تركيا تتمدد ومصر تتأهب. الدكتور جميل م. شاهين

تمدد الأحلام العثمانية يطرق أبواب مصر، فماذا أنتم فاعلون؟

حقيقةٌ لا يمكن إخفاؤها أنّ النظام التركي يتوسّعُ ويتمدد بشكل غير مسبوق منذ انهيار الدولة العثمانية، وهذا يؤكد أطماع حكّام أنقرة بإعادة الخلافة السابقة. احتلت شمال قبرص وتغلغلت أصابع تركيا في سوريا والعراق وغزة والشيشان وأذربيجان ووصلت إلى غربي الصين. السودان وقطر وحالياً تنخرطُ بشكل علني في الصراع الليبي والتالي مصر، فإلى أين يمكن أن تصل تلك الأطماع؟ وهل سيُترَك الحبل على غاربهِ لحكام أنقرة، أم أنّها مرحلة ما قبل السقوط الكبير؟

إتفاق وصاية تركية على ليبيا

أزمة سياسية حادّة تُنذرُ بنتائج عسكرية، تفاقمت بعد توقيع اتفاقيتين مشبوهين بين تركيا وحكومة طرابلس الغرب بزعامة فايز السرّاج الإخواني مع أردوغان، الأولى حول التعاون الأمني وهي أشبهُ بالدفاع المشترك، والثانية في ترسيم الحدود البحرية. علماً أنه لا توجد حدود بحرية بين الدولتين! اليونان وقبرص عارضتا الاتفاقية كونها تمسحُ جزيرة كريت اليونانية من الخارطة، وهذا انتهاك وقحٌ لقانون البحار الدولي. تركيا لا تُقيم وزناً لهاتين الدولتين، لكنّ دعم الاتحاد الأوروبي لهما يزيد من قوة موقفهما. والمشهد أكثر تعقيداً…

هذا ما تسعى إليه تركيا بالتمدد والاحتلال

تعقيدات المشهد الليبي

الطرفان الرئيسيان المتنازعان في ليبيا هما حكومة الوفاق في طرابلس برئاسة فايز السراج وجيش خليفة حفتر. لكلّ منهما حلفاؤه وداعموه. علماً أنه هناك مئات الفصائل المسلحة المتحاربة.

فريق كبير من الولايات المتحدة وتركيا يدعمُ حكومة الوفاق، بينما تدعم روسيا ومصر والإمارات والسعودية وفرنسا حفتر. تخلّى معمر القذافي عن صديقه العقيد خليفة حفتر عام 1986 وتركهُ في الأسر بحرب تشاد. أنقذتهُ واشنطن 1990 وانتقل للعيش فيها. عاد عام 2011 ليتزعم الجيش الوطني الليبي ويُطيح بمعمر القذافي. يحملُ حفتر الجنسية الأميركية، وعلاقاته بالمخابرات الأميركية تعود لعام 1989 وهي ليست سرية، لكنه يلعب على الجانبين الروسي والأميركي ويُحاول أن يكون الصبي المُدلل للطرفين.

صراعٌ روسي أميركي خفي


الخطة الأمريكية تعتمدُ على إشعال المشهد الليبي، وخلق صدام عسكري طويل الأمد بين عدة أطراف، وأيّ طرف يربح هو لصالحها، فتضرب عدة عصافير بحجر واحد. صدام بين روسيا وتركيا، مصر وتركيا، الاتحاد الأوروبي وتركيا.  

مصر تأخرت كثيراً

لا يتحرّك ساسة مصر إلا متأخرين! كغيرهم من أصحاب المعالي. لن نتحدث عن تأخرهم في نجدة سوريا، فهذا أمرٌ مفروغ منه، لأنّ نتائج هذا التأخر ستظهر قريباً وغالباً ظهر بعضها في أيار الماضي. كان عليهم التحرّك منذ وقعت أنقرة اتفاقية مع الخرطوم، بتطوير مرفأ جزيرة سواكن لاستقبال السفن العسكرية التركية، أي إقامة قاعدة عسكرية قرب الشواطئ المصرية، يومها اكتفت القاهرة بالاحتجاج والشجب. دعمت تركيا حكم مرسي العياط وتدخلت مع قطر ضد حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأيضاً اكتفت القاهرة بالبيانات والشجب. اليوم باتت أنقرة عند حدود مصر الغربية، فهل سيستمرُ تباطؤ الساسة المصريين بإدراك الخطر الداهم؟!

مصر مُقيّدة باتفاقية كامب ديفيد، هذا أمرٌ معروف. مصر وقفت متفرّجةً على سوريا، لأنها لا تستطيعُ تجاوز الرياض وواشنطن. لكن ما هو القيد ضد تركيا عدوة السعودية، التي أعلنت مراتٍ أنها تعمل لإعادة حكم الإخوان في مصر مع قطر؟ اتفاقية الحدود البحرية، إن كان ساسة مصر لا يعلمون، تلغي وجود جزيرة كريت وتستندُ لمبدأ الجرف القارّي، وليس قانون المياه الإقليمية الدولي، أي ستتقاسمُ تركيا وليبيا البحر المتوسط بينهما مناصفةً! إن نظرنا للخارطة نجد أنّ الأتراك سيتمددون 350 كلم جنوباً، ليصبحوا على حدود مصر البحرية، و ستمرُّ السفن المصرية التي تعبرُ المتوسط في المياه التركية. الأخطر؛ ستصل تركيا إلى حقول الغاز المصرية. فماذا أنتم فاعلون يا حكّم مصر؟

ما هي أهداف تركيا؟

ثانياً: تمدد تركيا في ليبيا عسكرياً، سيمنح شركاتها أفضلية في مشاريع إعادة إعمار ليبيا واستثمار ثرواتها الباطنية.

ثالثاً: تستورد تركيا 96% من حاجتها للبترول والغاز، وتتكلّفُ 51 مليار دولار سنوياً. حدودها البحرية الحالية 18 كلم فقط، ولا توجد فيها أية حقول طاقة، بعد الاتفاقية مع طرابلس ستصل إلى منابع الطاقة في المتوسط فيخف عليها العبء بعد أن فشلت في ذلك بسوريا، حتى الآن.

رابعاً: بعد أن اخترقت أنقرة الخليج العربي بإنشاء قاعدة عسكرية في قطر، تنصبُّ جهودها الآن على ليبيا. زيادة نفوذها ووضع طرابلس تحت الحماية، يندرج ضمن مشروع إعادة إحياء الخلافة العثمانية الميتة، وهو الحلم الذي يراود كافة الأتراك من حزب حاكم ومعارضة.

القادم على مصر وليبيا و…سوريا

الدفعُ بالمزيد من الإرهابيين سواء من سوريا أو من غيرها، حيث أكدّ اللواء المسماري وصول إرهابيين من موريتانيا ومالي والنيجر وبوكو حرام في نيجيريا، سيجعل ليبيا محطّة رعبٍ قادم لأوروبا، لتحوّلها لقاعدة إرهابية قريبة من حدودها، ويحرّك الدول ضد تركيا أكثر.

إمكانية التهدئة في الملف الليبي تتضاءل وفرض نجاح التسوية السياسية في المحادثات المزمع عقدها في برلين، تتراجع. صمتُ مصر يعني استسلام وانتصار لحلف الإخوان المسلمين وهذا أمر مستبعدٌ لأنه بات مسألة وجود. الغرب يتهم روسيا بإرسال قوات من الفاغنر للقتال في جبهات طرابلس والإمارات بإرسال مقاتلي بلاك ووتر، وواشنطن تسعى لتوريط الجميع في المستنقع الليبي. زيارات حلفائها الأخيرة لموسكو؛ محمد بن سلمان ومحمد بن زايد والسيسي وحفتر، تندرج ضمن عملية توريط روسيا والدفع باتجاه مواجهة روسية تركية.