أيردوغان ليس غبيّاً، الأتراك هم الأغبياء. د. جميل م. شاهين

 هذه المعمعة الضخمة والبروباغندا الإعلامية الكبيرة، من فتح النار على الديموقراطية الأوروبية، وقطع العلاقات مع هولندا، وتردي العلاقات مع سبع دول أوروبية، ومنع مسؤولي نظامه الفاشي من دخول عدة دول، إلى طرد وزيرته المصون ثم مهاجمة الكلاب لأتباعه… كل هذا كان لصالح أيردوغان ولصالح خطته، تلك الخطة التي بالتأكيد لم يضعها شخص محدود القدرات العقلية مثله، صحيح أنّ أيردوغان ليس غبياً، لكن فحص IQ وحسب معلوماتنا، يضعهُ بمرتبة متوسطة من ناحية الذكاء، تؤكد أنه لا يمكن أن يكون هو المخطط لأيّ سياسة قام بها.

أيردوغان ومما لا شك فيه أنّهُ مريض نفسي بداء العظمة والكذب وانحلال الأخلاق، وهو شخص حالم بعودة أمجاد الخلافة العثمانية الهمجية، وأن يكون سلطان زمانه… أحلامهُ لا تقف هنا بل تتعداها إلى تحطيم أسوار فيينا عاصمة النمسا، التي دُحر عليها أجداده وعلى رأسهم السفاح قره مصطفى باشا عام 1683، فيصبحُ أعظم سفاحي العثمانيين، حتى الآن؛ فشل أيردوغان بتحقيق هذا الهدف.

أدركَ الأوروبيون وبشكل متأخر أنّ الغزو هذه المرة قادم بلبوسٍ آخر، والفضل يعود للجناح اليميني الذي يسميه كثيرون بالمتطرف، وهو في الحقيقة “جناح أوروبي قومي” يُحب بلاده ويعتز بها. نتيجة ذلك، بدأت الأحزاب القومية بالنمو السريع، بينما مرض الشرق الذي يصيب مئات الملايين، فيتهمون القوميين الغربيين بمعاداة اللاجئين والأجانب والإسلام!! وكأن الدول العربية والإسلامية تفتحُ صالوناتها لاستقبال اللاجئين من أصقاع الأرض، والسعودية تسمحُ للمسيحيين ببناء الكنائس وبحملات التبشير… لم تستقبل دول الخليج العربي كافة لاجئاً سورياً واحداً، في حين وتسمون استقبلت ألمانيا مليون لاجئ سوري، ويسمونها… نازية، إنها البارانويا بعينها!

الأمور، ورغم سوء علاقات تركيا مع معظم الدول الأوروبية، وانعكاس ذلك اقتصادياً عليها، تركيا التي تعاني أصلاً من مشاكل اقتصادية، تسير لصالح أيردوغان. والذي يقف وراء ما يقوم به النظام التركي هو الأدهى، على فرض أنه تركي وليست مخابرات دولة عظمى… لقد ظهر جلياً أنّ فرنسا تصطفُ بجانب تركيا، وقد سمحت بالتجمعات الانتخابية لوزراء النظام التركي فوق أرضها، الاصطفاف الفرنسي أمر تاريخي منذ كانت دولة استعمارية، حيثُ تحالفت مع تركيا ضد دول الشرق الأوسط وضد انكلترة، وقدمت لواء اسكندرون هدية لتركيا وهو أحد الدلائل التي لا تُنسى. إذاً؛ هناك شرخ يكبر ضمن الاتحاد الأوروبي المهلهل، تشجعهُ وتدعمه أيضاً الولايات المتحدة الأميركية.

استطلاعات الرأي التي أجراها مركز فيريل للدراسات، بين صفوف الجالية التركية في ألمانيا، أثبتت زيادة شعبية أردوغان، حتى ضمن الأحزاب المعارضة، والتفوا حول قائدهم البطل الهمام أيردوغان. وهذا يؤكد أنّ هذا الشعب ليس أكثر من قطيع.

التعديلات الدستورية في تركيا، التي تعتبرُ نفسها بلداً ديموقراطياً ولمن لا يعرف، ستمنح الرئيس سلطة حل البرلمان لأي سبب كان، وهذا أمر مرفوض تماماً في الأنظمة الرئاسية الديمقراطية .أيضاً ستمكّن الرئيس من إصدار مراسيم وإعلان حالة الطوارئ وتعيين وزراء وكبار مسؤولي الدولة، فتصبح السلطة التنفيذية كاملة بيده. أي يمكن لأيردوغان أن ينام ثم يصحو، فيقيل الوزارة والبرلمان وقادة الجيش والمخابرات، ويعلن الطوارئ أو الحرب على دولة ما، ويسجن المسؤول فلان، وفق معايير خاصة به أو تبعاً لمزاجه.

نسي الشعبُ التركي التعديلاتِ الدستورية الديكتاتورية، والتي تجعل من أردوغان أسوأ من أي سلطان عثماني بربري سابق. كان يعارض هذه التعديلات أكثر من 61% منهم، الآن وبعد هذه البروباغندا لم يعودوا يتذكروا سوى عدائهم التاريخي الديني لأوروبا. أليست هذه قمة الخداع من نظام أيردوغان، وقمة الغباء من الأتراك؟!

نسي الأتراك التعديلات الدستورية الديكتاتورية، وتذكروا عداءهم الديني لأوروبا، أليست هذه قمة التطرف والغباء؟

أيردوغان وحسب استطلاعات مركز فيريل، إن جرى التصويت اليوم، سيربحُ معركتهُ الانتخابية، وهذا ليس بفضل ذكائه بل بفضل غباء الشعب التركي الذي لا يستحقُ أفضل من هكذا مريض نفسي زعيماً له. الانتخابات قادمة بعد شهر تماماً، وبعدها ستنتهي مشاكل أردوغان مع أوروبا، لتعود المياه إلى مجاريها. وخلال هذا الشهر سيبدأ التراجع التركي، ثم الاعتذار، وأيردوغان ملكٌ بفنّ الاعتذار واللحمسة، وكما نقول بالعامية: “حلس.. ملس.. إلخ…”. بعد شهر سنحكم إن كان نصف الشعب التركي جدير بأن يكون شعباً يستحق الديموقراطية، أم مازال قطيعاً يحنّ لأيام سلاطين الحريم؟

الكاتب الدكتور جميل م. شاهين 16.03.2017

مركز فيريل للدراسات ـ برلين