أكدنا قبل خمسة أيام في مركز فيريل أنّ قرار الإعلان بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، تمّ بمعرفة معظم زعماء الدول العربية والإسلامية، حيثُ جرى إخبار هؤلاء الزعماء في الرياض أثناء زيارة ترامب للسعودية في أيار الفائت 2017. نقول هنا إخبار الزعماء وليس أخذ مشورتهم…
بعد 70 عاماً من التهديد والدعاء على إسرائيل، ترامب يمتطي العربان أكثر. الدكتور جميل م. شاهين
من الأرجنتين كتبَ الأستاذ عدنان نقول، الإعلامي والمحلل السياسي: عشرة أيام، قبل اتخاذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، زار الملياردير اليهودي الأميركي شيلدون أدلسون برج ترامب الشهير “ترامب تاور” بمدينة نيويورك لاجتماع مغلق. ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز، فإن أدلسون الملياردير وصاحب الكازينوهات والمغدق على الجمهوريين من جيبه، وصل إلى عشرين مليون دولار للجنة العمل السياسي التي دعمت حملة ترامب الانتخابية، وجلس إلى جانب صديق قديم مورتن كلين، وهو رئيس المنظمة الصهيونية في أميركا ومن المتشددين الصقور في دعم إسرائيل للحديث عن أن نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس يعد أولوية رئيسية.
أدلسون وكلين انتظرا قرابة عام منذ وصول ترامب الى البيت الأبيض، إلى ان جاء اليوم الموعود بالنسبة لمن يسمون أنفسهم بشعب الله المختار، عندما وقف ترامب وخلفه صورة لجورج واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة، للإعلان رسميا الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة اليهودية، ويضع خطة لنقل سفارته إلى مدينة احتلت عام 1967 ووفقا للقوانين الدولية والاعراف الدبلوماسية مدينة تحت الاحتلال.
ترامب ورؤيته لمدينة القدس
مكانة القدس ووضعها بالنسبة لترامب هي حتمية سياسية اكثر منها معضلة دبلوماسية، تجسدت في الإنجيليين المؤيدين بقضهم وقضيضهم لإسرائيل والملياردير أدلسون صاحب جريدة “يسرائيل هيوم” العبرية والصادرة في إسرائيل، وبين زعماء عرب يرون في قراره تعويضا لمبادرته للسلام ولحل الصراع (صفقة القرن): محمد بن سلمان، محمد بن زايد، عبد الفتاح السيسي. في الواقع كان ترامب ايضا تحت ضغط ممثلي الجماعات المسيحية الإنجيلية ويسمون بالمسيحيين الاصوليين، والمعروفة بدعمها غير المحدود لإسرائيل .
قبل إعلان ترامب الاربعاء، أجرى البيت الأبيض اتصالين هاتفيين مع زعيمين مسيحيين لإبلاغهما بالقرار، أولهما حليف ترامب القوي رالف ريد مؤسس تحالف الحرية والإيمان، وثانيهما مايك إيفانس المسيحي الصهيوني.
بالنسبة لترامب كان يلعب لعبة مألوفة له؛ المقامرة… وهو يجيد لعب القمار ويتقن التمرد السياسي في تحدي مؤسسة السياسية الخارجية من نواحي دينية وعقائدية نيابة عن الذين انتخبوه.
سياسية – مال – دين – علاقات عامة
أعرب أدلسون والداعمون لإسرائيل عن إحباطهم وخيبة أملهم من تأخر إدارة ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولم يقبلوا بما كان يردده جيرد كوشنر من التروي قليلا لحين إرساء تحالفات قوية واستراتيجية مع الحلفاء العرب بالمنطقة.
بدأ أدلسون في تشرين الأول الماضي، يلح ويضغط على ترامب في هذه القضية، خلال مأدبة عشاء بالبيت الأبيض جمعت أيضا زوجته مريام، وصهر ترامب اليهودي كوشنر، والمستشار الاستراتيجي السابق لترامب، ستيف بانون. لم يترك أدلسون ترامب بعد انتخابه، وانتظم معه في لقاءات واتصالات هاتفية، وزيارات للبيت الأبيض، واستخدم نفوذه ودخوله على الرئيس في ملف نقل السفارة لكنه لم يكن العامل المؤثر الوحيد في قرار ترامب.
المسيحية الإنجيلية
وهم ممثلو جماعات الكنيسة الإنجيلية، التي ضغطت على ترامب خلال حملته وأوضحت ما لا يدع مجالا للشك ان نقل السفارة له الأولوية. نقلت نيويورك تايمز عن رئيس مجلس أبحاث العائلة توني بيركنز، خلال اجتماعه بترامب أن من وصفهم بالمؤمنين بالكتاب المقدس والإنجيليين يرون علاقة مميزة خاصة تربطهم مع اسرائيل.
نائب الرئيس مايك بنس
لعب نائب الرئيس مايك بنس دورا محوريا في الخطوة الأمريكية التي يدعمها بالكامل انطلاقا من قناعاته الدينية، باعتباره أحد أتباع الكنيسة الإنجيلية. العارفون بنائب الرئيس الأمريكي يقولون إن عدم اجتماعه بالرئيس الفلسطيني سيكون ثمنا صغيرا هو على استعداد أن يدفعه نظرا للقيمة التي يوليها اليمين الانجيلي للمدينة المقدسة.
أراد ترامب بهذه الخطوة أن يغازل المسيحيين الإنجيليين الذين صوتوا له بنسبة 81% في انتخابات 2016، وهي نسبة تفوق كثيرا نسبة الأصوات التي منحوها للرئيس الأسبق جورج دبليو بوش. للإنجيليين حضور قوي في حكومة ترامب ومايك بنس أحد هؤلاء. وهو ينتمي للتيار المسيحي المحافظ المتشدد حيث يرعى تنظيم دروس توراتية أسبوعية في البيت الأبيض.
وقد تبنى الرئيس الأمريكي أجندة اليمين المسيحي في عدة قضايا، كتعيين القضاة المحافظين ومعارضة الاجهاض وطريقة الاحتفال بعيد الميلاد. لكن أكثر هذه القضايا أهمية هي علاقة إسرائيل بالقدس. كما أن أهمية القدس بالنسبة للمحافظين الإنجيليين مستمدة من قراءاتهم للعهد القديم.
كمثال: سفر 17:8 يعِدُ اليهود بملكية الأرض المقدسة حيث يقول: ” سأمنحك وذريتك من بعدك ملكية دائمة لأرض كنعان كلها حيث تقيم الآن غريبا”.
وبالنسبة للأصوليين المسيحيين فإن القدس في قلب تحقق النبوءة التوراتية عند اقتراب الساعة، حين يصبح ما يسمونه “جبل الهيكل” في القدس تحت السيطرة اليهودية المسيحية. فهم يعتقدون أن إعادة بناء الهيكل الثالث والأخير مكان المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى وثالث الحرمين يحقق النبوءة التوراتية.
صهر الرئيس اليهودي جاريد كوشنير
يؤيد كوشنر، صهر ترامب، القرار، وقد أخذ على عاتقه مسؤولية قيادة الجهود، لدفع ترامب لإصدار المرسوم الخاص بالقدس على أمل ان يشكل صدمة قوية للفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي يؤدي لدفع عملية السلام للأمام، على طريق صفقة القرن بالاتفاق مع بعض القادة العرب، للتوصل لاتفاق سلام دائم ونهائي، مع التنكر الكامل لحل الدولتين وعودة اللاجئين وعودة إسرائيل الى خط الرابع من حزيران بما في ذلك مدينة القدس.
السفير الأمريكي في اسرائيل الصهيوني ديفيد فريدمان
يعرّف ترامب السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان بأنه: “صديق ومستشار منذ فترة طويلة”. مضيفاً: “علاقته الوثيقة بإسرائيل ستدعم مهمته الدبلوماسية في نقل السفارة الامريكية من تل أبيب الى القدس، وسيكون مكسبا رائعا لبلدنا بينما نعزز علاقاتنا مع حلفائنا ونكافح من أجل السلام في الشرق الأوسط”. فريدمان رجل الصهيونية العالمية المدافع عن يهودية الدولة العبرية والمناصر الاول للاستيطان في الاراضي الفلسطينية، والمشكك في حل الدولتين، يتطلع لممارسة عمله الدبلوماسي من السفارة الامريكية بالقدس ويباشر عمليات البناء بصورة فورية ويدشن السفارة كأول سفير امريكي عمل فيها.
بنيامين نتنياهو
الصورة أديلسون ونتنياهو مع زوجاتهما
من المعلوم ان رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو، ناصر مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، في الانتخابات الامريكية، وأوعز للوبي اليهودي ومنظمات الضغط بمناصرتها عبر صناديق الاقتراع، وقد كانت العلاقات سيئة مع ادارة حملة ترامب وتلقى ترامب نفسه الكثير من الاساءة على أنه ضد السامية ويتطلع لان يكون شموليا دكتاتورياً. بعد فوز ترامب، غيرت إسرائيل جلدها وعدوها ووقفت مع الاقوى وتقرّبت من ترامب.
التقى نتنياهو خلال الحملة الانتخابية فريق ترامب، خلُصَ اللقاء إلى أنّ الولايات المتحدة ستعترف بالقدس “عاصمة أبدية لدولة اسرائيل.
تلت اللقاءَ لقاءاتٌ مع ترامب، جرى خلالها اللعب على حبل المشاكل الداخلية والتحقيقات التي تلاحقه شخصياً، بتورطه بتلقي دعما انتخابيا روسيا ساعده على الفوز. لمواجهة ذلك رأى فريق ترامب أن أفضل الطرق للخروج من هذا المأزق وخطوة العزل، يكون بتعزيز التحالف مع الصهيونية العالمية ومنظمة ابياك وحكومة اسرائيل المتطرفة بقيادة اليميني المتطرف نتنياهو.
بناء على ما تقدم، أصدر الرئيس الامريكي دونالد ترامب مرسوم نقل السفارة الامريكية الى القدس وتسميتها العاصمة الأبدية لدولة الاحتلال والعدوان اسرائيل، بينما العرب نائمون غائبون غارقون في سباتٍ عميق.
الأرجنتين: الأستاذ عدنان نقول، إعلامي ومحلل سياسي. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 13.12.2017