ألمانيا: أراد أردوغان إسقاطَ الأسد، فأسقط الأسدُ تركيا. د. جميل م. شاهين

 

خبراء من بنك Berenberg الذي تأسس 1590وهو أقدم بنك ألماني خاصّ، والمختصّون بتقدير أوضاع الدول اقتصادياً، قيّموا الوضع في تركيا بعبارة قصيرة “الوضع الاقتصادي التركي هشّ للغاية”، والوضع السياسي الحالي الحرج، ينعكس سلباً على الاقتصاد الذي ستزداد معاناته بشكل كبير خلال الشهور والسنوات القادمة. يعزو الخبراء ذلك إلى أسباب عديدة، أولها الحرب في سوريا والتدخل التركي فيها، وارتفاع سعر صرف الدولار وسعر البترول، والحالة الأمنية المتردية.

حسب الخبراء:

“الاقتصاد التركي صاحب أكبر عجز اقتصادي بين كافة الدول الناشئة”. كونهُ يعتمد بشكل كبير على رؤوس الأموال الأجنبية، وهذا يتبع أهواء المستثمرين، الأهواء الآن ليست لصالح الاقتصاد التركي.  

المتابع للشأن التركي يرى: هجمات إرهابية شبه يومية، تراجع كبير في السياحة، انحسار في تدفق رؤوس الأموال الأجنبية، الليرة التركية في أخفض مستوياتها على الإطلاق أمام الدولار الأميركي، المدّ القومي الكردي العسكري، ارتفاع أسعار النفط، عداء تركي أوروبي مستفحل، باختصار “انقلب السحر على الساحر”، هذا هو وضع تركيا اليوم.



هل اقتربَ بدء انهيار تركيا

  • توجه مركز فيريل للدراسات في برلين بعدة أسئلة إلى خبير اقتصادي في أكبر بنوك ألمانيا Deutsche Bank، كان أولها: هل اقترب بدء انهيار تركيا؟ الجواب: “يمكننا القول بثقة: لقد بدأ انهيار تركيا اقتصادياً قبل شهور. وكافة إجراءات السياسة النقدية التركية لن تجدي نفعاً، فلن تستطيعَ حكومة أنقرة وقف تدهور الليرة، وعلى العكس ما يفعلونه الآن ستكون لهُ نتائج عكسية وتضاعفٌ في سرعة الانهيار”.

تركيا ومجموعة العشرين

  • سؤال: تركيا من مجموعة العشرين، أي اقتصادها قوي، فهل يمكن أن ينهار بهذه البساطة؟. مع ابتسامة ذات معنى أجاب الخبير الاقتصادي: “تركيا دولة نامية مهما حاولت إظهار نفسها أنها دولة متطورة، واقتصاد الدول النامية يكون حساساً لأية تطورات تحدثُ في هذه الدول، أول مشاكل تركيا هي تراجع الطبقة الوسطى وازدياد نسبة الفقر على حساب صعود كبير للأثرياء. هناك فجوة حصلت بين ازدياد الاستهلاك وتراجع التمويل، وعدم القدرة على تغطية الاحتياجات من السلع الأجنبية بسبب انخفاض سعر الليرة. كما أنّ هجرة رؤوس الأموال من تركيا قد بدأت، بسبب انعدام الثقة بمستقبلها الأمني…”.

دونالد ترامب وتركيا

  • سؤال: ما تأثير وصول دونالد ترامب للرئاسة الأميركية على تركيا اقتصادياً؟ الجواب: “لم تتضح سياسة ترامب تجاه تركيا، لكن تصريحاته ضد الأخوان المسلمين سوف تنعكس سلباً على الحزب الحاكم في أنقرة. ترامب رجل اقتصاد ذكي، والتدابير التي ينوي اتخاذها بخصوص الإصلاحات الضريبية، ستؤدي لنمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي في السنوات المقبلة، أي هناك المزيد من الارتفاع في سعر الدولار، أي عبء جديد على الليرة التركية. حتى قبل استلامه لمنصب الرئيس، بدأ الدولار يكتسب قوة، أي بدأ التأثير السلبي عليها. ترامب وحسب معلوماتنا لا يقيم وزناً للدول الصغرى، وتركيا دولة صغيرة، لهذا ستكون في مهب رياح عاصفة خلال الفترة القادمة.”.

تركيا وروسيا

  • سؤال: حسب ما نراه، روسيا تقف بجانب تركيا، وقد تدعمها اقتصادياً لمنع انهيارها؟ أيضاً ابتسم الخبير من هذا السؤال الذي اعتبرهُ “خبيثاً” وأجاب: “روسيا قوية عسكرياً، لكنها اقتصادياً تقبعُ في المرتبة 13 عالمياً، وكفكرة بسيطة: الناتج القومي الألماني يُعادل ثلاثة أضعاف الناتج القومي الروسي، بينما يعادل الأميركي 16 مرة الناتج الروسي و25 مرة الناتج التركي، لهذا لن تستطيع روسيا إعانة تركيا اقتصادياً. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رجل ذكي جداً، ويعامل أردوغان ومعه تركيا كـ “كلب صيد”، عندما تنتهي مهمة الصيد، سوف يرمي بوتين كلبه للذئاب. كمثال بسيط: وافقت روسيا مع الأوبك على تخفيض انتاج البترول، أي سيرتفع سعر البرميل، ولهذا تأثير سلبي كبير على الاقتصاد التركي الذي يستورد النفط، فلو كان بوتين تهمه تركيا حقاً، لما وافق على ذلك. روسيا لم ولن تنسى ثأرها التاريخي والقريب من تركيا، وبوتين ابن روسيا القيصرية…”.   
  • سؤال: هل يمكن المقارنة بين الموقف الروسي من تركيا وسوريا؟ الجواب: “بالتأكيد لا مجال للمقارنة، فروسيا دافعت عن سوريا وعن الرئيس الأسد بشراسة وصلت لدرجة الاشتباك مع الولايات المتحدة وحلف الناتو، أي أنّ روسيا كانت مستعدة للذهاب لحرب كبيرة من أجل سوريا، فهل ستدافع روسيا عن تركيا وعن الرئيس أردوغان لو هاجمت الأخيرة أسراب من الجراد مثلاً؟ بالتأكيد لا، والذي ستفعلهُ روسيا هو اقتسام الأراضي التركية لاحقاً…”.




أراد أردوغان إسقاط الأسد، فأسقط الأسد تركيا

  • السؤال الأخير: ما تأثير ما يجري في سوريا على الانهيار التركي الاقتصادي؟. الجواب: “كل ما حدث وما سيحدث مستقبلاً في تركيا سببه الحرب والتدخل التركي في سوريا. الرئيس التركي أردوغان حاول أن يُعطي بلدهُ مركزاً أكبر من حجمها، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وحتى حضارياً، فحول منصبه إلى ديكتاتور على سلطنة ضعيفة. نصب العداء للاتحاد الأوروبي، وفتح الباب لمئات الآلاف من اللاجئين السوريين، بينهم مئات وربما آلاف الإرهابيين، كي تغزو أوروبا، تحدّى كافة الدول الكبرى وخاصة ألمانيا، فهل هو على هذه القوة كي يواجه ألمانيا!!. حصر أردوغان وحزبهُ اهتمامهما بأمرين: الأول توسيع صلاحيات الرئيس وإرضاء غروره وكأنه سلطان عثماني قبل 300 عام، فزاد هذا من ديكتاتوريته وتراجعت معها حقوق الإنسان والإعلام والحريات بشكل كبير في تركيا، الأمر الآخر: ادعى أنه يريد مساعدة الشعب السوري عن طريق تدخله العسكري ومساعدته للمسلحين المعارضين. كل هذا دفع بمئات الآلاف من اللاجئين على أراضيه، والآن يتدخل عسكرياً بجيشه، بموافقة من دمشق، أي ازدادت أعباؤه الاقتصادية… الحقيقة أنّ اهتمام أردوغان الأول انحصرَ بإسقاط الرئيس الأسد، فإذ بالأسد يُسقط تركيا…”.

 نعم، صرّح رئيس النظام التركي المدعو رجب طيب أردوغان بتاريخ 6 أيلول 2012 بالتالي: “سوف أزور مع أعضاء حزبي دمشق قريباً، ونتلوا سورة الفاتحة فوق قبر صلاح الدين الأيوبي، ثم نصلي في باحات جامع بني أمية الكبير، ونزور قبر الصحابي بلال الحبشي والإمام ابن عربي، والكلية السليمانية ومحطة الحجاز، وسنشكر الله جنباً إلى جنب مع أخوتنا السوريين..“.

مرّ على وعد أردوغان “قريباً” 53 شهراً، قد يزور أردوغان دمشق يوماً والجامع الأموي أيضاً، لكن سيزورهُ كمتسول يقف على بابهِ يستجدي كسرة خبز من السوريين…

مركز فيريل للدراسات ـ برلين. د. جميل م. شاهين. 19.01.2017

مقالة ذات صلة: 

هل قرأت واشنطن الفاتحة على روح أردوغان؟ د. جميل م. شاهين