رسالة من صيدنايا إلى غبطة البطريرك الراعي. الدكتور جميل م. شاهين

عدد القراءات 412097 لستُ بصدد تقييم لقائكَ مع محطة معروفة التوجّه، أو بتحليل دوافعكَ لفتح النار على أكثر من جهة داخل لبنان، فهذا شأن داخلي لا أتدخل فيهِ. أمّا عندما يصل الأمر لسوريا والتحدث عن تدخل حزب الله فيها، فلي الحق بالتدخل يا غبطة البطريرك، وسأقدم لكَ شهادة ستوضّحُ لكَ بالتأكيد، الصورة الضبابية التي ربما “سوّقت” أمامك بسوق رخيص، وهذه بعض الحقائق التي غابت عنك:




  1. ماذا فعلت كنائسُ العالم ورجال الدين المسيحي للسوريين بشكل عام، ولمسيحيي سوريا بشكل خاصّ؟ بل ماذا فعلتْ بطريركيتكم لهم؟

  2. ماذا فعلتم يا رجال الدين المسيحي في العالم تجاه 38 ألف مسيحي استشهد في سوريا خلال السنوات الست الماضية؟ و 450 ألف مسيحي هاجروا أو هجّروا من سوريا إلى أصقاع الأرض؟ 43 كنيسة حرقت أو فُجّرت؟ 27 قرية تم احتلالها من قِبل الانفصاليين في محافظة الحسكة، وأخرى تمّ إجبار المسيحيين فيها على اعتناق دين داعش في الرقة ودير الزور وإدلب؟

  3. ماذا فعلتم يا رجال الدّين المسيحي في العالم تجاه المخطوفين من رجال الدين المسيحي في سوريا، أو الذين قُطعت رؤوسهم، وعلى يد عصابات يموّلها أصحاب المحطة التي أدليتَ فيها بدلوك، ويدعمهم زعماء الحرب في لبنان؟ ماذا فعلتم تجاه 11040 إرهابياً، وحسب إحصائية مركز فيريل للدراسات، جاؤوا من لبنان ويقاتلون الشعب والجيش السوري؟

  4. حتى الشجب والاستنكار والاستهجان، أصبحتم أوهن من أن تتفوّه به حناجركم الرنانة بخطبة الآحاد، وكُمّتْ أفواهكم عن قول الحقيقة.

  5. ماذا فعلتم تجاه عشرات المدن والقرى المسيحية التي احتلت، أو حوصرت، أو مازالت حتى اللحظة تتعرض للقصف بالصواريخ والهاون من قبل إرهابيي تيار مستقبلكم؟ ماذا فعلتم لـ معلولا، ربلة، السقيلبية، محردة، تل تمر، تل شميرام، خبب، القريتين، الغسانية، صيدنايا، القصير، حلب، حمص…؟

  6. رجال حزب الله هم الذين دافعوا عن مسيحيي القصير وربلة وغيرها، وهم الذين كانوا يخاطرون بحياتهم ويوصلون الطعام والماء لهم، وسط حصار من إرهابيي لبنان الذين أرسلهم أحبابك. 

الشيء الوحيد الذي فعلتموه يا رجال الدين المسيحيّ في العالم هو تشجيع هجرة المسيحيين لتفريغ سوريا منهم، وفق تعليمات أسيادكم، ولم تستقبلوا مسيحياً عن طيب خاطر في كنائسكم، بل كانت الأفضلية لأصحاب الذقون العفنة، وكنائس أوروبا تشهد، ونحن أبلغُ الشاهدين…

صيدنايا تفيدكم بالتالي إن كنتم لا تعلمون:

يعيش أهالي صيدنايا منذ عشرات السنين بإخاء وودّ مع كافة القرى المحيطة، في عهد “الديكتاتورية” كما تسمونه. وعهد الديكتاتورية هذا، كان يسمح للمسيحيين أن يحتفلوا بأعيادهم داخل وخارج الكنيسة، وكانت حقوقهم الدينية مُصانة، وويل… ويل وألف ويل لمن يحاول أن يتحدث عن الطائفية أو يمس مسيحي على أساس ديني. الآن؛ في عهد “الديموقراطية”، انقلبت الآية 180 درجة، وعليكَ مهمة القلب…

فجأة، وبتوجيه من أحبابك وأحباب سلاطين الحرب في لبنان، وفي السعودية ودول العربان، وبعد وصول دفعة من أحباب قنواتكم الفضائية من شيوخ البول، الذين عملوا على بث الضغينة والفتنة وروح الشقاق بين الأشقاء، هنا استفاق قسم من سكان بعض القرى المجاورة لصيدنايا، وصاروا يتحدثون عن الدين… فجأة اكتشفوا أنّ أهل صيدنايا ليسوا مسلمين. مع وصول دفعات بالمئات من إرهابيي الفردوس الماجن، من السعودية والأردن والباكستان، ابتدأت سلسلة غارات على صيدنايا، والحجة: “مدفعية ودبابة تقصف هذه القرى من داخل دير صيدنايا”! وحجة ثانية: “دير صيدنايا لم يدفع الأتاوة في عهد الخلفاء الأمويين.”!!. وصدّق “المهابيل” هذا الكلام وما أكثرهم…

سبع غارات شُنّتْ لاحتلال صيدنايا، شارك بها المئات من الإرهابيين، ووصلوا إلى دير الشيروبيم، وإلى أطراف صيدنايا… مَنْ الذي صدّهم يا غبطة البطريرك؟ هل صدّهم تصريح جهنمي من رجال الدين؟ أم دافعت عنهم “الأمورة” فرنسا وابنها شارب الويسكي صاحب السكسوكة؟ أم ذاك الذي تعهد بحلق شاربيه وهو يقطف وردة من الحديقة؟ لا يا غبطة البطريرك…

في صيدنايا أسود ولبوات حملوا السلاح، وكانت النساء قبل الرجال تعتلين أسطحة المنازل، وتدافع عن الأرض والعرض والوطن، وكانت يد المسلم الصيدناوي بيد المسيحي الصيدناوي. قدّمت صيدنايا حتى اليوم 51 شهيداً، هل سمعتَ بذلك؟ 51 شهيداً يا غبطة البطريرك…

في محيط صيدنايا جيش أبيّ مُقدّس اسمه الجيش السوري، دافع عن 42 ديراً وكنيسة ومقاماً مسيحيّاً. وارتفع منه عشراتُ القديسين إلى جوار ربّ القوّاد.

وفي محيط صيدنايا، وتحديداً دير الشيروبيم يا غبطة البطريرك، رجال الله من حزب الله… أشاوسٌ استبسلوا في الدفاع عن أقدم دير في العالم، وجرت اشتباكات مباشرة مع الإرهابيين داخل الدير… وارتفع منهم عدة قديسين إلى جوار السيد المسيح.

الصورة لمدخل دير الشيروبيم. 

في صيدنايا امتزجت دماء المسيحيين والمسلمين في الدفاع عن الكنائس، وكما دافع حسين وأحمد عن الكنيسة، دافع طوني وجورج عن المسجد والمقام. هذا الإخاء من الصعب أن يعرفهُ مستشارك الذي كتبَ لك أجوبة المقابلة المأسوف على شبابها.

كما نُدينُ بالعرفان والجَميل لأسود صيدنايا الذين دافعوا عن ترابها، نُدينُ أيضاً بالعرفان لأبطال الجيش السوري، ولرجال الله في حزب الله… ونحنُ خيرُ مَن يصونُ الودّ ويقول الحقّ ويحفظُ العهد، ولا ينتظرُ رجال الدين المسيحي “ودشاديشه” كي تدافع عنه.

لكم دشاديشكم وصواني التبرعات ومقابلات الدولارات، ولنا الله وأسود صيدنايا الصامدين ورجالهُ الصادقين.

لكم شيوخ البول وأطفال السياسة وريالات الكياسة ووهابيات النجاسة، ولنا زندنا وسلاحنا ومحمدنا ومسيحنا.

غبطة البطريرك، وكافة رجال الدين المسيحي في العالم؛ شكر الله سعيكم، وتقبّل الباري دعائي لكم، وغفر المولى تقصيركم… نحن لسنا بحاجة إلا لشيء واحد… حلّوا عن سمانا…

الكاتب الدكتور جميل م. شاهين. 12.03.2017 مركز فيريل للدراسات ـ برلين