القوات اللبنانية؛ التاريخ والنشأة والأهداف. بحثٌ من مركز فيريل للدراسات. 26.05.2022

القوات اللبنانية؛ التاريخ والنشأة والأهداف. بحثٌ من مركز فيريل للدراسات. برلين. 26 أيار 2022. المهندس باسل علي الخطيب. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات الدكتور جميل م. شاهين.

القوات اللبنانية، التعريف والنشأة والأهداف.

ما الذي ارتكبته القوات اللبنانية من مذابح؟

لعنة المسيحيين العرب

مجزرة إهدن اغتيال طوني فرنجية. مجزرة صبرا وشاتيلا. اغتيال رشيد كرامي. اغتيال داني شمعون. تفجير كنيسة سيدة النجاة.

الشوفينية المارونية

هل يصبحُ سمير جعجع رئيساً للبنان؟

القادم على لبنان. خاتمة.


القوات اللبنانية؛ تنظيم عسكري أسسه بشير الجميّل كذراع عسكري للجبهة اللبنانية، وهي تحالف سياسي يميني أُسس عام 1976 مع بداية الحرب الأهلية اللبنانية يهدف لإقامة نظام فيدرالي برئاسة كميل شمعون، الرئيس اللبناني السابق المتوفي عام 1987.

رغم أن الجبهة الوطنية ضمّت أربعة أحزاب، حزب الكتائب والتنظيم اللبناني ونمور الأحرار وحرّاس الأرز. إلا أنّ بشير الجميل وبعد انتخابه مباشرة، اعتبر القوات اللبنانية تابعة لحزب الكتائب الذي كان يرأسه والده بيير الجميل آنذاك، محاولاً ضمّ هذه القوات للجيش اللبناني. بعد اغتيال بشير الجميل في 14 أيلول 1982، بدأت الصراعات الخفية تظهر على السطح، فتناوب على قيادتها فادي فرام ثم فؤاد أبو ناضر ثم إيلي حبيقة، ليقوم سمير جعجع في كانون الثاني 1986 بانقلاب عسكري ضد حبيقة لأنه وقّعَ  اتفاق مصالحة مع وليد جنبلاط ونبيه بري في دمشق وبرعاية سورية كاملة.

لا يوجد في تاريخ القوات اللبنانية، كغيرها كثير من الميليشيات اللبنانية، ما يُذكرُ سوى الدم… فقد تصارعت فيما بينها، كما خاضت قتالاً دموياً ضد باقي الميليشيات ولاحقاً ضد الجيش اللبناني بقيادة الجنرال ميشيل عون. لم تستثنِ طائفة أو أتباع دين بما في ذلك المسيحيين في لبنان، لكنها اشتهرت بمجازر صبرا وشاتيلا في 16 أيلول 1982 بالتعاون والتوجيه والمشاركة المباشرة من الجيش الإسرائيلي…

ما الذي ارتكبته القوات اللبنانية من مذابح؟

نلفتُ الانتباه إلى أنّ بعض المذابح التي اتهمت فيها القوات اللبنانية تنفيها وتنسبها لأعدائها بما في ذلك الجيش والمخابرات السورية، رغم أنّ التحقيقات والاثباتات الجنائية والشهود أكدوا ذلك، بما في ذلك تفجيراتٌ في دمشق نفسها. نحن هنا لعرض أهمّ النقاط والدلائل وليس لإلقاء التهم ضدّ أحد. لكن… وبعد لكن الكثير؛ أن تثبتَ تهمة واحدة، واحدة فقط، ضد القوات اللبنانية وزعمائها، تكون كافية لنزع هذه الصورة “الوردية” عنها، ولا داعي لقطف الورود فيما بعد…

المكان: إهدن 13 حزيران 1978

مجزرة إهدن، اغتيال طوني سليمان فرنجية وعائلته

عارضَ “تيار المردة” بقيادة سليمان فرنجية وابنه طوني، وهو ضمن أحزاب الجبهة اللبنانية، محاولات بشير الجميل ضمّ الجميع تحت جناحه كقوات لبنانية، واعتراض الجميل على علاقات المردة بدمشق، فأرسل بصفته  قائد القوات اللبنانية. الرابعة صباحاً، 1500 مقاتل من القوات اللبنانية بقيادة “سمير جعجع” يتجهون نحو إهدن ويُحاصرون قصر عائلة فرنجية، ثم يرتكبون مذبحة؛ قتلت المجموعة طوني سليمان فرنجية وزوجته فيرا قرداحي، وابنتهما جيهان طوني فرنجية ابنة السنتين والنصف، ومعهم 31 من أنصار فرنجية، لتشتعلَ بعدها حرب المائة يوم.

لعنةُ المسيحيين العرب

عام 2008، نشرَ الصحفي الفرنسي Richard Labévière كتاباً تُرجم للعربية عام 2009 وعدة لغات أخرى بعنوان (مجزرة إهدن أو لعنة المسيحيين العرب). تحدّث فيه الكاتب عن تفاصيل المجزرة ودور الموساد الإسرائيلي فيها والتي أسماها “عملية الأرز”، حيثُ أقنعَ الموسادُ بشير الجميل أن تكون قيادة العملية من نصيب سمير جعجع. التالي من الكتاب الفرنسي: (من خلال إلغاء زعيم مسيحي من الصفّ الأوّل معادٍ لإسرائيل، ابتدعت استخبارات الموساد مفهوم الاغتيال الهادف لشخصيات محددة. وبذلك، أهدت السلطة المسيحية إلى بشير الجميّل، وأوصلت إلى سدّة رئاسة الجمهورية عائلة مؤيّدة لها تستطيع تل أبيب أن توقّع عبرها اتفاق سلام منفصل مع لبنان. شهد لبنان سلسلة طويلة من الحروب بين المسيحيّين إثر مجزرة إهدن، التي ضيّقت أكثر بُعْدَ “العقدة المارونية” بين الكتائب حلفاء إسرائيل والعرب المسيحيّين المنادين بانتمائهم الكامل والتام للعالم العربي. بعد مرور ثلاثين عاماً، لم تُحَلّ تلك العقدة: فالجنرال ميشال عون وسليمان فرنجية، يجسّدان اليوم مستقبل العرب المسيحيّين. والكفاح الذي يخوضانه معاً إنما يدحض ما يُسمّى بـ “صدام الحضارات” الذي يسعى إلى مواجهة بين الشرق والغرب…).  

المكان: مخيم صبرا وشاتيلا 16 أيلول 1982

الجيش الإسرائيلي يُحاصر مخيم صبرا وشاتيلا غربي بيروت، رفائيل إيتان قائد الأركان الصهيوني و “آرئيل شارون” وزير الحرب، يُصدران الأمر للقوات اللبنانية بقيادة “إيلي حبيقة” ومساعده “سمير جعجع” باقتحام المخيم، ومعهم مجموعات أخرى من “حراس الأرز” وجيش لبنان الجنوبي، الذريعة؛ وجود 1500 مقاتل فلسطيني في المخيم.

ليلاً ومع بدء المجزرة؛ الجيش الإسرائيلي يُطلقُ القنابل المضيئة في سماء المخيم ويقتل كلّ مَنْ يُحاول الهروب ويمنع دخول أو اقتراب أيّ صحفي لأكثر من 48 ساعة منذ ليل 16 أيلول حتى فجر 18 أيلول. المجموعات المهاجمة انقسمت لثلاث، وراحت تقتل كل شخص في المخيم دون رحمة. جرائم اغتصاب وبقر بطون الحوامل وقتل أطفال وقطع رؤوس، تتخللها فترات استراحة ولهو وتعاطي مخدرات، دون أن يعثروا أو يقتلوا مسلحاً فلسطينياً واحداً.  

الصحفي والمراسل البريطاني Robert Fisk ، الصحفي في الـ TIME والـ Independent: (أحصت القوات اللبنانية 2000 جثة لم يكن بينها شاب). الصحفي الإسرائيلي الدكتور אמנון קפליוק  “أمنون كابليوك”، خرّيج السوربون الفرنسية، والذي عمل في يديعوت أحرونوت واللوموند الفرنسية ذكر في كتابه “سيرة عرفات الذاتية” 2004: (أحصى الصليب الأحمر 3000 جثة على الأقل). من خلال المصادر الموثوقة ومقارنة الأرقام وعدد المفقودين، يُقدّر مركز فيريل للدراسات عدد ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا بحوالي 3300 شهيد.

مجازر ، ثم لجان تحقيق، والمجرم تتمّ ترقيتهُ!

لم تقتصر جنسية ضحايا صبرا وشاتيلا على الفلسطينيين، فالمخيم قطنه لبنانيون وسوريون أيضاً، وقد وجدت جثامين مصريين وسودانيين وإيرانيين وأتراك، وكمثال؛ قتلت المجموعات الإرهابية 24 شخصاً من عائلة “مقداد” اللبنانية. بينهم (لاحظوا الأعمار): فريال ياسر ضاهر مقداد 4 سنوات، حسين ياسر ضاهر مقداد 8 سنوات، عدنان ياسر ضاهر مقداد 6 سنوات، رفيقة ياسر ضاهر مقداد سنةواحدة، زهرة ياسر  ضاهرمقداد قُتلت في بطن أمها الحامل زينب عبد مقداد 30 عاماً. ألفت عبد الرؤوف مقداد سنتان، فاطمة عبد الرؤوف مقداد 3 سنوات، نسرين ومحاسن عبد الرؤوف مقداد “توأم” 7 سنوات، إلهام مقداد قُتلت في بطن أمها الحامل. علي حسين إسماعيل مقداد 66 عاماً… هؤلاء جميعهم يحملون الجنسية اللبنانية.

في تشرين الثاني 1982، أمرت المحكمة العليا الإسرائيلية وتحت ضغوط دولية، بتشكيل لجنة تحقيق سُميت “لجنة كاهان” على اسم رئيسها إسحاق كاهان، بعد أربعة أشهر صدرت نتائج التحقيق بتحميل وزير حرب إسرائيل “آرئيل شارون” المسؤولية  المباشرة عن المجزرة وانتقدت رئيس الوزراء مناحيم بيغن ووزير الخارجية إسحاق شامير ورئيس الأركان رفائيل إيتان وقادة المخابرات، في محاولة لذر الرماد في العيون، متهمة أياهم بالإهمال وعدم محاولة منع المجزرة أو إيقافها.

مناحيم بيغن، صاحب مجزرة دير ياسين 17 أيلول 1948، لاحظوا التاريخ، والذي اعترف بقتل 361 فلسطينياً بكتابه “التمرد، قصة أرغون”، ورئيس الوزراء أثناء مجزرة صبرا وشاتيلا، قال أمام لجنة التحقيق: (أناسٌ غير يهود، قتلوا أناساً غير يهود، ما شأننا نحنُ؟).

آرئيل شارون وزير الحرب، أعلن استقالته احتجاجاً على توجيه الاتهام له، لتتم مراضاته بحقيبة وزارية. ثم يصل لمنصب رئيس الوزراء عام 2001 ويبقى لست سنوات متتالية، وهو الذي بدأ بقتل الفلسطينيين وكان في الثانية عشرة من عمره فقط، قبل أن ينتسب إلى “عصابات كاهانا” 1942. فارتكب مجزرة قبية 1953 بقتل 69 فلسطينياً وحرق منازلهم. قتل الأسرى المصريين 1967. اجتياح لبنان. ثم مجزرة صبرا وشاتيلا. مجزرة جنين نيسان 2002 وغيرها الكثير من الاغتيالات والعمليات العسكرية ضد المدنيين قبل المسلحين. بعد استلامه منصبَ رئيس الوزراء سقطت عنه كافة الاتهامات بارتكاب المجازر ولم يُحاكم إلا بتهمة الاختلاس، فيدخل في غيبوبة لثماني سنوات قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة عام 2014

المكان: بيروت 01 حزيران 1987
إغتيال رئيس الوزراء اللبناني رشيد كرامي

استناداً لشهادة العميد جمال الموّاس، المرافق الشخصي لرئيس الوزراء اللبناني رشيد كرامي، وكان على متن الطائرة نفسها، وما ذكرهُ لاحقاً في مقابلة مع جريدة الشرق: (كل يوم إثنين عند التاسعة صباحاً، تأتي طائرة هيلوكوبتر تابعة للجيش اللبناني من مطار أدما الذي تُسيطرُ عليه القوات اللبنانية، لتهبط في معرض طرابلس، فتُقلّ الرئيس رشيد كرامي إلى بيروت. في ذلك اليوم؛ تفحصتُ الطائرة ولم أجد ما يلفتُ الانتباه، فصعد الرئيس كرامي، وجلستُ يمينهُ ووزير  الداخلية عبدالله الراسي عن يساري ومعنا 16 مرافقاً، وغادرنا مباشرة. بعد أقل من ربع ساعة، حصل إنفجار أسفل كرسي الرئيس كرامي. واستطاع قائد الطائرة أنطون بستاني ومساعده وليم مليّس الهبوط على بطن الهليوكوبتر).   

يؤكد العميد جمال الموّاس في شهادته أنّ “القوات اللبنانية هي التي وضعت القنبلة، بناءً على محاكمات 1997 و1998 وباعتراف المتهمين، وكانت بطريقة احترافية دقيقة. كما أنّ وصول طائرة أخرى بنفس التوقيت إلى المطار حيث هبطت طائرة الرئيس كرامي، وفيها العميد خليل مطر مع غسان توما وشخص آخر وهم من القوات اللبنانية، أمر يدعو للشكّ، حيث استبدل العميد مطر ثيابه المدنية بالعسكرية وغطى جثمان الرئيس كرامي، وكأنه على علم مسبق بأنه سيُقتل.

أصدرت المحكمة عام 1994 حكمها بالإعدام على “سمير جعجع” لإدانته بجريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رشيد كرامي، ثم خُفّفَ الحكم إلى المؤبد، ليُطلقَ سراحهُ عام 2005…  

المكان: الأشرفية 22 تشرين الأول 1990

إغتيال داني كميل شمعون وعائلته


رغم أنّ حزب نمور الأحرار كان ضمن الجبهة الوطنية، إلا أنّ الكتائب اللبنانية قامت بـ “مجزرة الصفرا” في 07 تموز 1980 قربَ جونيه، فأرسلت 1200 مقاتل بقيادة إيلي حبيقة وقضت على ميليشيا نمور الأحرار وقتلت 90 مسلحاً منهم، وحاولت اغتيال قائد النمور داني كميل شمعون، بنسف منزله في مارينا الفقرا، لكنّ الجيش اللبناني تمكن من إجلائه بمروحية إلى مدينة بسكنتا. فتأجلت عملية الاغتيال…

عام 1988 دعم داني شمعون قائد الجيش ميشيل عون وأسس جبهة وطنية لبنانية جديدة. في اليوم المذكور في عنوان الفقرة، دخل رجلان منزل داني شمعون، فقتلوه مع زوجته أنغريد عبد النور التي تحمل الجنسية الألمانية، وطفليه طارق 7 سنوات، وجوليان 5 سنوات. طريقة الاغتيال كانت احترافية وبشهادة الجيران أنهم لم يسمعوا صوت إطلاق نار، مما يدل أنهما استعملا كاتم صوت. وُجّهت التهمة لـ “إيلي حبيقة”، لكنه كان عُزل من منصب قائد القوات اللبنانية عام 1986 وبدأ عمله السياسي مبتعداً عن العسكري، فتمت تبرئته.

المجلس العدلي أدان “سمير جعجع” قائد القوات اللبنانية آنذاك، وحُكم عليه بالمؤبد.

المكان: ذوق مكايل 27 شباط 1994

تفجير كنيسة سيدة النجاة


خلال قدّاس يوم الأحد وعند التاسعة صباحاً، انفجرت قنبلة داخل الكنيسة أثناء المناولة عند المذبح، في كنيسة سيدة النجاة في منطقة كسروان قرية ذوق مكايل. لقي 10 اشخاص حتفهم وأصيب حوالي 50 آخرين. كما عثرت الشرطة اللبنانية على 5 قنابل أخرى لم تنفجر.

اتهم “سمير جعجع” قائد القوات اللبنانية بالعملية، فأُلقي القبض عليه وأودع السجن بتهم أخرى أيضاً، ليتم الحكم عليه بالإعدام ثم خُفّفَ إلى المؤبد. سمير جعجع اتهم بدوره المخابرات السورية بالتفجير.

بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، أطلقَ سراح سمير جعجع بعفو رئاسي، وتمت تبرئته من تفجير الكنيسة.

اتهامات أخرى بارتكاب مجازر وعمليات قتل فردية وجماعية وعلى الهوية، منها: قتل أمين سر البطريركية المارونية المونسينيور البير خريش، والعميد في الجيش اللبناني خليل كنعان، والنقيب في الجيش اللبناني أنطوان حداد في شباط 1990، والملازم أول في الجيش اللبناني جوزف نعمة. و قتل قائد ثكنة الأشرفية العسكرية موريس فاخوري وإميل عازار قائد ثكنة البرجاوي العسكرية في بيروت…

ما هي الشوفينية؟

الشوفينية Chauvinism هي التحزّب والتحيّز والتعصّب الأعمى للقومية والوطن أو للعرق أو للجنس، والتعامل الفوقي مع كلّ مَنْ لا ينتمي إلى تلك القومية، والتقليل من شأنه وشأن قوميته أو حضارته. يُصبحُ الوطن بالنسبة للشوفيني إلهاً مُقدّساً لا يجوز المسّ به أو انتقادهُ، وينسبُ كافة القيم السامية والحضارة إليه، فيتمسكُّ بآرائه ويُدافعُ عنها بجهل دون تقديم دلائل علمية على صحة اعتقاده، بينما باقي الأوطان دونه.  نُسبت الشوفينية، أسطورياً، إلى جندي فرنسي من جيش نابليون يُدعى Nicolas Chauvin، عُرف بحبه الأعمى لفرنسا وتفانيه في القتال. أصيب في المعارك دون أن تتمّ رعايته أو يصله معاشه، رغم ذلك وبعد رحيل  نابليون، بقيَ يُدافعُ عنه وعن الإمبراطورية الفرنسية.  

توسّع مصطلح الشوفينية ليشمل التعصب الأعمى والجاهل لكل ما يخصّ مجموعة ما، سواء كانت قومية أو ثقافية أو دينية أو لغوية، حتى وصلَ إلى الشوفينية الذكورية والأنثوية.

هل يمكن وصف القوات اللبنانية بالشوفينية؟

كي لا نظلمَ جهة ما؛ الشوفينية موجودة في كافة الأمم والمجموعات والدول دون استثناء، لكن بنسب متفاوتة وبعضها صامت والآخر يُجاهر بوقاحة وجهل.

كان من النادر أن نسمعَ تصريحات شوفينية من مسؤولين أو مشهورين ومشهورات لبنانيات، والشهرة ليست مديحاً هنا. في السنوات الأخيرة؛ كثر الحديث عن “العرق الفينيقي” و “نحن لسنا عرباً” و “اقتلوا السوريين مهما كان دينهم”… هكذا تصريحات لا تصدر عن أشخاص عقلاء لديهم ألف باء في التاريخ والثقافة. وكأنّ القائل أو القائلة يملكون وثيقة إلهية بأصلهم ونسبهم وعرقهم “الصافي”.

موقفنا من “العروبة” في مركز  فيريل للدراسات معروف؛ “العروبة ضرورة وليست مصيراً”، وإطلاقُ صفة عربي على شخص لا تُنزّلُ من مكانته ولا ترفعها أيضاً. المغالاة في أي اتجاه، جهل وجهالة، فنسبُ كافة الحضارات والعروق البشرية في سوريا مثلاً إلى العروبة، جهل مطبق وشوفينية عمياء. والعكس صحيح؛ فالقول أنّ العرب كلّهم متخلّفون أبناء الصحراء، هو أيضاً غباءٌ وتدني في المستوى المعرفي والثقافي. دون شكّ؛ وحسب مراجع أجنبية معادية للعرب، “كان للعرب نصيبٌ كبير في الحضارة العالمية”.

نعود لموضوعنا؛ تصاعدت الشوفينية المارونية تحديداً على يد القوات اللبنانية التي اتخذت من الكنيسة المارونية غطاءً دينياً شرعياً، ومن الوهابية بكافة أشكالها القديمة و “المتجددة” مصدراً للتمويل، ومن تل أبيب ترويجاً إعلامياً وإشرافاً ودعماً سياسياً متخفّياً.


البطريركية المارونية، كغيرها من ديار الأديان والطوائف، لم تعمل بتعاليم السيد المسيح، فدخلت وتدخّلت في السياسة وانحازت لجهة دون أخرى، حتى وصل الأمر لتبرئة زعماء القوات اللبنانية من جرائم مُثبتة. ربما لا تدري هذه البطريركية أنّ وراء القوات مشروع تقسيم لبنان إلى كنتونات، فلترجع لمبادئ تأسيسها عام 1976 وتقرأ عن “فدرلة لبنان” على أساس طائفي، وأنّ القوات اللبنانية قتلت من مسيحيي لبنان بقدر ما قتلت بقية الميليشيات، والشواهد وردت قبل قليل.

هل يصبحُ سمير جعجع رئيساً للبنان؟

هذه ليست مزحة أو خيال، فقد سبق وأعلنت القوات اللبنانية بتاريخ 04.04.2014 ترشيح رئيسها سمير جعجع لخوض الانتخابات الرئاسية الجمهورية والتي ستجري في أيار 2014. مما جاء في الإعلان الذي تلاهُ نائب رئيس القوات جورج عدوان: (إنّ الهيئة التنفيذية للحزب قررت بالإجماع ترشيح رئيس الحزب سمير جعجع لانتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية… يأتي هذا الترشح للتصدي لتغيير هوية الوطن، وإحداث صدمة إيجابية تستعيد معها الدولة هيبتها، بعد الضعف الذي أصابها نتيجة انتشار السلاح غير الشرعي).

 
يومها تفاجأ كثيرون بينما تحدّث الإعلام عن فرصة شبه معدومة لجعجع للفوز، أما وكالة الصحافة الفرنسية فقالت: (إن ترشّح جعجع لمنصب الرئيس سيثير الكثير من الجدل، بسبب دوره في الحرب الأهلية (1975-1990) وتصنيفه كأحد صقور التحالف المناهض لسوريا وحزب الله).

جرت أول جولة للانتخابات الرئاسية في 23 نيسان 2014، فحصل سمير جعجع على 48 صوتاً، مقابل 52 ورقة بيضاء، ولم يفز بأغلبية الثلثين. بينما حصل المرشح “هنري الحلو” على 16 صوتاً وأمين الجميل على صوت “وحيد”.

ما الذي تغيّر اليوم وبعد 8 سنوات كي يقتربَ سمير جعجع من كرسيّ الرئاسة أكثر؟

حسّنت نتائج الانتخابات من موقعه قليلاً، هذا القليل غير كافٍ وبحاجة لدعم خارجي وداخلي أكبر. حصلت القوات اللبنانية على 20 مقعداً، والتيار الوطني الحر 18 مقعداً. حزب الله وحركة أمل 31 مقعداً. الحزب التقدمي الاشتراكي 9 مقاعد، المستقلون 13 مقعداً، حزب الكتائب 4 مقاعد، حزب الطاشناق 2 مقعد.  تيار المردة 2 مقعد. إذاً؛ لا أحد يمتلك الأكثرية التي كانت من نصيب حزب الله وحلفائه عام 2018.
كي يصل المرشح إلى كرسي الرئاسة يحتاج إلى أصوات ثلثي النواب في الجلسة الأولى، أما في الجلسة الثانية فيحتاج لأغلبية بسيطة فقط بعد تأمين النصاب القانوني وإلا سيحصل فراغ بالمنصب. أن يؤمّنَ سمير جعجع تلك الأغلبية من الجلسة الأولى، أمر شبه مستحيل، وهذا يعتمد على قوة منافسه ولمَن سيصوّت المستقلون الـ13 الجدد على الساحة السياسية.

مما تغيّر لصالح جعجع هو الدعم السعودي القوي. السعودية أرغمت “سعد الحريري” على الابتعاد مع تياره عن السياسة، وهو بحكم المنفي حالياً على الأقل، والنفي أفضل لهُ من ضيافة “خاشقجي”… الرياض جيّرت دعمها لتيار المستقبل إلى دعمها للقوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع دون حدود، وسط استياء في تيار المستقبل ومناصريه.

ترى السعودية ومعها الولايات المتحدة وإسرائيل، في القوات اللبنانية وشخصية سمير جعجع، الأقدر على مواجهة حزب الله وبالتالي النفوذ الإيراني في لبنان، وفوزه “الافتراضي” في انتخابات الرئاسة القادمة، سيكون ضربة قوية لإيران وسوريا أيضاً، ونصراً لتل أبيب ما بعده انتصار وبيد عربية خليجية!

ختاماً

لبنان مُقبلٌ على مرحلة أصعب، ومتى كان لبنان سعيداً؟ كان وسيبقى ساحة تجاذبات سياسية واقتصادية وعسكرية، ودولة تحكمها كنتونات وعائلات وطوائف من أثرياء الحرب… حُكّامٌ آخر أهدافهم؛ لبنان. أزمة اقتصادية خانقة واقتراب أكثر من الإفلاس. أزمة سياسية لا تنتهي. صراعٌ على الكراسي يُتوّج بكرسي الرئاسة، فإن فاز المُرشحُ المدعوم من واشنطن والرياض وتل أبيب، تحسّن الوضع الاقتصادي نوعاً ما، لكن على حساب الوضع الأمني ومشاريع “نزع سلاح حزب الله”. وإن نجح مرشح إيران، ستعمل العواصم الثلاثة السابقة على الإنهيار الاقتصادي ومعه الأمني. في الحالين؛ مسكينٌ أنتَ يا لبنان… نتمنى من مركز فيريل للدراسات كل الخير والأمان للبنان وللعالم أجمع. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. الدكتور جميل م. شاهين. المهندس باسل علي الخطيب.