الأكراد والأتراك يشعلون حرباً أهلية في ألمانيا. د. جميل م. شاهين

تحذير من أعلى مسؤول أمني ألماني من انهيار البلاد في حرب أهلية بين الأكراد والأتراك، صدر على لسان رئيس المخابرات الألمانية  Hans-Georg Maaßen، الذي حذر الطرفين من الانجرار وراء التحريضات الخارجية. يأتي هذا التحذير وقد وصلت العلاقات الألمانية التركية إلى أدنى مستوى لها منذ عقود، عقب ما أسمته الصحافة إهانة ألمانيا. ألمانيا القوية أُهينت على يد حكام أنقرة، لكن هولندا الدولة الصغيرة عرفت كيف ترد على تركيا، بسبب خبرتها الطويلة ولأنها الأشهر عالمياً بتربية الأبقار…

كانت الأمور قد تدهورت العام الفائت في ميونيخ بولاية بايرن خلال الاحتفالات بعيد الفصح، بين أنصار حزب العمال الكردستاني والقوميين الأتراك، حيث حدثت اشتباكات في الشوارع بين الطرفين، بالحجارة والألعاب النارية، وسقط عدد من الجرحى، لكن الشرطة الألمانية تمكنت من ضبط الأمن بسرعة.




الأمور الآن أكثر توتراً والتحريض من قبل أردوغان ونظامه أعلى، لهذا تعالت أصوات رسمية تنذرُ من أنّ أردوغان هذا هو الذي جلب الإرهاب والحرب إلى ألمانيا. فقد قال Guido Grandt: “أردوغان جلب إلينا الإرهاب”. وأضاف: “لقد نقل الصراع بين الأتراك والأكراد من بلاده إلينا، فأصبحت ألمانيا نسخة طبق الأصل عن تركيا.”

زاد تقرير الأمم المتحدة حول الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي تقوم بها تركيا ضد الأكراد، من غليان الوسط الكردي وهيجانه، لتأتي حملة أردوغان الانتخابية في أوروبا عامة وألمانيا خاصة، لتصب الزيت على النار، وتشعل فتيلاً تحاول السلطات الألمانية قطعه وليس فقط اطفاءه، لكن دون جدوى، تجلى ذلك بمنع تجمعات الأتراك المؤيدين لأردوغان، وهذا ما فعلته ست دول، لمنع أيّ احتكاك، فالفريقان الكردي والتركي نقلا خلافاتهما إلى المجتمع الألماني ويعيشون حالة الكره المتبادل نفسها التي يعيشونها في تركيا.

انقسام المجتمع الألماني

كان مدير المخابرات المركزية الأميركية Michael Hayden قد حذر من حرب أهلية في أوروبا، في حديث له مع “واشنطن بوست”، وتوقع أن تشمل كافة الدول التي تستقبل لاجئين إسلاميين، كما قال في محاضرة بجامعة كنساس في 13 تشرين الثاني الماضي، ورشح ألمانيا لتكون الحرب الأهلية فيها الأكثر دموية… 

اقرأ أيضاً

مركز فيريل للدراسات يُحذّر من حرب أهلية في ألمانيا! د. جميل م. شاهين Firil Center warnt vor einem Bürgerkrieg in Deutschland

سبق وحذرنا في مركز فيريل للدراسات في برلين، من حرب أهلية في ألمانيا، كما في الرابط السابق، وفي دراسة ميدانية أجراها المركز وجدنا أنّ المجتمع الألماني فعلاً انقسم لأربعة مجموعات رئيسية، والوضع لا يمكن وصفه بالطبيعي، والذي يسير في شوارع المدن الرئيسية ويدخل مناطق يقطنها أتراك أو أكراد أو عرب، يرى التوتر الحاصل، وكثافة الإجراءات الأمنية غير المسبوقة في ألمانيا… وكأن الجميع ينتظرون “ساعة الصفر”…

فريق تركي يشكل 6% من المجتمع الألماني:

يضم الأتراك كافة يتزعمهم القوميون ولا فرق بين أردوغاني أو أتاتوركي أو جمهوري كل الأتراك اتحدوا فجأة، وينخرط فيه أعضاء من “منظمة الذئاب الرمادية”، وتنظيم “عثمانيون في ألمانيا” /الصورة/ والذي يضم لوحده 3500 ما يمكن اعتبارهُ مقاتل شوارع معظمهم مسلحون، وهنا يتحد الأتراك من حزب العدالة والتنمية من مؤيدين ومعارضين لأردوغان ضد عدو واحد هم “الأكراد”. هذا ما قاله لمركز فيريل أحد أعضاء الحزب الجمهوري التركي المعارض:

“عندما يتعلق الأمر بالأكراد، فكافة الأتراك متحدون ضدهم”.

يؤيد هذا الفريق كافة الأحزاب والتنظيمات الإرهابية الإسلامية العربية، بما في ذلك الإخوان المسلمين، جبهة النصرة، القاعدة، داعش، ويضم العرب المتعطشين لعودة الاحتلال العثماني لبلادهم وما أكثرهم “الخلافة العثمانية”، ويضم هؤلاء قسماً كبيراً من اللاجئين الإسلاميين ومنهم آلاف السوريين، وهنا تكمن الخطورة، فبينهم آلاف الإرهابيين الذين قاتلوا في سوريا، وخبروا معنى سفك الدماء، ويعتبرون أردوغان من مرتبة الأنبياء!!

شعبية هذا الفريق منحدرة جداً بين الألمان، ويقدر مركز فيريل هذا التيار بنحو 5 ملايين ويتضمن هذا العدد كلا الجنسين ومن كافة الأعمار، بينهم 200 ألف شاب يمكن أن يشكلوا خطراً إذا اندلعت المواجهات. الجدير ذكرهُ أن تنظيم الإخوان المسلمين والتي ترعاه ألمانيا، يشكل أحد أذرع الفريق التركي الضاربة ضد السلطات الألمانية، هذا التنظيم الذي استقبلته ألمانيا بالأحضان منذ 35 عاماً من سوريا، بالإضافة لرعاية ودعم المعارضة السورية المسلحة، ألمانيا تجني ثمار هذا “الاحتضان” الآن.

فريق الأكراد ويشكل 3% من المجتمع الألماني

يضم الأكراد وبعض مؤيديهم من الألمان، ويحظون بتعاطف السلطات الألمانية الرسمية غير المعلن، وتأييد من الجمعيات الإنسانية وحقوق الإنسان. ويضم أحزاباً كردية رئيسية منها: حزب العمال الكردستاني، وحزب الوحدة الديموقراطي يكيتي، الحزب الديموقراطي، تيار المستقبل الكردي، الحزب الوطني الكردي وغيرها. صحيح أنّ حزب العمال الكردستاني حزبٌ محظور ومصنف إرهابياً في ألمانيا، لكن يبدو أنّ هناك توجيهات ما بالتغاضي عن نشاطاته السلمية حالياً تبعاً لسوء العلاقات مع أنقرة. ويقدر مركز فيريل عدد هذا الفريق بنحو 3 ملايين. ويتضمن هذا العدد كلا الجنسين ومن كافة الأعمار، بينهم 100 ألف شاب يمكن أن يشكلوا خطراً إذا اندلعت المواجهات.

فريق ألماني قومي يشكل 19%

يُسمى خطأ “النازيون”، فكل قومي ألماني هو نازي بعرف أعداء ألمانيا، هذا التيار هو الأكثر نمواً والأقوى على الأرض، رغم أنه لا يتجاوز حالياً 19% من الألمان، لكنهم مستعدون للدفاع عن أرضهم حتى الموت، وكإحصاء يبلغ تعدادهم 15 مليون ألماني، بينهم على الأقل 1 مليون يشكلون قوة فاعلة ضد مَنْ يعتبرونهم أعداء ألمانيا. وقد شهد هذا الفريق نمواً سريعاً منذ بدء سوء العلاقات مع تركيا، وهو يكنّ العداء للأتراك، لكنه في الوقت ذاته لا يكنّ الودّ للأكراد.

فريق ألماني مسالم ويشكلون 72% من المجتمع الألماني

فريق يكره الحروب، ويعشق السلام والهدوء و… الحضارة وسماع الموسيقى…. عندما توجهنا لبعضهم بالسؤال عن التوتر بين الأكراد والأتراك، كانت إجاباتهم بسيطة: “الأرض واسعة، لماذا لا يستطيعون أن يعيشوا سوية بدون قتال.!”. ولا حول ولا قوة إلا بالله…

 

في إحصاء أجراهُ مركز فيريل، وجدنا ضمن عينة من مختلف شرائح المجتمع الألماني، أنّ نسبة كره تركيا قد ارتفعت كثيراً لتصل إلى 54%، بينما كانت 16% قبل سنة واحدة فقط. وقد أكد كثيرون أنهم ألغوا خططاً للسياحة فيها، بعد أن كانت تركيا واحدة من أفضل مناطق السياحة المحببة للشعب الألماني.

تُعتبر ولاية شمال الراين فيستفاليا من أخطر المناطق في ألمانيا، في حالة اندلاع أعمال العنف، كونها تضم أكثر الجاليات التركية والكردية والعربية، وتعتبر المدن التالية الأشد خطورة: إيسن، دورتموند، كولن، آخن. كما أن باقي المدن الرئيسية لن تكون في مأمن: هامبورغ، برلين، بريمن، ميونيخ…

اللعبة التي يقوم بها زعماء أوروبا وتركيا لعبة سياسية، لكسب أصوات الناخبين والبقاء فوق كراسيهم، وقد تعود العلاقات بين هذه الدول طبيعية، مع انتهاء الانتخابات، واعتذار أردوغان الخبير بالاعتذارات… لكن الذي لا يعود هو التوتر والحقد والكراهية بين الشعوب، وانهيار الأوضاع الأمنية بين الأتراك والأكراد ممكن بكل لحظة.




القادم غامض في ألمانيا، ولا يمكن التنبؤ به، فالصراع العرقي والديني ممزوج بتخلف وهمجية قسم كبير من سكان الشرق الأوسط، نقلهُ أصحابه معهم إلى أوروبا، وما جرى في ســـوريا بأيدٍ غربيــة وعُربانيــة وعثمانيــة، تجني ثماره ألمانيا… ومعها الحاجـــة… براقِــش… الدكتور جميل م. شاهين 14.03.2017

مركز فيريل للدراسات ـ برلين