابية، بعد صحوة الرياض الفُجائية، لحقت بهما السعودية لتبقى قطر وتركيا الداعمتان لها، لكنّ واشنطن استمرت بدعمها أيضاً بوصفها الوسيلة الأساسية لما يسمى الإصلاح السياسي في الشرق الأوسط.

حسب بول باتريك، المحلل الأميركي:

(بعد سقوط مرسي والمرزوقي، والدولة الفاشلة في ليبيا، وظهور فشل الأخوان في سوريا حتى الآن، طلبت الولايات المتحدة من الجماعة تغيير نهجها وشكلها الخارجي، والتخلي عن الشعارات التي تتبناها داعش والقاعدة. عليهم الإقتداء بـ “الدولة الديموقراطية الشمولية الدينية” في تركيا!!).

دولة ديموقراطية شمولية وفي تركيا! يُلاحظ تعاون غير مسبوق بين CIA والأخوان المسلمين” الجُدد”، والذين يمثلون المعارضة السورية في استنبول وواشنطن. طبعاً، رفضت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض برناديت ميهان التعليق على هذه الوثيقة قائلةً: “ليس لدينا شيء نقوله بهذا الخصوص”.



نجحت واشنطن في نشر الإرهاب بصيغتهِ الإسلامية في العالم أجمع، بما في ذلك سوريا، لكنها بالمقابل فشلت في الحفاظ على أمنها الداخلي، فرئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي قال مُعلّقاً على نتائج الحرب ضدّ الإرهاب:

“اكتسب الإرهابيون حول العالم أرضية خصبة، وباتت الولايات المتحدة أقلّ أمناً”

هل ارتد فعلها عليها؟ براي مركز فيريل للدراسات؛ حتى الآن لا لم يرتدّ الإرهاب على واشنطن، الولايات المتحدة مع بداية 2016 بمنأىً عن العمليات الإرهابية الخطيرة، عِلماً أنّ قتلى استخدام الأسلحة النارية أضعاف قتلى التفجيرات الإرهابية.

نجحت واشنطن أيضاً في تسويق فكرة دولة “الإسلام المعتدل”، مبتعدة عن التعامل مع الأخوان المسلمين كتنظيم بحدّ ذاته، وتم استبداله بأحزاب تحمل نفس الفكر لكنها بأسماء أخرى، وأول الدول نظام أيردوغان وما يعنيه هذا النظام وحزبه الخبيث. في مصر؛ رغم استلام السيسي الحكم فيها، إلا أننن لا نراها في مركز فيريل بعيدةً كثيراً عن نظام أيردوغان أيديولوجياً على الأقل، وهذا سيُشكّلُ خطراً في السنوات القادمة على القاهرة، كذلك الأمر في تونس.


الآن جـاء دور سـوريا


سينزعجُ منّا أصحابُ المعالي، عسى أن يستفيقوا من غفوتهم. في فترة التسعينات، كانت بعض الوزارات السورية تعجّ بالأخوان المسلمين لكن برداءٍ ديني مغاير، وزاراتٌ غير سيادية كوزارة الصحة مثلاً، كوني  قريبٌ منها بحكم عملي. في ذلك الوقت الرقابة عليهم كانت صارمة وتحجيمهم يتمّ بإشارة من إصبعٍ قوية.


الآن، 2016 تعلّم الأخوان المسلمون من تجاربهم الفاشلة في السيطرة على الحكم في عدة دول، فبعد أن

كان الأخونجي القيادي:

عبوسٌ، لا يتقبل أية أفكار تخالف اعتقاداته، ينظر لباقي الطوائف بتعالٍ وقرف، يقطعُ أعمالهُ ومراجعيه في الدوائر الرسمية بصلاته وسجوده الذي لا ينتهي، يؤمن بالعنف لتغيير أنظمة الحكم. 

اليوم ماذا حصل للإخونجي؟

خلع هذا الأخونجي القيادي عنهُ لبوس الدّين الفاضح، واستبدله بالكرافة، أمّا الحجاب  فبات عصمليّاً والمُسمى أبو يقطينة“، فالأخونجي اليوم:

مبتسم، يتظاهر بتقبل أفكارك، يناقش، يؤجل صلاته إكراماً لمراجعيهِ، يتحدث عن العلوم والتطور التكنولوجي، لكنه بين الحين والآخر ينسب كافة الإختراعات إلى كتاب الله، بطريقة يظنها ذكية. فإن تعمقتَ بعلاقتك معهُ، راح يناقشك بالدين وفي الختام يدعوك إليه، إن أحجمتَ، تظاهر أنهُ ديموقراطي، لكنه يُضمر كلَّ سوءٍ.

 

لا يؤمن إخونجي 2016 بتغيير الأنظمة بالقوة، لكنه يستقدمُ مرتزقة غرباء ويستخدمهم لقلب النظام، ثم يقاتلهم لاحقاً كي يظهر أنهُ حريص على الوطن ويده “لم تتلوث بالدماء”. يمكنك أن تنتقد أمامهُ قطر والسعودية، وقد يشاركك بالقول: “بنو سعود اغتصبوا الجزيرة العربية”، لكن إن وصلتَ لأيردوغان، صرخت عيناه بأن توقف، فهذا خط أحمر. أما إسرائيل، فهي ابنة العم والله أوصى بها وشعبها أهل كتاب، وحدّث ولا حرج.

الأخونجي القيادي الموديرن، مرتبط بواشنطن وبرلين ولندن، يصادق الشيطان للوصول إلى هدفه. يتلقى الأوامر من هذه العواصم، بطريقة “جامع ميونيخ“، ويعمل بها بعد تطويرها تبعاً للظروف الحالية. يمكن أن يشارك في سهرة مطعم وبجانبه شخصٌ يشربُ الكحول، وراقصة نصف عارية تتمايل أمامهُ، ومقابله سيّدهُ يملي عليه الخطوات القادمة، ويمنع التصوير، فإن تسربت صورة ما، فهي “فركة أذن”.

أصحاب المعالي الكبار الكبار، هل تعلمون أنَّ الأخونجي القيادي الموديرن موجود في مناصب رسمية هامة في سوريا، نراه في صفقـات المصالحة وتبادل المخطوفين، نراه متمسمراً فوق كراسيه رغم كره الشعب له وانتقاده المتواصل. موجود في مراكز اقتصادية ورجل أعمال ثري، يؤثر على اقتصاد الوطن الذي يعاني بسبب الحرب، يحتكر تجارة صنف ما، يتلاعب بالدولار، يفتتح قنواتٍ فضائية ترفيهية ويرفقها بقناة دينية. يتبرع بالملايين لبناء المساجد ومراكز تحفيظ القرآن، ولكنه لا يتبرع بقرش لبناء مدرسة.


الأهم يا اصحاب المعالي؛ أنه موجود في مناصب أمنية، أمنية أي بين ضباط المخابرات إن كنتم لا تعلمون، وهذا مكمن خطورته عليكم وعلى سوريا.

الذين يعملون في الأمن يعرفون قصدي، للأسف أقولها: “وصل “التديّن الأخونجي” إلى الجهاز الأمني السّوري” وهذا بيت القصيــد.

كنتُ نبهتُ عام 2005، ثم عام 2008 إلى أمرين

الأول:


إنّ لبناء المساجد بأموال السعودية خاصة في محافظة درعا، عواقبُ وخيمة، والقصد من ذلك ليس الإيمان أو مصلحة الشعب السوري، فبناء مدرسة أو مركز طبي واحد، أهم من بناء مائة مسجد، فهل تبرع “الأشقاء” دون خباثة؟ تم التعامي عن التبرعات تلك عندما امتلأت الجيوب، وحصلنا على مئات من مساجد “أبي عامر الفاسق“. وما زلنا. 

……………………………………………………………………………………………………………..

الأمر الثاني:


الانفتاح على تركيا خطير، وستكون له نتائج سلبية اقتصادياً واجتماعياً وقومياً ودينياً، انتقدتُ لاحقاً هذه “الإسهال” في المسلسلات التركية. حتى روايتي “مذكرات لاجىء” طُلبَ مني حذف صفحاتٍ كاملة، كي أحصل على الموافقة بالنشر، قيل أنّ فيها عبارات تُسيء “للأخوة” الأتراك! وأولها:


“احــذروا من إسرائيل مرة، ومن تركيا ألف مـرة.”. رواية مذكرات لاجئ 2005. د. جميل م. شاهين


هذا الانفتاح على السعودية وتركيا جاء بمباركة ووساطة من “الأخوان المسلمين الجُدد”، وها نحنُ نحصدُ نتائج هذا الانفتاح العشوائي، فهل هذا كلُّ الحصاد؟ بالتأكيد مازلنا أول الطريق



اليوم مع بداية 2016، يا أصحاب المعالي؛ أحذّرُوا من الأخوان المسلمين الجُدد. فـ”الأخوان المسلمون التقليديون” في المعارضة أشخاص معروفون، لكن الجدد في الخارج وفي الداخل مموّهون يتغلغلون في كافة المفاصل، يشتمون داعش ويتهمونها بأنها ليست من الدين، يشتمون الأخوان المسلمين لكنهم يحملون فكرهم باطناً. يتحدثون عن دولة مدنية. عن قبول الآخر. بل عن الديموقراطية. في وجههم الحقيقي: يعملون على تهجير ما يُسمى مجازاً “الأقليات” هذا إن لم يرتكبوا مجازر في الخفاء تحت اسم داعش، تهجير داخلي وخارجي، بالمساعدة وغضّ الطرف عن قذائف هاون وتفجيرات تتقصّدُ أحياء أو مدن أو قرى بعينها، فيتم تجميع كل طائفة بمنطقة معينة، تمهيداً لخطة الكنتونات. يحصرون التوظيف بمعارفهم. يُشجعون بل يفرضون الحجاب، ويضطهدون كلّ إمرأة أو فتاة لا ترتديه، شعارهم “ارتدي الحجاب، ولا يهمنـا ماذا ترتدين تحته”. يساهمون في إطالة فترة الحرب الأهلية إلى أن تكتمل خطتهم.


الإخوان المسلمون الجُدد هـم الدواعش العاملون داخل جسد الدولـة السورية


تأكدتُ مما كتبتهُ هنا بعد زيارتي الأخيرة للوطن، ولستُ في معرض تسمية شخص بعينه. قابلتُ شاباتٍ جامعيات رُفض طلبهن في التوظيف لأنهنّ لا ترتدين الحجاب! وشباناً رُفضوا لأنّ أسماءهم تكشف طائفتهم.

مسجد برشوى!

شاهدت ذلك بعيني لدى كاتب العدل! بريف دمشق. عندما دخلتُ مكتبه لم أعرف هل أنا في وزارة العدل أم في مسجد! طلبَ 500 ليرة سورية بالإضافة لثمن الطوابع، عندما خرجتُ سألتُ، قيل لي أن الـ 500 ليرة هي إكرامية. مسجد برشوى!!!

لمَنْ يستغرب هذا الكلام، هل علمتَ بما جرى للطالب الذي شرب الماء في كلية الحقوق أثناء تقديمه الامتحان، في شهر رمضان الفائت 2015؟ أصبح الصيام بالقوة في سوريا يا أصحابَ المعالي إن كنتم نائمين! لم يبقَ إلا أن نرى دوريات “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” تُسَيّر في شوارع دمشق، برعاية كريمة منها…


نريـد سوريا علمانية لا مدنية، لا يستمد دستورُها نصوصَه من أيّ مرجع ديني

الدين لله والوطن للجميـع

نريدُ أن يكون الدين في أماكنه المقدسة وليس في الدوائر الحكومية، الأمنية يا كبار!.


هـل سيتمكن “الأخوان المسلمون الجُدد” من تحقيق غاياتهم بالطريقة “البراغماتية” والوصول لكرسي الحكم في دمشق؟ أنا هنا أحذّرُ وأتمنى أن أكون مخطئاً بما رأيت وما قلتْ، وهذا تحذيرٌ أخير يا أصحاب الكراسي العليا.

الدكتور جميل م. شاهين برلين  28.01.2016

Firil Center For Studies FCFS, Berlin, Germany