إنها لعنة العراق، فكيف هي لعنة سوريا يا واشنطن! أكثر من 830 ألفاً من الجنود الأميركيّين العائدين لحضن الوطن، يعانون من أمراض نفسية د. جميل م. شاهين

مرّ 14 عاماً على احتلال العراق، و16 عاماً على احتلال أفغانستان، والروح المعنوية للجنود الأميركيين العائدين من ساحات القتال يُخبرنا عنها الجندي الأميركي “بطل” عملية مطار فلوريدا. ايستبان سانتياغو، ابن الـ 26 عاماً، والذي أطلق النار على المسافرين في مطار فورت لودرديل أول أمس الجمعة، فقتل 6 مسافرين وجرح العشرات، هكذا بدون سبب، فقط وحسب أقواله؛ سمع نداءً من “الملاك” داعش يدعوه للقيام بقتل الناس! الأمر الذي أدى إلى مقتل 5 على الأقل وإصابة العشرات بجروح، ايستبان هذا خدم في العراق عام 2010، وشاهد صديقين لهُ يموتان بانفجار، ومنذ ذلك الحين وهو يعاني من مرض نفسي تفاقم حتى وصل إلى أهلاس سمعية، وسلوك عدواني دموي، وهو واحد من عشرات الآلاف من جنود أوباما وجورج بوش المرضى عقلياً...



إنّها لعنة العراق أيها الجيش الأميركي “الجبّار”!!

حادثةُ مطار فلوريدا هي التي جعلتنا في مركز فيريل للدراسات نفتح ملفّ “لعنة العراق”، التي مازالت تلاحق الجيش الأميركي، وستبقى. دماء العراقيين الأبرياء ستظل أهلاساً سمعية وبصرية تقضّ مضاجع سافكيها. وبالأرقام وحسب مركز دراسات Kaiser Family Foundation  الأميركي؛ فإن ثلث الجنود الذين خدموا في العراق وأفغانستان، على مدى 16 عاماً وكان مليونان وستمائة ألفاً، لديهم مشاكل نفسية أي أكثر من 830 ألف جندي أميركي يعانون من هذه المشاكل التي تصل إلى مستوى أمراض خطيرة، بينما 9% منهم يعانون من الاكتئاب وتأتيهم أفكار كارثية كالانتحار أو القتل.

وحسب الكاتب الأميركي Gregory Krieg في نيويورك: “كلّفَ برنامج “السعادة” الجيشَ الأميركي، 287 مليون دولار لرفع الروح المعنوية لأفراد هذا الجيش، وادخال السعادة لقلوبهم والتخلص من اليأس والاكتئاب، لكن دون جدوى. فعقب البرنامج انتحر 22 من المحاربين القدامى، وأظهرت نتائج الفحوصات العقلية أنّ 14% من هؤلاء المحاربين يعانون من آثار الصدمة مما شاهدوه في العراق وأفغانستان”.

وقع الرئيس باراك أوباما في شباط قانوناً ذو اسم مضحك: “قانون منع الانتحار”،  ويتضمن تدابير ترمي لتوفير  رعاية أفضل للصحة العقلية للعسكريين العائدين من ساحات القتال. وقد نشرت صحيفة واشنطن بوست هذا التقرير مؤكدة أنّ ثلث المحاربين القدماء، أي ثلث 2.6 مليون جندي، يعانون من مشاكل صحية بدنية أو عقلية، مع صعوبة بالعودة إلى الحياة المدنية العادية والتأقلم مع المجتمع الأميركي. حيثُ تعود إليهم الذكريات الدموية القديمة، ويلجؤون للعنف الأسري أو الانتحار أو القتل، ويتبعون سلوكاً عدوانياً شبه دائم، بينما حدث انفصال أسري أو طلاق لكل جندي من أصل خمسة.

لهذا السبب، لن تتدخل الولايات الأميركية في سوريا برياً

تجربة العراق وأفغانستان جعلت قادة الجيش الأميركي يرفضون أيّ تدخل عسكري أميركي يتضمن دخول جنود أميركيين إلى سوريا مهما كلفهم الأمر، والأمر الوحيد الذي يمكن أن يفعلوه هو الضربات الجوية، ويتركون التدخل البري لغيرهم من حلفائهم أو من دول الخليج وتركيا. ويكفي أن نعرف أنه في عام 2016 وقع في الولايات المتحدة 74920 حادثة استخدمت فيها الأسلحة النارية، قتل على إثرها 13900 أميركي، أي أضعاف الذين قتلوا في الحوادث الإرهابية. وقتل الجنود الأميركيون العائدون من العراق وأفغانستان، مئات من زملائهم خلال السنوات الماضية، قبل أن ينتحروا، وبشكل متوسط؛ هناك سنوياً حوالي 150 حادثة إطلاق نار يرتكبها محاربون قدماء، تؤدي للقتل، هذا الرقم كان سيتضاعف لو تدخلت واشنطن برياً في سوريا.

إنها لعنة العراق فكيف هي لعنة سوريا يا واشنطن؟!.

د. جميل م. شاهين. 08.01.2017