إدلب هي أذكى خطّة للمخابرات السورية. د. جميل م. شاهين





لم تتوقف الانتقادات اللاذعة لما تفعلهُ الدولة السورية بخصوص المصالحة ونقل المسلحين إلى إدلب، واتهم كثيرون ومن المؤيدين للدولة السورية بأنها خطوة غبية! وحسب “خبرتهم العريضة”؛ يجب الاستمرار بقتال المسلحين وعدم السماح لهم بالخروج أحياء. حتى في الغرب احتارت الجهات السياسية وحتى الاستخباراتية، وكثرت التساؤلات حول المقصود من تجميع المسلحين في محافظة إدلب…

الآن يمكننا أن نكشف في مركز فيريل للدراسات، وبعد أن ظهرت خطة الاستخبارات السورية بوضوح، أنّ هذه كانت، وحسب ما كنّا نعرفهُ وسمعناه من سياسيين ألمان هنا في برلين، واحدةٌ من أذكى الخطط المخابراتية العالمية. أضاف مسؤول ألماني التقاه مركز فيريل: “لقد لعبتها المخابرات السورية ببراعة وصبر كبيرين، جمّعوا الأعداء بمساحة محدودة، وقد يأتي يوم ويدخل الجيش السوري محافظة إدلب دون أن يطلق طلقة واحدة”!. وقال المسؤول الألماني ساخراً:

“تخيّل أنك جمعتَ 200 قطة في غرفة واحدة، وطلبتَ من القطط أن يكون لها زعيم واحد، ما الذي يحصل؟ هذا بالضبط ما فعلته القيادة السورية.”. طبعاً لطّفنا ما قاله المسؤول، واستخدمنا كلمة قطط…

كلهم زعماء

بالفعل، وحسب معلومات مركز فيريل للدراسات؛ هناك في محافظة إدلب أكثرُ من 59 جنسية عالمية للمقاتلين، وعشرات آلاف المسلحين، وأكثر من 128 فصيل مسلح، لكل فصيل منها زعيم ودولة أو جهة داعمة بالمال والسلاح، وأهدافٌ وأيديولوجيات وشعارات مختلفة، فكيف سيتوافق هذا القطيع الحاشد على قرار واحد؟! هذا ما أنجزتهُ القيادة السورية بصمتٍ ودهاء وسط تحليلات عسكرية “عبقرية” من أبطال الفيس بوك، الذين راحوا يصفون هذا التصرف بالغباء، الآن؛ من هو الغبي؟

في احصائيات عام 2015 لمركز فيريل للدراسات، حول عدد المقاتلين الأجانب في سوريا، أكدنا أنّ عدد قتلى الجماعات المسلحة نتيجة الاقتتال فيما بينها كبير، وتوقعنا لعام 2017 أن يكون الاقتتال أشد، وقد بدأ فعلاً ونؤكد هنا أنّ عام 2017 سيشهد أنّ قتلى المسلحين نتيجة اقتتالهم في إدلب فقط، سوف يوزاي ما يقتله الجيش السوري منهم في كافة الأراضي السورية.

وكمثال بسيط؛ يُقدّر مركز فيريل عدد قتلى المسلحين في إدلب خلال الشهرين السابقين بـ 1780 قتيلاً، وهو نتيجة اقتتال “حركة أحرار الشام” و “جبهة النصرة” وتنظيم جند الأقصى. فحركة أحرار الشام أعربت عن رغبتها بالمشاركة في مؤتمر أستانا، وهذا سبب كافٍ لأنهار الدماء التي تسيل. وهنا كان نسف عملية ضمّ الفصائل المسلحة في محافظة إدلب تحت قيادة واحدة باسم “الهيئة الإسلامية”، بما فيها أحرار الشام و جبهة النصرة، حيثُ سيكون الإرهابي “أبو عمار تفتناز” القائد العام لحركة أحرار الشام، هو القائد العام للهيئة، و يكون الإرهابي “أبو محمد الجولاني” هو القائد العسكري. هنا لعبتْ موسكو دوراً هاماً بالإيعاز لتركيا لتنفيذ المطلوب منها، فضغطت الأخيرة على كافة الفصائل الواقعة تحت أمرتها بعبارة: “اندماجكم مع النصرة عمل انتحاري”.

اللعبة الخطيرة القادمة والتي ستواجهها القيادة السورية هي، تحويل “حركة أحرار الشام” وغيرها من الفصائل، إلى معارضة مسلحة معتدلة، ودمجها بدعم تركي ضمن عملية “درع الفرات”. لكن حتى ذلك الحين؛ هل سيبقى مسلحون أحياء في إدلب؟ أم سيجتمع مجلس الأمن كي يطلب من الجيش السوري دخول محافظة إدلب وبدعم دولي، لإنقاذ المدنيين المحاصرين؟.

في الختام أقول:

“عندما تتصارعُ الكلاب، تقفُ الأسودُ متفرجة”

د. جميل م. شاهين 22.01.2017