هـل سيحكم الإخوان المسلمون “الجُدد” سوريا؟ د. جميل م. شاهين. 28.01.2016

عدد القراءات 1809037 تاريخ المقالة 28 كانون الثاني 2016. ربما يكون العنوان صادماً، لكن الذي يدقق في دوائر الدولـة السورية منذ فتـرة التسعينات حتى اليوم، يُدركُ ما أعنـي، أما الذي ينـامُ في العسل فعليـه تلاوة سورة النحل فأمر الله آتٍ فلا يستعجلهُ.

راعية الإرهـاب الأولى في العالم، وحليفتها الأوروبية لندن، وحسب زعمهما، تكافـحان الإرهـاب، ولذلك اعتمدتا نهج مصادقة زعماء الإرهابيين في العالم ودعمهم بالسرّ، للقيام بعمليات إرهابية ضد الدول المعادية لهما. في العلن؛ قتلت أسامة بن لادن والزرقاوي وكأنها إن فعلت ذلك حقاً، فقد حققت نصراً مؤزراً. هذا في الخارج. أما في الداخل الأميركي، فقد حاولت توظيف الشيوخ “المعتدلين” حسب اعتقادها، لإرشاد وتوجيه الشباب المسلم الذي يعيش ضمن هذه الدول، والتخلص من الأفكار الجهادية التي تسيطر عليه، وفتحت الأبواب لبناء المساجد، وغضّت الطرف عن دعوات الأسلمة ضمن المجتمعات الإفريقية فيها.

في الوثيقة التي نُشِرت 2011، وهي توجيه سري من أوباما والمسماة PSD-11،  والتي تحدد دعم الإصلاح السياسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأفرِجَ عنها بعد ضغط الكونغرس الأميركي تحت قانون حرية المعلومات؛ تبدأ الوثيقة:


يجب دعم الإخوان المسلمين كونهم الجناح المسالم في الإسلام.


رغم أنّ أهدافهم المُعلنـة والتي باركها البيت الأبيض: ترسيخ القرآن والسنة كونهما المرجعية الوحيدة والتي تطبّقُ على الفرد بغض النظر عن دينه، وتكون المرجعية الوحيدة للمجتمع والدولة، واعتمادهم شعارات “إنما المؤمنون إخوة”، “الإسلام هو الحل و “الله غايتنا” القرآن هو الدستور، النبي هو قائدنا. الجهاد هو طريقنا. الموت في سبيل الله هو رغبتنا. تتابع الوثيقة:

“”من أجل تحقيق غايات الولايات المتحدة، يجب تمكين الأخوان المسلمين من الوصول إلى الحكم في الشرق الأوسـط وشمال إفريقيا، وبناء دول الإسلام السياسي عن طريق قلب أنظمة الحكم هناك.””. فكان “الربيع العربي”!

لسنوات عديدة كان تمويل الأخوان يأتي من السعودية، كونهم يشاركون الوهابية أيديولوجيتها وهي حجر الأساس لجميع الحركات الجهادية المتطرفة. 

مصر والإمارات المتحدة وصفتا الجماعة بأنها منظمة إرهابية، لحقت بهما السعودية لتبقى قطر وتركيا الداعمتان لها، لكنّ واشنطن استمرت بدعمها أيضاً بوصفها الوسيلة الأساسية لما يسمى الإصلاح السياسي في الشرق الأوسط.

حسب بول باتريك، المحلل الأميركي:

(بعد سقوط مرسي والمرزوقي، والدولة الفاشلة في ليبيا، وظهور فشل الأخوان في ســوريا، طلبت الولايات المتحدة من الجماعة تغيير نهجها وشكلها الخارجي، والتخلي عن الشعارات التي تتبناها داعش والقاعدة. عليهم الإقتداء بـ “الدولة الديموقراطية الشمولية الدينية” في تركيـا).

دولة ديموقراطية شمولية! يلاحـظ الآن تعاون غير مسبوق بين CIA والأخوان المسلمين” الجُـدد”، والذين يمثلون المعارضة السورية في استنبول وواشنطن. طبعاً، رفضت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض برناديت ميهان التعليق على هذه الوثيقة قائلةً: “ليس لدينا شيء نقوله بهذا الخصوص”.



نجحت واشنطن في نشر الإرهـاب بصيغتهِ الإسلامية في العالم أجمع، بما في ذلك سوريا، لكنهـا بالمقابل فشلت في الحفـاظ على أمنها الداخلي، فرئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي قال مُعلّقاُ على نتائج الحرب ضدّ الإرهاب:

“اكتسب الإرهابيون حول العالم أرضية خصبة، وباتت الولايات المتحدة أقلّ أمناً.”.

هل ارتد فعلها عليهـا؟ حتى الآن لا، الولايات المتحدة بمنأى عن العمليات الإرهابية الخطيرة، فقتلى استخدام الأسلحة النارية أضعاف قتلى التفجيرات الإرهابية.

نجحت واشنطن أيضاً في تسويق فكرة دولة “الإسلام المعتدل”، مبتعدة عن التعامل مع الأخوان المسلمين كتنظيم بحدّ ذاته، وتم استبداله بأحزاب تحمل نفس الفكر لكنها بأسماء أخرى، وأول الدول نظام أيردوغـان وما يعنيه هذا النظام وحزبه الخبيث. في مصر؛ رغم استلام السيسي الحكم فيها، إلا أنني لا أراها بعيدةً كثيراً عن نظام أيردوغان، كذلك في تونس…


الآن جـاء دور سـوريا…


في فترة التسعينات، كانت بعض الوزارات السورية تعجّ بالأخوان المسلمين لكن برداءٍ ديني مغاير، وزاراتٌ غير سيادية كوزارة الصحة مثلاً، كوني كنتُ قريباً منها بحكم عملي. في ذلك الوقت كانت الرقابة عليهم صارمة وتمّ تحجيمهم.


الآن، 2016 تعلّم الأخوان المسلمون من تجاربهم الفاشلة في السيطرة على الحكم في عدة دول، فبعد أن كان الأخونجي القيادي: عبوسٌ، لا يتقبل أية أفكار تخالف اعتقاداته، ينظر لباقي الطوائف بتعالٍ وأحياناً بقرف، يقطعُ أعمالهُ ومراجعيه في الدوائر الرسمية بصلاته وسجوده الذي لا ينتهي، يؤمن بالعنف لتغيير أنظمة الحكم. خلع هذا الأخونجي القيادي عنهُ لبوس الدّين الفاضح، واستبدله بالكرافة ولنسائه الحجاب العصملي “أبو يقطينة”، فالأخونجي اليوم: مبتسم، يتظاهر بتقبل أفكارك، يناقش، يؤجل صلاته إكراماً لمراجعيهِ، يتحدث عن العلوم والتطور التكنولوجي، لكنه بين الحين والآخر ينسب كافة الإختراعات إلى كتاب الله بطريقة يظنها ذكية. فإن تعمقتَ بعلاقتك معهُ، راح يناقشك بالدين وفي الختام يدعوك إليه، إن أحجمتَ، تظاهر أنهُ ديموقراطي، لكنه يُضمر شيئاً.

…………………………………

لا يؤمن بتغيير الأنظمة بالقوة، لكنه يستقدمُ مرتزقة غرباء ويستخدمهم لقلب النظام، ثم يقاتلهم لاحقاً كي يظهر أنهُ حريص على الوطن ويده “لم تتلوث بالدماء”. يمكنك أن تنتقـد أمامهُ قطـر والسـعودية، وقد يشاركك بالقول: “بنو سعود اغتصبوا الجزيرة العربية”، لكن إن وصلتَ لأيردوغان، صرخت عيناه بأن توقف، فهذا خط أحمر. أما إسـرائيل، فهي ابنة العم والله أوصى بها وشعبها أهـل كتـاب، وحدّث ولا حرج…

الأخونجي القيادي الموديرن، مرتبط بواشنطن وبرلين ولندن، يصادق الشيطان للوصول إلى هدفه. يتلقى الأوامر من هذه العواصم، بطريقة “جامع ميونيخ“، ويعمل بها بعد تطويرها تبعاً للظروف الحالية. يمكن أن يشارك في سهرة مطعم وبجانبه شخصٌ يشربُ الكحول، وراقصة نصف عارية تتمايل أمامهُ، ومقابله سـيّدهُ يملي عليه الخطوات القادمة، ويمنع التصوير، فإن تسربت صورة ما، فهي “فركة أذن”.

الأخونجي القيادي الموديرن موجود في مناصب رسمية هامة في سـوريا، نراه في صفقـات المصالحة وتبادل المخطوفين، نراه متمسمراً فوق كراسيه رغم كره الشعب له وانتقاده المتواصل… موجود في مراكز اقتصادية ورجل أعمال ثري، يؤثر على اقتصاد الوطن الذي يعاني بسبب الحرب، يحتكر تجارة صنف ما، يتلاعب بالدولار، يفتتح قنواتٍ فضائية ترفيهية ويرفقها بقناة دينية. يتبرع بالملايين لبناء المساجد ومراكز تحفيظ القرآن، ولكنـه لا يتبرع بقرش لبناء مدرسة.


الأهــم… أنه موجود في مناصب أمنيــة وهذا مكمن خطورتـه… والذين يعملون في الأمن يعرفون قصدي، للأسف أقولها: “وصل “التديّن الأخونجـي” إلى الجهــاز الأمني السّـوري…” وهذا بيت القصيــد.

كنتُ نبهتُ عام 2005، ثم عام 2008 إلى أمرين

الأول:


إنّ لبناء المساجد بأموال السعودية خاصة في محافظة درعا، عواقبُ وخيمة، والقصد من ذلك ليس الإيمان أو مصلحة الشعب السوري، فبناء مدرسة أو مركز طبي واحد، أهم من بناء مائة مسجد، فهل تبرع “الأشقاء” دون خباثـة؟ تم التعامي عن التبرعات تلك عندما امتلأت الجيوب، وحصلنا على مئات من مساجد “أبي عامر الفاسق”… وما زلنــا. 

……………………………………………………………………………………………………………..

الأمر الثاني:


الانفتاح على تركيا خطير، وستكون له نتائج سلبية اقتصادياً واجتماعياً وقومياً ودينياً، انتقدتُ لاحقاً هذه “الإسهال” في المسلسلات التركية. حتى روايتي “مذكرات لاجىء” طُلبَ مني حذف صفحاتٍ كاملة، كي أحصل على الموافقة بالنشر، قيل أنّ فيها عبارات تُسيء “للأخوة” الأتــراك! وأولها:


“احــذروا من إسـرائيل مرة، ومن تركيـا ألف مـرة.”. رواية مذكرات لاجئ 2005. د.جميل م. شاهين


هذا الانفتاح على السعودية وتركيا جاء بمباركة ووساطة من “الأخوان المسلمين الجُـدد”، وها نحنُ نحصدُ نتائج هذا الانفتاح العشوائي…



اليوم أحذّرُ من الأخـوان المسلـمون الجُـدد… فـ”الأخوان المسلمون التقليديون” في المعارضة أشخاص معروفون، لكن الجدد في الخارج وفي الداخل مموّهون يتغلغلون في كافة المفاصل، يشتمون داعش ويتهمونها بأنها ليست من الدين، يشتمون حتى الأخوان المسلمين لكنهم يحملـون فكرهـم باطنـاً. يتحدثون عن دولة مدنيــة. عن قبول الآخر. بل عن الديموقراطية. في وجههم الحقيقي: يعملون على تهجير ما يُسمى مجازاً “الأقليات”، تهجير داخلي وخارجي، بالمساعدة وغضّ الطرف عن قـذائف هـاون وتفجـيرات تتقصّـدُ أحيـاء أو مـدن أو قـرى بعينها، فيتم تجميـع كل طائفة بمنطقة معينـة، تمهيداً لخطة الكنتونــات. يحصرون التوظيف بمعارفهم. يُشـجعون على الحجـاب، ويضطهدون كلّ إمـرأة أو فتـاة لا ترتديـه، شعارهم “ارتدي الحجـاب، ولا يهمنـا ماذا ترتدين تحتـه.”. يساهمون في إطـالة فتـرة الحـرب إلى أن تكتمـل خطتهـم.


الإخوان المسلمون الجُدد هـم الدواعـش العاملـون داخـل جسـد الدولـة السـورية.


تأكدتُ مما كتبتهُ هنا بعد زيارتي الأخيرة للوطن، ولستُ في معرض تسمية شخص بعينه… قابلتُ شاباتٍ جامعيـات رُفض طلبهن في التوظيف لأنهنّ لا يرتدين الحجـاب! وشباناً رُفضوا لأنّ أسـماءهم تكشف طائفتهــم.

شاهدت ذلك بعيني لدى كاتب العـدل! بريف دمشق. عندما دخلتُ مكتبه لم أعرف هل أنا في وزارة العدل أم في مسجد! طلبَ 500 ليرة سورية بالإضافة لثمن الطوابع، عندما خرجتُ سألتُ، قيل لي أن الـ 500 ليرة هي إكرامية… مســجد برشــوى!!!

لمَنْ يستغرب هذا الكلام، هل علمتَ بما جرى للطالب الذي شرب الماء في كلية الحقوق أثناء تقديمه الامتحان، في شهر رمضان الفائت؟ أصبح الصيـام بالقـوة في ســوريا! ولم يبقَ إلا أن نـرى دوريـات “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” تُسَـيّر في شـوارع دمشـق.


نريـد ســوريا علمانيـة لا مدنيـة، ولا يستمد دستورها نصوصـه من أيّ مرجـع ديني، الدين لله والوطـن للجميـع. نريـدُ أن يكون الدين في أماكنـه المقدسة وليس في الدوائـر الحكوميـة.


هـل سـيتمكن “الأخوان المسلمون الجُـدد” من تحقيق غاياتهـم بالطريقـة “البراغماتية”؟ أنـا هنا أحــذّرُ وأتمنى أن أكون مخطئـاً بمـا رأيت.

الدكتور جميل م. شاهين برلين  28.01.2016

Firil Center For Studies FCFS, Berlin, Germany