مع ارتكاب أول مجزرة بحق عناصر فرع أمن جسر الشغور في تموز 2011، ثم سيطرة عدة فصائل مسلحة إرهابية بالتناوب على محافظة إدلب، بدأت تركيا الإعداد لتحويل المحافظة إلى أرض تابعة لها تمهيداً لضمّها مستقبلاً.
أسماء وأسماء والقالب هو تنظيم القاعدة
ظهرت عشرات التنظيمات المسلحة في محافظة إدلب بدعم عسكري ولوجستي من تركيا والولايات المتحدة الأميركية بالدرجة الأولى، وتدفق آلاف الإرهابيين الأجانب عبر الحدود وبمساعدة وإشراف تركي، فظهر الجيش الحرّ ثم جبهة النصرة والحزب التركستاني الإسلامي الموالي لتنظيم القاعدة والذي يضمّ إرهابيي الأيغور الصينيين، وحرّاس الدّين وحركة أحرار الشام وحركة نور الدين الزنكي وجيش الأحرار وفيلق الشام وجيش العزة وتنظيم داعش وجيش الإخوان المسلمين… صراع بين هذه التنظيمات بدأ منذ اللحظة الأولى ومازال مستمراً. فرغم سيطرة جبهة النصرة باسمها الجديد “هيئة تحرير الشام” على جزء واسع من المحافظة، انشق عنها “جيش البادية” و”جيش الملاحم” وهما فصيلان صغيران في كانون الأول 2017. ومهما تبدّلت الأسماء فهي تنظيمات إرهابية جهادية تعتمد فِكر القاعدة.
وقف إطلاق النار
مع وقف إطلاق النار 06 آذار 2020، بين التنظيمات الإرهابية والجيش التركي من جهة، والجيش السوري من جهة ثانية. بدأت أنقرة بتعزيز تواجدها في المحافظة مع عملية “تتريك” واضحة كان أولها التعامل بالليرة التركية وتغيير أسماء المناطق ورفع العلم التركي، وإمداد جيشها بمزيد من التعزيزات، كان آخرها قبل أيام بدخول 20 شاحنة محملة بكتل إسمنتية لحماية نقاطها العسكرية.
عدة هجمات حدثت ضدّ الجيش التركي كان آخرها بتاريخ 10 أيار 2021 قامت به “سرّية أنصار أبي بكر الصديق“، وهي جماعة جهادية، رداً على قتل الجيش التركي لطفلة دهساً في إدلب، وذلك بتفجير عبوة ناسفة في باب الهوى مما أدى لمصرع ضابط وجرح ثلاثة جنود.
تعويم جبهة النصرة
مهما حاولوا استخدام أسماء أخرى، هي جبهة النصرة الإرهابية فرع القاعدة. جبهة النصرة هذه تسيطر على حوالي 3 آلاف كم مربع، لديها مؤسسات مؤسسات مدنية بواجهة شكلية تُسمى (حكومة الإنقاذ) مقرها تركيا. وكذلك أجهزة أمنية وقضائية تُطبّقُ الشريعة الإسلامية على 3 ملايين سوري يعيشون في إدلب. تفرضُ الضرائب وتجني الأموال من حركة التجارة مع تركيا، كما تستلم توزيع المساعدات الإنسانية القادمة من أوروبا والولايات المتحدة، أي تتعامل هذه الدول التي تُطالبُ بالديموقراطية مع تنظيم إرهابي علناً. هذا التعامل سيتحول لتعاون مع جبهة النصرة تمهيداً لتعويمها…
مجلس عسكري بقيادة تنظيم القاعدة!
بعد فشلِ أنقرة في تعويم جيش الإخوان المسلمين على حساب جبهة النصرة، وجدت نفسها مضطرةً لتسليم قيادة هذا الجيش إلى تنظيم القاعدة أي جبهة النصرة، ومنذ أيلول 2020 بدأت المخابرات التركية بالتنسيق مع النصرة لإعادة هيكلية التنظيمات المسلحة وتشكيل “المجلس العسكري الموحد”.
مصطفى سيجري رئيس المكتب السياسي في جيش الإخوان المسلمين لـ “قناة الحرة” الأميركية: (تأتي فكرة تشكيل المجلس العسكري الموحد كخطوة بهدف توحيد الجهود العسكرية وإنهاء الحالة الفصائلية بشكل كامل، بمعنى أن يكون المجلس مظلة جامعة لكل القوى من حملة السلاح في إدلب وما حوله، وسيتم إبعاد الشخصيات والمجموعات المصنفة على قوائم الإرهاب الدولية)…
يدّعي سيجري الذي يُمثلُ تركيا فعلياً؛ سيتم إبعاد المصنفين على قوائم الإرهاب، كيف وهم عِمادُ التنظيمات كافة؟ والدليل من تصريحاته لنفس القناة: (يقوم قوام المجلس على تشكيل ألوية من جميع الفصائل، بينها جبهة النصرة، بتشكيل 10 ألوية من جبهة النصرة، 10 ألوية من فصيل فيلق الشام، 5 ألوية من حركة أحرار الشام، لواء من جيش الأحرار، لواء من فصيل صقور الشام).
بجملة واحدة؛ المجلس العسكري الموحد هو مزيج من تنظيم القاعدة والإخوان المسلمين.
إعادة تدوير أبو محمد الجولاني
إعادة تدوير جبهة النصرة بطريقة السيطرة الكاملة على المجلس العسكري الموحد، ستكون مظلة لسحب صفة الإرهاب عنها سواء بقيت تحت زعامة أبو محمد الجولاني أو باختيار زعيم جديد، باغتيال الجولاني أو الضغط عليه للتنحي عن طريق المظاهرات المناوئة لجبهة النصرة، وكان آخرها الجمعة 25 كانون الأول 2020 عندما خرج سكان إدلب مطالبين بالكشف عن مصير مئات المعتقلين في سجون يديرها التنظيم الإرهابي.
حكومة الإنقاذ التابعة لتنظيم جبهة النصرة الإرهابي صرّحت بنيّتها فتح كلية حربية في إدلب، لتخريج كوادر عسكرية من مختلف الاختصاصات والرتب. الكلية الحربية هذه انتهت من بنائها وستكون بإدارة جبهة النصرة تحت أسماء أخرى.
حسب سكاي نيوز البريطانية، وننقل لكم ما تقوله وسائل إعلام معادية لسوريا وعلى لسان الصحفي سرتيب جوهر: (هذا تطور خطير وينم عن تنامي الاستثمار التركي في تنظيم القاعدة، عبر فرعه السوري ما تسمى هيئة تحرير الشام، والتي تحكم مناطق إدلب غير الخاضعة لسلطة دمشق، بتنسيق كامل مع أنقرة. مشروع الكلية الحربية هذا سيعتمد على المدربين والضباط الأتراك، والذين قد يساعدهم بعض الضباط والعسكريين، من المنشقين عن الجيش السوري والملتحقين بالجماعات التكفيرية المتشددة).
حسب معلومات مركز فيريل للدراسات: (بدأت عملية قبول المنتسبين لهذه الكلية في مراكز تجنيد في المناطق التي تحتلها تركيا وجبهة النصرة؛ مدينة إدلب. أريحا. سرمدا. جسر الشغور. حارم. أطما. سرمدا).
اجتماع أردوغان بايدن المصيري
المصاعب التي يواجهها أردوغان تزداد يوماً بعد يوم بما في ذلك فضائح رجل المافيا التركي سادات بكر وعلاقاته بنظام أردوغان. ضمن محاولات إنقاذ حزب العدالة والتنمية وزعيمه، يأتي اجتماع أردوغان بالرئيس الأميركي جو بايدن. جو بايدن سيتحدث وعلى أردوغان المتفائل بالاجتماع كما قال، أن يصمت ويُنفّذ فقط. اجتماع الناتو سيكون في 14 حزيران يتلوه اجتماع بوتين مع بايدن في 16 حزيران…
ماذا يحملُ بايدن في جعبته غير الحديث المُستهلك عن حقوق الإنسان؟ سنرى مدى خبثهِ وقدرته على دق إسفين بين تركيا وروسيا وربما إيران. إسفين صنعهُ أردوغان وسيقدمهُ لجو في بروكسل، هو إسفين بالمعنى الديبلوماسي وخازوق بالعثماني…
أين سوريا مما يجري؟
دونالد ترامب: (باراك أوباما وشريكته هيلاري كلينتون مؤسس” تنظيم “الدولة الإسلامية”) 11 آب 2016. الحملة الإنتخابية. فورت لودرديل. فلوريدا.
فماذا سيؤسس جو بايدن ورجب أردوغان؟
كلّ ما يحدث هو على أرضٍ سورية مُحتلة وبضمانة ما يُسمى حلفاء. الاحتلال والتتريك وتأسيس كلية حربية لتخريج عناصر من تنظيم القاعدة يجري ضمن مناطق خفض التصعيد التي حُدّدتْ بموجب اتفاقات بين روسيا وتركيا وإيران في إطار محادثات أستانا… أين هم الضامنون؟
أردوغان الأربعاء الماضي: (اجتماعي مع بايدن سوف يُبشر بحقبة جديدة في علاقات البلدين وتعاون على نطاق واسع، بدءاً من سوريا وحتى ليبيا، إضافة إلى مكافحة الإرهاب والطاقة والتجارة والاستثمارات). حقبة جديدة واستثمارات وطاقة… على حساب مَنْ؟.
في نهاية المطاف وحسب رأي مركز فيريل للدراسات؛ لا حلّ في إدلب والشمال السوري إلا الحلّ العسكري أو على الأقل التلويح بالعصى، الوقت لصالح الاحتلال دون شكّ. هل يحتاج الأمر لتبريرات؟! حسناً التبرير اليوم واضح: تحويل إدلب إلى طورا بورا تُخرّجُ إرهابيين ليس لسوريا وحسب، بل لكافة دول العالم بما في ذلك إيران وروسيا الصامتتين… فلِمَ الانتظار وتمرير الوقت؟ تجربة شمال قبرص هي الأحدث ومَنْ لا يتعلّم منها… لم يسمع بعد بقصة 5 حزيران… الدكتور جميل م. شاهين. مركز فيريل للدراسات. 31.05.2021