لا بديل عن قناة السويس. الدكتور جميل م. شاهين

لا بديل عن قناة السويس. الدكتور جميل م. شاهين. Firil Center For Studies FCFS Berlin 31.03.2021

عند الساعة السابعة وأربعين دقيقة من يوم 23 آذار 2021، جنحت سفينة شحن كبيرة كانت في طريقها من ميناء Tanjung Pelepas في ماليزيا إلى ميناء Rotterdam في هولندا، فأغلقت قناة السويس لأسبوع. هنا كثر الحديث ومعه النظريات والتحليلات حول الأسباب والبدائل عن أهم ممر مائي في العالم… إلى التفاصيل.

أسباب جنوح السفينة

معلوماتٌ مختصرة عن السفينة؛ طولها 399,94 متراً، عرضها 59 متراً، تملكها شركة Shoei Kisen Kaisha اليابانية، مؤجرة لشركة الشحن Evergreen Marine التايوانية، مُسجلة في بنما والإدارة التقنية للشركة الألمانية Bernhard Schulte Shipmanagement BSM.

دخلت الخدمة بتاريخ 25 أيلول 2018، أي سفينة حديثة مزودة بأفضل الأجهزة الإلكترونية وأنظمة الملاحة البحرية. منها Parallel Indexing Techniques وهي خاصية على رادار السفينة تسمح للملاح برسم مسار موازي لخط سير السفينة فتبتعد عن الاصطدام بالأجسام كالصخور. ونظام Piloting المستخدم لدى الإبحار في المياه الضحلة والقنوات المائية الضيقة، هنا تكون مهمة القبطان المراقبة والتأكد من خط سير السفينة وتصحيحه إن حدث خطأ ما نتيجة ظروف خارجية كالرياح مثلاً.

السبب المتداول والمُصرّح به رسمياً للجنوح هو الرياح القوية والتي وُصفتْ بالشديدة، وحسب تلكَ التصريحات وصلت سرعة الرياح إلى 50 كم/سا وهذه بأية حال ليست رياحاً شديدة بل نشطة!. لهذا ما نراهُ في مركز فيريل للدراسات أنّ الرياح ليست سبب جنوح Ever Given مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ ارتفاع السفينة مع حمولتها يتجاوز 40 متراً، مما يُشكل حائط صدّ بوجه الرياح وقد يحرفُ السفينة عن مسارها، لكن برياح سرعتها ضعف ما ذُكر.

بالعودة لساعة الجنوح وجدنا أن سرعة الرياح في الهبات كانت 47 كم/سا مع عاصفة رملية حدّت من مدى الرؤية. لو كانت الرياح تُشكّلُ خطراً على الإبحار، لتوجّبَ على المسؤولين منع دخول السفن إلى القناة ولأدرك القبطان ذلك. كما أنّ سفناً أخرى بحمولات كبيرة أيضاً عبرت القناة بنفس التوقيت ولم تشكو من الرياح أو العاصفة الرملية!.

هناك خطأ ما حدث. خطأ بشري من القبطان أو إلكتروني، تسبب في الحادثة. السؤال الأهم: هل هو خطأ مُتعمّد أم غير مُتعمّد؟ إن كان عن سبق إصرار؛ فما هي الأسباب والأهداف المستقبلية ومن هو الرابح والخاسر؟ بجميع الأحوال التحقيقات بدأت وملاحو السفينة محجوزون بداخلها، الشركة المالكة والمُستأجرة غير متعاونة مع المحققين، لهذا قد لا يُفصَحُ عن المتسبب الحقيقي ليتم التراضي بين الأطراف وتُحفظُ القضية ضد مجهول… بانتظار قضية أخرى يتمّ تضخيمها فتحجبُ الرؤية عما يجري في مناطق أخرى.  

إغلاقات قناة السويس

هذه ليست أول مرة تُغلقُ فيها قناة السويس ولن تكون الأخيرة، وهذا ما لم يسمع به كثيرون مِمن ذكروا أنها المرة الأولى كذباً أو جهلاً.

منذ افتتاحها عام 1869 أُوقفت الملاحة في قناة السويس عدة مرات. عِلماً أن فكرة شقّها تعود لعام 1874 قبل الميلاد في زمن الأسرة الفرعونية الثانية عشرة.

أمثلة للتذكير: عام 1882 عقب ثورة أحمد عرابي ضد الإنكليز، أُغلقت لثمانية أيام. في الحرب العالمية الأولى والثانية أُغلقت لمدة 76 يوماً.

بتاريخ 26 تموز 1956  أعلن الرئيس المصري جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس. ثارت ضدّهُ بريطانيا وفرنسا وإسرائيل فشنت عدواناً عسكرياً وأغلقت القناة 5 أشهر.

بتاريخ 5 حزيران 1967 أغلقت القناة بعد العدوان الإسرائيلي لمدة 8 سنوات…

كما تُغلق القناة وسطياً مرتين سنوياً لساعات أو أيام قليلة بسبب الصيانة أو الأحوال الجوية، أو لجنوح سفينة ما، أي أنّ جنوح السفن ضمن قناة السويس ليس أمراً نادراً.

عام 2004 ناقلة النفط Tropic Brilliance تصطدم بجانب القناة وتجنح وتغلقها لمدة ثلاثة أيام.

نبقى في العام 2004 وفي كانون الأول، ارتطمت حاملة النفط الكويتية (الصامدون) برصيف تسبب بتسرب بترول وتعطيل القناة لمدة يوم.

آذار 2010 ناقلة النفط Mire المملوكة لجمهورية ليبيريا غربي إفريقيا، تجنح وتصطدم بالرصيف.  

تشرين الأول 2017 السفينة OOCL Japan تجنح وتُعطل القناة عدة ساعات.

السنة الماضية، سفينة الحاويات Maersk Shams تتعطل وتُغلق القناة. بالإضافة لعدة مرات في الأعوام 2011 و2016…

الآن؛ أخذت عملية إغلاق القناة بسبب حادثة 23 آذار أبعاداً إعلامية مُضخمة جداً وغير مسبوقة أولها: وكالة “بلومبرغ” الأميركية (كم سيكلف إغلاق قناة السويس العالم مالياً؟)  ثم (كارثة حلّت بمصر) ثم (بدائل قناة السويس) لتنتهي عند (قناة بن غوريون)! شاهدوا الصورة.

بدائل قناة السويس

على الفور طُرِحت بدائلُ لقناة السويس، منها (قناة البحرين الميت والمتوسط). وهو مشروع تمّ التوقيع عليه في كانون الأول عام 2013 بين السلطة الفلسطينية والأردن وتل أبيب… موضوع في الأدراج حتى الآن ولم يُنجز من جزئه الأول وهو ربط البحر الأحمر بالبحر الميت سوى المخططات…  مع العِلم أنّ ربط البحر الميت بالمتوسط بقناة أمرٌ صعب جداً سنرى بعد قليل لماذا…

ممر القطب الشمالي

مشروع روسي بُدء العمل به ولا يحتاج لشق قنوات بل لكاسحات جليد. موسكو أعادت طرحه كبديل عن قناة السويس وروّج له الرئيس فلاديمير بوتين، وكذلك فعلت إيران للاستغناء عن قناة السويس. برأي مركز فيريل للدراسات؛ الطريق هذا والذي يربط شرقي آسيا بأوروبا أقصر من الذي يمر عبر قناة السويس، ونتيجة ارتفاع حرارة الأرض وذوبان الجليد ستُسهل حركة السفن على الأقل صيفاً. هذا ليس كلُّ شيء، انتظروا.

نيسان 2019. منتدى (حزام واحد- طريق واحد)، أعلن بوتين أن موسكو تدرس إمكانية وصل طريق بحر الشمال مع طريق الحرير البحري الصيني. أي طريق منافس يربط جنوب وجنوب شرق آسيا بأوروبا. قبل ذلك، حدثت بعض المعوقات غير المناخية كتنافس كندا وروسيا والنرويج والسويد على تطوير طرق عبر المحيط القطبي الشمالي، مع ظهور خلافات وتحرشات عسكرية.

الروس قالوا: سيكون هذا الممر الأهم خلال الثلاثين عاماً القادمة بعد ذوبان جليد القطب. إذاً؛ يتوقعون المزيد من الارتفاع على درجات الحرارة…

ماورد كلامٌ نظري بحت، والسؤال الأهم: ماذا يحدث في الشتاء وماذا لو استعادت الأرض عافيتها فعادت طبقات الجليد لتغطي هذا الممر صيفاً وشتاءً كما حدث في الشتاء الماضي؟ اليوم ونحن في آخر أيام آذار تُسجل بعض المناطق التي يُفترضُ أن تمر فيها السفن 31 درجة تحت الصفر، أي الطريق مغلق بسبب تراكم الجليد. فترة عمل هذا الطريق لن تتجاوز 5 أشهر في أفضل الأحوال، فماذا عن الـ7 أشهر الأخرى؟.

ضمن هذا المشروع (خط السكك الإيراني) الذي يربط بحر قزوين بالمتوسط عبر أذربيجان ثم جورجيا فتركيا. هذا الخط سينجح إذا بقيت هذه الدول ومعها روسيا على توافق سياسي دون نجاح الضغوط الغربية، هل هناك مَنْ يضمن ذلك؟

هناك عدة خطوط أخرى قيل أنها ستكون منافسة لقناة السويس، ولم ولن تكون. منها خط السكك تل أبيب إيلات الذي انتهى منذ عام 2017. خطوط أنابيب بين الخليج ولبنان أو العراق وتركياكلها أثّرت جزئياً لأنّ ناقلات النفط التي تعبر قناة السويس تحتل المرتبة الثالثة من حيث المدخول المالي وتشكل 21,8% فقط. فالبترول بجزئه الأكبر يتوجه من منابعه في الخليج نحو شرقي آسيا منذ بدء الاستغناء عنه لصالح بترول بحر الشمال وقزوين وحالياً لصالح الطاقة البديلة…  كما تحدثت وسائل إعلام عن خط دبي عسقلان بعد أن وقّعت أبو ظبي وتل أبيب اتفاقاً لنقل النفط من موانئ الإمارات إلى إيلات وعسقلان دون المرور بقناة السويس بتاريخ 31 كانون الثاني 2021…

معلومة صغيرة؛ لدى مصر خط أنابيب بترول “سوميد” بطول 320 كم. بطاقة 120 مليون طن خام سنوياً. هذا خط بديل إذا تعطلت قناة السويس لنقل النفط الخام بسعر أرخص يتم تشغيله عند الضرورة.

قناة بن غوريون الخيالية

مما رُوّج له بشكل مُفرط هو قناة بن غوريون “الخيالية” التي تربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط. المشروع هذا نُقلَ بطريقة النسخ واللصق دون تفكير سوى بنظرية المؤامرة التي تُفيدُ إسرائيل ولا تضرها…

ناقلو المشروع بمعظمهم من أعداء مصر داخلياً وخارجياً ويميلون أو يؤيدون الإخوان المسلمين من دول ووسائل إعلام أو مِن عاشقي نظرية المؤامرة… مما ورد في وسائل الإعلام الإسرائيلية: (المسافة بين إيلات والبحر المتوسط ليست بعيدة وتماثل تماماً المسافة التي أخذتها قناة السويس لوصل البحر الأحمر مع البحر الأبيض المتوسط) وهذا كذبٌ جغرافي سنوضحه لاحقاً بصورة أوسع، فالخط المستقيم يُظهرُ أن المسافة هي 147 كم في مصر، و 211 كم في النقب، فأين هو التماثل؟.

وسائل الإعلام العربية والعبرية والتركية اعتبرت شق هذه القناة بحكم المنتهي، فتحدثت عن إنشاء مدن صغيرة وفنادق ومطاعم ونوادي سهر ليلية من حولها!!. ركزوا على النوادي الليلية…

خبر التسريب لمذكرة سرية مزعومة نُسبَ لموقع  يدعى Business Insider. دعونا نقرأ خطة المشروع هذا: (درست الولايات المتحدة الأميركية مشروع  شق ممر مائي بديل لقناة السويس في إسرائيل من إيلات نحو البحر المتوسط بتفجير 520 قنبلة نووية عبر مساره بطول 160 ميلاً). الـ 160 ميلاً تعادل 259 كم أي أطول من قناة السويس 193 كم بـ66 كم فأين هو التماثُل الذي تحدثوا عنه؟.

بحثنا في هذا المشروع فوصلنا إلى استحالة تنفيذه على المدى المنظور، شاهدوا الصورة ففيها توضيح جغرافي. الممر المائي يبدأ من إيلات أي من مستوى سطح البحر بارتفاع تضاريسي سريع يصل إلى 90 متراً بعد أقل من كيلومتر واحد حسب خط السير. الارتفاعات التي يجب أن يمر بها أو بينها هذا المشروع الخيالي تصل إلى 900 متر، وفي أخفض النقاط بينها إلى 380 متراً. هل تخيلتم إمكانية شق قناة دون مستوى البحر في مناطق صخرية ترتفع 900 متر؟! الحل الوحيد هو حفر نفق مائي بعرض 200 متر وارتفاع 100 متر… بالمناسبة؛ تكلفة الكيلومتر الواحد تبدأ من 450 مليون دولار على الأقل ويحتاج لسنة من العمل، على مَن يتبنى هذا المشروع أن يحسب التكلفة والزمن ويسأل النرويج.  

دعونا نتخيّل قليلاً؛ على فرض أنّ تفجير 520 قنبلة نووية كما يُزعَم، سيشق هذا الممر دون أية أضرار جيولوجية أو انتقالات شعاعية. كم يحتاج من الوقت ترحيلُ الصخور والأتربة الناجمة عن التفجير؟ عرض القناة يجب أن يكون 200 متر بجدران جانبية مائلة أقل من 40 درجة لمنع انهيارات صخرية تسد القناة. فتح مناطق أوسع بعرض مئات الأمتار كبحيرات. بناء نقاط مراقبة وتوجيه وإنقاذ ومدن واستراحات ونوادي ليلية للسهر… كم مائة مليار سيكلف هذا المشروع يا تُرى؟ إذا كانت إيرادات قناة السويس وسطياً 5 مليار دولار سنوياً، هل إسرائيل غبية إلى هذا الحد كي تقوم بهكذا مشروع خاسر يحتاج لعشرات السنين كي يبدأ بالربح؟!!

ويبقى النقل البحري الأهم عالمياً

يبقى النقل البحري هو الأكبر من كافة الطرق الأخرى. كفكرة بسيطة، ما تنقلهُ السفينة  Ever Given يتجاوز 20 ألف حاوية يحتاج 70 قطار شحن  أو 1200 طائرة شحن عملاقة أو 13 ألف شاحنة. يُلخّصُ هذا طرق النقل وترتيبها والمنافس الصغير للطريق البحري هي سكك الحديد.

مَن المستفيد إذاً من حادثة قناة السويس؟

تقعُ حادثة ما، كفيروس كورونا مثلاً، فتستغلها جهات أو دول أو شركات لتحقق مكاسب. هذا ما حصل. المستفيد لفترة قصيرة من إغلاق قناة السويس هي شركات الشحن التي زادت أرباحها خلال أسبوع الإغلاق 400%. الدول المصدرة للبترول وشركات شحنه التي ضاعفت أجرتها فارتفعت أسعاره في الأسواق العالمية فور بث خبر جنوح السفينة 3% ونشر شائعات إغلاق القناة لأسابيع. ثم 5% رغم إجراءات الحجر بسبب موجة كورونا الثالثة.

الخاسر هي الشركات التي واجهت تأخيراً في شحن المواد الأولية أو المُصنّعة في شرقي آسيا، ومنها شركات أميركية وأوروبية عملاقة. شركات التأمين عن تأخر البضائع. خسائر شركة التأمين البحري للشركة اليابانية المالكة والتي ستدفع للسفن المتأخرة وستدفع لمصر أيضاً، أي مصر لن تخسر مادياً من إغلاق القناة كما يقول “مُحلّلون كبار”.

هنا نجد أن الرابحين والخاسرين من كافة الأطراف والدول لكن بنسبٍ متفاوتة.

هل نجحت مصر؟

كغيرها من الدول والشعوب، واجهت الحكومة والقيادة المصرية انتقاداتٍ وصلت حدّ السخرية. منها السخرية من المعدات المستخدمة وظهور صورة لحفارة وحيدة. وحتى عندما حُرّرت السفينة، عُزي الأمر لسفينة السحب الهولندية…

الإعلام المصري صمتَ في البداية تاركاً الإعلام المعادي يسرح ويمرح، ثم عاد ليُدافعَ ويُهاجم… حسب ما وردنا وتأكدنا منهُ في مركز فيريل للدراسات يمكننا القول: نجحت مصر وهيئة قناة السويس في تحرير السفينة بمساعدة هولندية. كانت هناك ثلاث حفّارات مصرية تعمل 24 ساعة، وليست حفّارة واحدة صغيرة سخر منها الجالسون وراء الشاشات وكلّ أصبحَ خبيراً بحرياً، الحفّارات هذه حررت مُقدمة السفينة من 20 ألف طن من الرمال، وهذا ساعد سفينة السحب “قاطرة السحب” الهولندية وغيرها من سفن السحب على عملها. الطريقة هذه هي المُثلى والأسرع. سيُنسى ما حدث وتطوى الصفحة بانتظار حادثة أخرى يتمّ استغلالها إلى أقصى الحدود… وما على المصريين سوى الحذر. الدكتور جميل م. شاهين. مركز فيريل للدراسات. 31.03.2021