ماذا حدثَ في المملكة الهاشمية. المهندس باسل علي الخطيب. 10.04.2021 إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات
هذه المقدمة تشرح لنا ما حصل في الأردن منذ عدة أيام. امتازت السياسة الأمريكية الخارجية في فترة الحرب الباردة بمركزيتها، فلم تكن هناك أجنحة مختلفة ضمن نظام الحكم الأمريكي لكل منها سياسته الخارجية الخاصة، سواء كان ذلك البيت الأبيض أو وزارة الخارجية أو البنتاغون. السبب في تلك المركزية وجود العدو الشيوعي الذي فرض في المقابل وجود سياسة موحدة تواجهه.
ينطبق هذا الأمر على الكيان الصهيوني حتى نهاية الثمانينات من القرن الماضي، أي فترة الحروب العربية الصهيونية، حيث كان لدى الكيان مركزية في صنع القرار، تجلى أحياناً في الإنتخابات التي يفوز بها حزب العمل بأغلبية مريحة. المرة الأولى التي نجح فيها الليكود في الانتخابات كانت في منتصف السبعينات. كُسِرتْ تلك المركزية عند الصهاينة مرة وحيدة في العدوان على لبنان 1982، عندما خالف شارون ما كان قد اتفق عليه مع رئيس وزراء العدو الصهيوني آنذاك مناحيم بيغن وسار بقواته إلى حدود حصار بيروت، وقد ذكر مناحيم بيغن ذلك في مذكراته.
مع بدايات التسعينات وتفكك الاتحاد السوفييتي وبدء مفاوضات السلام بين العرب وتل أبيب، خف الاهتمام بالقضايا الخارجية بحكم زوال الخطر الخارجي وصارت القضايا الأساسية في كافة الانتخابات في الولايات المتحدة أو في الكيان الصهيوني هي القضايا الداخلية، فتراجعت مركزية السياسة الخارجية، لذا صرنا نرى مع تقدم السنين و تغير الحكومات وصولاً إلى أيامنا هذه نوعاً من عدم الانسجام في السياسات الخارجية لكل من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ما بين رأس الحكم ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع.
عمّان. واشنطن. تل أبيب. الرياض. أبو ظبي
إدارة دونالد ترامب لم تكن تريد بقاء الملك عبد الله بن الحسين على كرسي الحكم. رحل ترامب وبقي له مؤيدون في البنتاغون على الأقل، هؤلاء يتفقون في هذا الهدف مع نتنياهو ومحمد بن سلمان. الأمير محمّد بن سلمان يريد الوصاية على المقدسات في القدس كجزء من صفقة القرن، وتبرير التطبيع القادم الذي تقودهُ الإمارات حالياً. نتنياهو يستعجل التطبيع مع السعودية كحبل نجاة من مشاكله الداخلية. صفقة القرن لم تسقط برحيل ترامب وكوشنر وتطبيقها مستمر بوتيرة متباينة. تل أبيب ترى في الأردن سهلاً جغرافياً ديموغرافياً يستوعب المزيد من الفلسطينيين.
بالمقابل تريد إدارة بايدن وبعض قادة المخابرات الأمريكية بقاء عبد الله حاكماً للأردن، من مبدأ أنها لا تريد مشاكلَ تزعزعُ استقرار المنطقة وتشغلها عن مواجهة الصين وروسيا في مناطق أخرى. عدا عن ذلك؛ دعم عبدالله الثاني نوع من الردّ السياسي على نتنياهو حليف ترامب ومحمد بن سلمان. هنا تتفق إدارة بايدن مع بعض أعضاء حكومة نتنياهو من حزب أبيض أزرق الذين يريدون لنتنياهو أن يزداد سقوطاً و أن لا يتوفر له أي حبل نجاة حتى ولو كان ذلك على حساب مصلحة الكيان.
الملاحظ أنّهُ خلال العقود الثلاثة الماضية انصبّ اهتمام الأحزاب والشخصيات الصهيونية بالدرجة الأولى على تحقيق مصالحهم الحزبية أو الشخصية في سياق التنافس الانتخابي، بينما تراجعت مصلحة الكيان الاستراتيجية إلى المرتبة الثانية، وهذه هي حالياً إحدى نقاط ضعف الكيان حيثُ فقد روح وعقلية الجيل المهاجر الأول التي كان هدفها إقامة الكيان مهما كانت التضحيات، عكس الأجيال التالية التي لم تعاصر فترة الحروب العربية الصهيونية والغير مستعدة للتضحية…
مَنْ أفشل انقلاب الأردن؟
مَن أفشل الانقلاب في الأردن هي المخابرات المركزية الأميركية مع بعض التدخل من الموساد الإسرائيلي، حيث أخبرت رئيس المخابرات الأردنية. الذي خطط للانقلاب هي الولايات المتحدة وهي نفسها التي أنقذتهُ! وهذا يؤكد تناقض المصالح والأهداف تبعاً للإدارة التي تحكم البيت الأبيض. شخصيات سياسية وأمنية من بعض الدول شاركت في التخطيط للانقلاب؛ من الإمارات. السعودية. إسرائيل. الولايات المتحدة. فلسطين. الروايات باتت متقاربة وما يجري على الأرض يؤكد الاتهامات الموجهة، وهذا كله للتسريع في تنفيذ صفقة القرن التي يُعرقلها الملك عبد الله الثاني بينما الأمير حمزة تكفّلَ بتسريعها في حال وصوله إلى الحكم.
ضمن صفقة القرن على الأردن أن يستوعب المزيد من الفلسطينيين كما تحدثنا عن ذلك في مركز فيريل للدراسات، راجعوا البحث.
المملكة الهاشمية لم تبلغ 100 عام بعد
ربما تكون صدفةً أنّ تتزامنَ الأحداث الأخيرة في الأردن مع الذكرى المئوية لنشوء المملكة الهاشمية ككيان وظيفي كالمشيخات الخليجية ولبنان. تشكيل كيان الأردن هو رشوةٌ من وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل عام 1920 لعبد الله بن الحسين الذي كان في طريقه لمساعدة أخيه فيصل في دمشق بعد أن عزله الفرنسيون. الأردن كما هو معروف، أنشئ في سياق تفتيت سوريا الكبرى وإضعافاً لدور دمشق المركزي من الناحية الجيوسياسية، وكحاجز جغرافي بين العراق والخليج من جهة وفلسطين من جهة أخرى، التي كانت مراحل إقامة دولة يهودية تسير بخطىً حثيثة.
كمثال؛ عمّان قرية قديمة سكنها الحثيون والآراميون والآشوريون ثم الرومان… في العصر الحديث حتى 1909 بقيت قرية تتبعُ إدارياً لمحافظة درعا. تأسست أول بلدية فيها عام 1909. 1914 أصبحت مركز ناحية. عام 1918 عدد سكانها 1800 نسمة فقط. 1921 بريطانيا تمنحُ عبد الله بن الحسين منطقة واسعة لإنشاء إمارة أسمتها إمارة شرقي الأردن وعاصمتها عمّان.
قامت العائلة المالكة في الأردن بدورها الوظيفي على أكمل وجه على مدى القرن الماضي في سياق رعاية وحراسة المخططات الغربية في المنطقة. المملكة الهاشمية لعبت دوراً سلبياً، وهو أبسطُ وصفٍ ديبلوماسي لما قام به الملك حسين.
نائب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق أهارون ليبران 12.02.2014: (العاهل الأردني الراحل الملك حسين وسكرتير الرئيس السادات أشرف مروان زوّدا تل أبيب بمعلومات حيوية وحاسمة حول استعدادات مصر وسوريا للحرب قبل اندلاعها فى عام 1973.).
صحيفة “يسرائيل هايوم”، الأربعاء 12 شباط 2014، والكلام على لسان ليبران:
(اجتمعتُ مع الملك حسين ورئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير فى 25 أيلول 1973. أبلغ حسين مائير بأن الجيش السوري وُضِع في حالة تأهب للحرب، حيث استخدمَ مصطلح “Prejump position”، كما حذرنا الملك حسين من نوايا سوريا ومصر الحربية ثلاث مرات على الأقل فى شهر مايو ويوليو وسبتمبر من عام 1973.). رئيس الموساد تسفي زامير، قام باطلاع الملك حسين على التطورات الميدانية… دخل حسين حرب 1973 بشكل ظاهري فقط وبالتنسيق مع تل أبيب، فأرسلَ لواء المدرعات 40 لمساعدة السوريين بعد 6 أيام من اندلاع الحرب، ثم لواء المدرعات 60 عندما أوشكت الحرب على الانتهاء.. والكلام نُشِرَ في شباط 2014.
دون شكّ كان للمملكة الهاشمية دور في الصراع العربي الصهيوني، وصولاً إلى عام 2011 حيث كانت ضمن الجبهات التي فُتِحت على سوريا خاصة في مساعدة ودعم إرهابيي النصرة وداعش في ريف درعا جنوباً تحت مُسمى الجيش الحرّ. رئيس الحكومة الأردنية السابق فايز الطراونة يعترفُ: (دعمنا الجيش الحر في درعا خشية وصول المتشددين إلى حدودنا، ولم ندعمهُ ليقاتل النظام السوري). في حديث لقناة العربية 10 نيسان 2021.
المملكة الهاشمية إلى أين؟
لن تسمح العقيدة الصهيونية بإقامة دولة فلسطينية أياً كانت وعلى أي جزء من أراضي فلسطين التاريخية، هذا أمرٌ لا يشكّ فيه عاقل. وجود كنتون فلسطيني صغير سيشكل خطراً دائماً على الدولة اليهودية فكيف بدولة فلسطينية؟ لهذا الواضح هو عملية كسب الوقت وإضعاف الخصم للوصول إلى الهدف النهائي وهو النقاء الديموغرافي الإسرائيلي، وهذا لا يكون في شهور وسنوات، بل بعشرات ومئات، والمتابع يُقارن بين فلسطين اليوم وقبل 73 عاماً…
الأردن يشكل تلك الجغرافيا التي يمكن أن تستقبل فائض الديموغرافيا من فلسطين، إعادة تدوير تلك الجغرافيا لتكون مستوعباً لتلك الملايين التي سيصار إلى ترحيلها من فلسطين. كثيرون يتحمسون ويثورون كما كانوا سيرمون اليهود في البحر، فإذ بهم مشتتون في بقاع الأرض. هذا السيناريو ليس من الخيال العلمي، فعندما ظهر وعد بلفور عام 1917 اعتبر الجميع أن تنفيذه ضرب من الجنون أو الخيال، قالوا: “فشروا” اليوم وبعد 104 أعوام مازالت “فشروا” تورّثُ وتوّرثُ…
الخناق يضيق على العائلة الحاكمة في الأردن، ودورها الوظيفي قد ينتهي فجأة إن لم يُحدثوا تجديداً يُثبتُ أهميتهم. هم يدركون ذلك، والصراع غير المسبوق الذي حصل مؤخراً ضمنها والذي لم تعرف تفاصيله بدقة لأنه ببساطة لم ينتهِ بعد، لكن خطوطه العريضة تتمثل بسعي أطراف هذه العائلة المختلفة إلى تقديم خدمات أكبر في سياق إطالة أمد دورها الوظيفي كلٌّ من وجهة نظره. الصراع ليس له علاقة بأية أجندات أردنية داخلية كالحالة المعيشية السيئة والبطالة وكورونا، العامل الحاسم خارجي بحت، يتمثل بصراع بين داعمي العائلة الهاشمية ورؤيتهم لدورها المستقبلي.
الملك عبد الله وقع تلك الاتفاقية العسكرية مع الولايات المتحدة الامريكية والتي تعطي القوات الأمريكية صلاحيات واسعة ضمن الأردن، هذا من جهة، من جهة أخرى تحركات الأمير حمزة واتصالاته بما في ذلك بوسيط للموساد، وهذا ما أكدته تقارير غربية، غطاء هذا التحرك وشماعته الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب في الأردن. كلٌّ يسعى لتقديم نفسه الأقوى شعبياً والأقدر على قيادة المملكة وتنفيذ المطلوب مقابل الدعم والحماية.
ما هو البديل عن العائلة الهاشمية إذاً؟
البديل هم الإخوان المسلمون. يمتلك الإخوان قاعدة شعبية واقتصادية قوية في الأردن، ولهم حضورهم وتأثيرهم الكبير. من نافلة القول أن الإسلام السياسي قدّم خدمات جليلة للمخططات الصهيونية والغربية التي استهدفت هذه المنطقة وصولاً إلى هذه الحرب التي شنت على سوريا، حيث كان لفكر الإسلام السياسي وكافة الحركات الأصولية والإرهابية التي انبثقت من صلبه، الدور الأساس في الخراب والتدمير والقتل. الأخطر كان هو إمكانية اختراق الإسلام السياسي ومعه الإخوان لحركة القومية العربية، كونهُ ألدّ أعداءها… وقد نجحوا باختراق العديد من الحركات والأحزاب القومية العربية وتشويهها كخطوة قبل تدمير الفكرة من أساسها.
وجود كيان إخواني على الحدود الجنوبية سيشكل خطراً داهماً وشاغلاً كبيراً لسوريا، وبالتالي يتحالفُ عدو من الشمال والجنوب والغرب… الفكر الإخواني قادرٌ دون شكّ على تسويق فكرة الكيان الفلسطيني البديل في الضفة الشرقية لنهر الأردن واستيعاب كل فائض الديموغرافية من فلسطين، فهل سنرى تمدداً أوسع لأذرعة الأخطبوط الإخواني جنوب سوريا بعد أن أنقذ بايدن، المُلهم الروحي لللإخوان وداعمهم الرئيسي، الملك عبد الله الثاني من مخططاتِ شقيقه؟ الأمور لم تحسم في الأردن وقد يكون مقبلاً على تطورات أخطر كافة عواملها موجودة… إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 10.04.2021