استراتيجية الأمن الفكري. المستشار الدكتور أحمد الحموي 28.05.2022

استراتيجية الأمن الفكري Intellectual Security Strategy بحثٌ واسع شامل للمستشار الدكتور أحمد الحموي، حولَ الأمن الفكري والاستراتيجية الأمثل للحفاظ عليه في عالمٍ صاخب مضطرب، باتت الأفكار الهدامة تدخلُ البيوت الآمنة دون استئذان وتصل شبابنا وشاباتنا بيسر دون عناء. نكتفي بمقدمة هذا البحث في مركز فيريل للدراسات، تاركين التعمّق لمَنْ يبتغيه ويُتقنهُ.

إنَّ الأمن؛ قضيةٌ كبرى وهاجسٌ باتَ يشغل المجتمع الإنساني المعاصر، فالدول اليوم تتخذ لتأمينهِ إجراءاتٍ وترتيبات على جميع المستويات، وتُخصِّصُ من أجل ذلك مواردَ وطاقاتٍ ضخمةٍ وهائلةٍ.

لا شك أنَّ مفهوم الأمن يحظى بأهميةٍ بالغةٍ، وقد شاع استخدامه حديثاً في علم السياسة، وإنّ ظهور مصطلح الأمن توضّحَ جلياً في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فقد برزت كثيرٌ من المدارس الفكرية التي تبحث في ماهية الأمن وتحقيقه، وكان التركيز والبحث يدوران حول كيفية صيانة الأمن وتجنّبِ الحروب.

ولهذا كان الأمن الوطني في مفهومه الشامل يعني تأمين الدولة والحفاظ على مصادر قوتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، وايجاد الاستراتيجيات والخطط الشاملة التي تكفل تحقيق ذلك، فيبرز هنا البعد الفكري والمعنوي للأمن الفكري الذي يهدف إلى حفظ الفكر السليم والمعتقدات والقيم والتقاليد الكريمة.

هذا البعد من وجهة نظرنا يمثل بعداً استراتيجياً للأمن الوطني لأنه مرتبط بهوية الأمّة واستقرارِ قيمها التي تدعو إلى أمن الأفراد؛ وأمن الوطن؛ والترابط والتواصل الاجتماعي، ومواجهة كلّ ما يهدد تلك الهوية وكل ما يبني الأفكار الهدامة التي تنعكسُ سلباً على جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

فالهوية تمثل ثوابت الأمة من قيم ومُعتقدات وعادات؛ وهذا ما يحرص الأعداء على مهاجمته لتحقيق أهدافهم العدوانية والترويج لأفكارهم الهدّامة وخاصة بين شريحة الشباب، والتشويش على أفكارهم ودعوتهم للانحراف الفكري (التطرف).

بل إنَّ الأمن الفكري يتعدى ذلك ليكون من الضروريات الأمنية لحماية المكتسبات والوقوف بحزم ضدَّ  كلِّ ما يؤدي إلى الإخلال بالأمن والذي سينعكس حتماً على الجوانب الأمنية الأخرى خاصة الجنائية والاقتصادية.

واليوم يُعدُّ الانحراف الفكري – التطرف – من القضايا الأمنية بالغة الخطورة، التي تهدد سلام واستقرار العالم العربي بصفة خاصة والإنسانية بشكل العام، ولم يقتصر هذا الانحراف الفكري والغلو على مستوى الأفراد ورُقَعَ محدودة، بل أصبح ظاهرةً شديدةَ الخطرِ، وأكثرَ تنظيماً وتهديداً للأمن الشامل للجميع.

من أبرز القضايا الأمنية المعاصرة في مجال الانحراف الفكري – التطرف – والغلو الفكري والذي دفع لظهور تنظيماتٍ تقوم على القتل كوسيلة للبقاء، وعلى الغلو الفكري والطعن كمنهج للتفكير ولحشد البيئة الحاضنة لها ولأفكارها؛ الإخوان المسلمون والوهابية؛ والكثير المتنوع الأسماء ممن يظهرون بها أمام المجتمعات بما يتناسب مع المجتمع، لسهولة الدخول واللعب بالأفكار والعقول وبرمجتها البرمجة التي تجعل من التابع عنصراً فعّالاً في تنفيذ هذا الانحراف الفكري وتحويله إلى طاقة فعّالة على الأرض لنشر الفوضى والخراب.

بل إنَّ الأمن الفكري مسألة معقدة وشائكة في مقابل الأبعاد الأمنية الأخرى التي تتمتع بالوضوح، فـالانحراف الفكري – التطرف – لا يكون واضحاً لكلِّ أحد؛ ولا في كلِّ وقت، إذ لا يملك ذلك إلا المؤهلون القادرون على ذلك

فالجهد الأمني اليوم ليس كافياً للحدِّ من ظواهر الانحراف الفكري، بل هناك حاجة لتضافر الجهود في مختلف المجالات عبر خطط وطنية شاملة تراعي العوامل والأوضاع والظروف الفكرية والاجتماعية والاقتصادية المؤثرة في أحداث ظواهر الانحراف، وإشاعة الأمن الفكري لتعزيز الوطن.

ما هو الأمن الفكري؟

الأمن الفكري هو إحساس المجتمع بأن منظومته الفكرية ونظامه الأخلاقي المسؤول عن ترتيب العلاقات بين أفراده داخل المجتمع؛ ليسا في موضع تهديد من فكرٍ متطرفٍ وافدٍ، وهذه المصادر التي تهدّد الأمن الفكري متعددة وتأتي أحياناً كثيرة من جماعات التطرف والتشدد الفكري، ومثيري الفتن ودعاة الفِرقة.

فيكون العمل الذي تقوم به الأجهزة المسؤولة عن الأمن الفكري هو بالرقابة الأمنية أو وضع الضوابط والقيود على ما تقوم بعرضه وبثه تلك الجماعات من خلال البث الإعلامي المتنوع والانترنت وغيرهما من الوسائل، وهذه مهمة من الصعوبة بمكان نظراً لما يسمى بالعولمة وعصر تدفق المعلومات بكثافة.

لذلك أصبح اللجوء الى استراتيجية اجتماعية متكاملة أمراً مُلحّاً للمساهمة في الحفاظ على عقول الشباب وغيرهم؛ من الغزو الفكري، وتحصينهم ثقافياً من خلال المعلومات الصحيحة التي تزيد الوعي الأمني والثقافي، وذلك لإبعادهم عن الوقوع في الجريمة والخروج على الأنظمة والقيم والعادات والتعاليم الدينية السليمة، التي تسعى إلى تخريبها وتحويلها؛ تلك الجماعات والأفراد لتحقيق مصالحهم السياسية الفوضوية التدميرية في البلاد.

الأمن الفكري مسؤولية الدولة والمجتمع والأسرة

من وجهة نظرنا، وربما يؤيدنا الكثيرون في ذلك، أنَّ الأمن الفكري ليس فقط مسؤولية السلطات المعنية بالأمن الوطني؛ إنّما ايضاً المؤسسات الاجتماعية بكافة أنواعها، سواءٌ التعليمية أو الثقافية أو الدينية التي سيكون لها من المؤكد الدور الفعّال والحيوي في المساهمة في تحقيق أعلى مستويات الأمن الفكري.

وبشكلٍ أدق نشير هنا الى دور الأسرة والمدرسة والجامعة ودُور العبادة، يضاف إلى ذلك وسائل الاعلام بكافة أنواعها والتي تنطلق من المجتمع – منه وإليه– و يتمثل هذا الدور بالدرجة الأولى في نشر الوعي الأمني الفكري، وتنمية العلاقات بين رجال الأمن والمواطنين، ورفع معنويات رجال الأمن مما يعمِّق الشعور بالانتماء لهذا الوطن، وتبصير الجميع بالنتائج الوخيمة للجريمة والتطرف وخطرها على المجتمع. المستشار الدكتور أحمد الحموي. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 28.05.2022