العراق والفوضى العارمة. ربيع عربي ثاني. ماذا يحدث في العراق؟ زيد م. هاشمFiril Center For Studies FCFS Berlin
قبل عام تماماً، بتاريخ 3 تشرين الأول 2018، نشرنا عما نتوقع حدوثه في العراق وسوريا بمقالة بعنوان: سوريا والعراق ساحة صراع بين واشنطن وطهران، وللأسف العراق ينزلقُ أكثر فأكثر نحو المجهول، وكأنّ المواطن العراقي بحاجة للمزيد من المآسي!!. راجعوا المقالة.
سنبدأ دون مقدمات بما يحدثُ الآن، فالوضع في العراق باتَ أكثر خطورةً، وهو منقسمٌ ومتداخلٌ بين تيارين؛ الأول يتبعُ لإيران، ويضمّ قسماً كبيراً من أحزاب السلطة الحاكمة وحلفها، وآخر يتبعُ للولايات المتحدة أيضاً من أحزاب السلطة الحاكمة وميليشيات الأنبار وشمالاً من الأكراد الانفصاليين…
بين هذا وذاك، شعبٌ يُعاني الأمرين خاصة في الوسط والجنوب، في دولة تسبحُ على بحر من المياه والبترول…والفساد. حراكٌ شعبي بدأ منذ سنوات، يخمدُ تارةً ثم يثور في أخرى ضد هذا الفساد والفقر وسوء الخدمات والبطالة والعوز… هنا باتت الساحة خصبة لدخول سهلٍ للأصابع الداخلية والخارجية لتحريك الشعب، والمطلوب هو إضعافُ النفوذ الإيراني الذي يُسيطر على أجزاء واسعة وبشكلٍ عميق.
لا شك أنّ التحرك هذا مدعوم من الحلف الأمريكي بما في ذلك السعودية والإمارات، وقد استطاع هذا الحلف ضمّ التيار الصدري والحكيم وعلاوي والمستقلين من شيوخ عشائر وعدد من رجال الدين الشيعة، فباتوا يشكلون حلفاً مكتملاً ضد الوجود الإيراني.
الانقسام وصل إلى الجيش العراقي والأجهزة الأمنية، فبات قسمٌ كبير أكثر قرباً من واشنطن، لكنّ المرجعية الشيعية الأساسية متمثلة بالسيستاني، باتت تغلّب الخيار الوطني، وسيكون لها الكلمة الفصل، خاصّة أنّ الحشد الشعبي تشكل بفتوى منها بتاريخ 13 حزيران 2014. الذي نعرفهُ في مركز فيريل للدراسات أنّ المرجعية تشعرُ بعدم الرضى أن يصبح الحشد أداة لتحقيق مصالح الدول على حساب العراق وزجّهِ في صراعات وحروب لا تعنيهِ.
العراق إلى أين؟
لا يبدو أنّهُ هناك أيّة نيّة حقيقية لدى السلطات الحاكمة بمحاربة الفساد، ولا توجد لديها خطة للقضاء على الفقر والبطالة، الهمّ الرئيسي هو كيفية البقاء على الكراسي ونهب خيرات العراق، بغضّ النظر عمن يدعمها سواء طهران أو واشنطن أو الرياض… إذاً؛ المطلوب أن يبقى العراق في صراع وفوضى وساحة تصفية حسابات بين المتصارعين سنوات طويلة وطويلة جداً.
توقعات مركز فيريل للدراسات أن تستمر المظاهرات، وحتى إن تمّ إخمادها فهو إجراء مؤقت طالما أنّ السبب الرئيسي موجود… إن تصاعدت الأمور؛ هناك احتمال أن تسيطر الفصائل الموالية لطهران ضمن الحشد الشعبي على المنطقة الخضراء، عِلماً أنّ فصائل من هذا الحشد نأت بنفسها عن إيران مثل: كتائب أبو الفضل العباس وسرايا السلام الصدرية، وكذلك الفصائل التابعة لحزب الدعوة فرع العبادي، وهناك تذبذب من جماعة الحكيم.
من جانبٍ آخر، تمت قبل أسبوع إقالة الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي من منصب قائد قوات مكافحة الإرهاب ونقلهِ إلى آمرة الدفاع، أي تجميدهِ، وإحالة سبعة ضباط للمحاكمة العسكرية بينهم قائد القوى الجوية. شاركَ الساعدي في معارك استعادة عدة مدن ومواقع سيطر عليها تنظيم داعش عام 2014، وكان قائداً عسكرياً بارزاً ومعاون رئيس جهاز مكافحة الإرهاب. الساعدي رفض هذه الإقالة قائلاً: “السجن أرحم من تنفيذ القرار”. فلماذا تمت إقالتهُ؟
غضب شعبيّ ضد قرار رئيس الوزراء عادل عبد المهدي زاد الطين بلة، ومظاهرة الموصل يوم الأحد الماضي كان سببها الرئيسي هذه الإقالة… نقد سياسي كبير من زعماء سياسيين، كرئيس الوزراء السابق حيدر العبادي الذي قال: “هناك بيع للمناصب في المؤسسات العسكرية والأمنية…ما هكذا تكافئ الدولة مقاتليها الذين دافعوا عن الوطن“. الانتقاد جاء أيضاً من رئيس “جبهة الإنقاذ والتنمية” ورئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي، ورئيس “تيار الحكمة الوطني” عمار الحكيم… المُتهم بالوقوف وراء الإقالة هو طهران حسب الأوساط السياسية والشعبية.
في الوقت الذي تمت إقالة الساعدي، بدأت خلايا داعش نائمة بالتحرّك، بالإضافة لفصائل إسلامية متشددة عدة كتنظيم حماس العراق والجيش الإسلامي وكتائب ثورة العشرين وجيش النقشبنديين. خلايا حزب البعث ذات الحضور الداخلي والإقليمي المسنود من الصحوات العشائرية السنية، لها إلى حدّ كبير قبول في الشارع السني وبين بعض المناطق في الشمال…
حتى في أجزاء واسعة من الشارع الشيعي وبعد تجربة أحزاب الإسلام السياسي التابعة لإيران وفسادها، باتت تميلُ للتغيير السياسي الجذري.
أسوأ السيناريوهات وتأثيره على سوريا
السيناريو الأسوأ في العراق؛ أن يتدخل الحشد الشعبي بسلاحه ومعهُ فصائل الأحزاب الحاكمة لقمع المظاهرات، هنا سيتحرك مقتدى الصدر بتياره مع قسم واسع من الجيش العراقي يساندهما تيار شعبي عريض، فتحدث حرب أهلية بين الشيعة أنفسهم. في هذا الوضع ستتحرك داعش في الأنبار وغرب العراق وستجد بؤرة خصبة وحاضنة شعبية، فتحدث مواجهات مع الصحوات أي حرب أهلية بين السنّة، ويتم في الحالين طرد الحشد الشعبي من الأنبار والموصل بحجة أنه موالٍ لإيران، أي تعود داعش إلى الحدود السورية بغطاء آخر وربما اسم جديد وبرعاية أميركية. هنا يتم قطع الطريق: طهران بغداد دمشق، وهو أحد أهداف واشنطن التي تحققها بيد عراقية.
المظاهرات تجددت، فهي لم تنقطع منذ عام 2003، بعد فتح معبر القائم في الأنبار مع البوكمال في محافظة دير الزور، هنا لا نقول أن هذا هو السبب الرئيسي، بل أحد الأسباب التي يتم التحريض عليها. القوات الامريكية المحتلة موجودة في الموصل والأنبار وكركوك وأربيل، ارسموا خطاً لمكانها على خارطة العراق، تجدون أنها تقطع الطريق على إيران تماماً ضمن مناطق تواجد السنة والأكراد وهي أماكن تواجد ثروات البترول والمياه. وفي سوريا القوات الامريكية والناتو يتواجدون في الحسكة والرقة وشمال ديرالزور، هذه المحافظات محاذية للموصل والأنبار العراقيتين… الصورة باتت واضحة…
واشنطن أنشأت ميليشيات قسد الانفصالية في سوريا، وهي بصدد تأسيس “قسد العراقية” من البيشمركة والصحوات العشائرية السنية وتمرد في الشارع الشيعي يقوده الصدر وبعض الفصائل والعشائر الشيعية، لذلك من أجل تمرير هذا المخطط لابد من فوضى عارمة تهيئ الوضع بالعراق لتنفيذ المشروع… الحكومات العراقية المتوالية قدّمت اللبنة الأساسية لهذا المخطط وهي الفساد وسحق المواطن العراقي، وهذه خطيئة كبيرة ارتكبتها طهران بدعمها لتلك الحكومات الفاسدة، والنتيجة ما نراها الآن… نرجو ألا تتكرر في سوريا… دائماً أقول: (الفساد باب لكلّ خراب). إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 03.10.2019. زيد م. هاشم.
هل يمكن أن تمتدَ المظاهرات لما هو أبعد من حدود العراق؟ والقصد طبعاً سوريا… الظروف متشابهة وإن كانت أقل حِدةً… فهل سيبقى ولاة الأمر متفرجون مطمئنون، أم سيتحركون قبل أن تلتهم النيران دولاراتهم؟!