الإخوان؛ بين تركيا وإيران، فمَنْ سيحترق أولاً؟ زيد م. هاشم. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات.

ظاهرياً على الأقل؛ تُعيدُ تركيا تمركزها وتميل للحضن الروسي، بسبب المصالح التي تربطها بموسكو، أكثر منها بدول الناتو، وهذا أيضاً من مصلحة روسيا بعد أن كانت تركيا من أكبر القواعد العسكرية إبان الحرب الباردة التي تعملُ ضدّ الاتحاد السوفيتي، أي أنّ المصالح مشتركة بين الطرفين.

بدون شك فشل أردوغان في مشروع ربيع الإخوان المسلمين العربي، والضربة الكبرى تلقاها في سوريا، كما أنّ ورقتهُ احترقت أميركياً، فكان تدبير الانقلاب العسكري في تموز 2016، لكن الروس والإيرانيون ساعدوه على تخطي الأزمة.  وكل شيء له مقابل.

حاولت أنقرة العودة للحضن الأميركي، لكنّ الأمر لم يكن سهلاً واحتاج للمراهنة على الأمن القومي التركي بإنشاء دويلة انفصالية كردية على حدودها الجنوبية. رفض الأتراك وعادوا للحضن الروسي.

بين حضن وحضن يتنقلُ أردوغان بشعبية متأرجحة فوق أو تحت الـ50% بقليل، تزداد بين أوساط الإسلاميين وأهل الريف، فترتفعُ مع تحسّن الاقتصاد أو مع ازدياد الضغوط والتهديدات الخارجية، فيستغلها حزبهُ الإخواني لتأجيج الشعور الديني أولاً والقومي ثانياً.

أصبح سلطان تركيا عرّاب تنظيم الإخوان المسلمين العالمي، وأمير الحركات التكفيرية بمسمياتها، واستغل الانقلاب الفاشل للتفرد بالسلطة وقمع معارضيه، فسجن وطرد وأقصى مئات الآلاف من موظفي الدولة وأنصار حركة غولن، وأغلق وسائل إعلام وسجن صحفيين، أي بات ديكتاتوراً دون أدنى شك، لكنّه مدعوم من بريطانيا! وبريطانيا هي رأس الحربة ومعقل الإخوان وآل روتشيلد في العالم.

لماذا ترضخ تركيا لروسيا عسكرياً في سوريا؟

من الأسباب التي تدفعُ أنقرة للرضوخ لطلبات موسكو دون واشنطن عسكرياً على الأقل، التخلص من الخطر الكردي في الشمال السوري، والذي يستهدف أمنها القومي بالدرجة الأولى، هذا الخطر تدعمهُ الولايات المتحدة بكافة السبل.

روسيا تريدُ عودة سوريا لما كانت عليه قبل 2011 بعد أن باتَ وجودها العسكري أمراً مُسلّماً به من الجميع. وجود إرهابيين تدعمهم تركيا لا يُرضي موسكو، وعلى أنقرة التخلّص منهم، شاءت أم أبت. لهذا؛ ليس هناك توافق تركي روسي في العديد من النقاط، والحديث عن اتفاقية أضنة في زيارة أردوغان الأخيرة لروسيا، هو إشارة إلى أنّ الجيش التركي يُخالفُ هذه الاتفاقية، وليس كما ادّعى أردوغان.

المنطقة الآمنة شمال سوريا لا يوافق عليها طرفٌ سوى أنقرة. واشنطن وموسكو تعارضان لأسباب مختلفة، والشرط الروسي هو دخول الجيش السوري فقط.

كما قامت وتقوم أنقرة بنقل عناصر مختارة من المنظمات الجهادية بمختلف أسمائها إلى تركيا، تُشكّلُ فيها جيشاً رديفاً لحماية السلطان ونظامه، ضد الجميع، فإن حاول أحد اسقاطه، ستحدث فوضى في تركيا تهدد العالم بأجمعه. الجيش هذا غير قريب من قصور السلطان، بل ينتشر على الحدود لمهاجمة الانفصاليين الأكراد إن لزم الأمر. باقي الإرهابيين إمّا أن يتمّ التخلص منهم أو يتم توزيعهم على دول معينة؛ أفغانستان. الصين. ليبيا. إفريقيا. سيناء تمهيداً لدخول مصر.

ما جرى ويجري في قطر هو وجه آخر لتركيا، فالدوحة معقلٌ من معاقل قيادات الإخوان، وارتباطها الوثيق بأنقرة يسمح لهم بالتنقل بين العاصمتين، أو النفي عند الحاجة السياسية. الحال هذا معمّمٌ على دول المنطقة، حيث تستقبل تركيا قادة إخوان مصر وسوريا والخليج المطرودين.

أي تركيا تجمعُ العقارب في جحرها وعليها أن تتحمل اللسعات إن حاولت الخروج من تحت العباءة البريطانية. العقارب تلك جمعتها أنقرة لمواجهة حلف الوهابيين في السعودية والإمارات، والصراع بين الحلفين قائم…

أين إيران من هذا الصراع؟

بدأت إيران تتحالف مع تركيا، كونها المستهدف الأساسي ضمن خطة حلف الناتو العربي الأميركي، بهذا التحالف تتجنب حشرها في الزاوية، وتعمل بحرية أكثر داخل تركيا، لكنّ الإخوان المسلمين كمين خطير لطهران، سيجعلها بأقل خطأ إرهابي يُنسبُ إليها، هدفاً مشروعاً للناتو، الذي لن يُحارب مباشرة بل سيوعز لدول الخليج ومصر بحرب الوكالة.

مما لاشك فيه أنّ عناصر الإخوان والتنظيمات الإرهابية باتت في الداخل الإيراني، سواء جاءت من سوريا أو العراق مباشرة أو عبر تركيا وأفغانستان، ليكونوا خلايا نائمة بانتظار ساعة الصفر.

 المعارضة الإيرانية تتحرّكُ، ومؤتمر وارسو القادم سيحدد نوع الإجراءات التي ستُتخذ ضد طهران، بعد أن تبيّن أنّ العقوبات الاقتصادية غير ناجحة كما أن تحريك المظاهرات كان محدوداً… فهل سيكون تحركاً عسكرياً أم سنرى مظاهرات وعمليات إرهابية أوسع

تصل خطة الإخوان إلى غزة التي يحكمونها فعلياً عبر منظمة حماس. المخيمات التي نُصبت في أوائل 2017 في سيناء، بقيت خالية. هذا يذكرنا بما حدث في بداية الأزمة السورية حيث تم إعداد مخيمات في الأردن وتركيا!! كان الغرض من هذه المخيمات في سيناء هو تهجير أهل غزة، بعد هجوم إسرائيلي واسع على قطاع غزة، هنا ستتدخل تركيا وإيران وسيتم اتهام دول حلف آل سعود كسبب رئيسي لما يجري، سبب يُفاقمُ قضايا الخلاف المتراكم بينهم، لتبدأ مرحلة جديدة من الفوضى الخلاقة في المنطقة، تحقق فيها واشنطن مصالحها. الهجوم الإسرائيلي لم يتم بسبب ضعفٍ فيه ومخاوف من تكرار قصف حافلات ومركبات إسرائيلية، أي أنّ خسائر إسرائيل ستكون كبيرة…

علاقة إيران بالإخوان المسلمين خطيرة، وبالتأكيد تعي إيران هذا الخطر، لكنها ربما تراهنُ على وضع تركيا المتأزم داخلياً، وكون الانفجار رهين الزمن… ففي حالة الغدر، يمكن أن تشتعل تركيا بحروب داخلية تجعلها بركاناً ملتهباً، لكن هل سيبقى الداخل الإيراني صامداً أمام غدر الإخوان؟

ماذا عن سوريا؟

على سوريا أن تتخلّصَ من المجموعات الإرهابية، بكافة السبل، وتحرر أراضيها كاملة دون مفاوضات مع انفصاليين أو “إرهابيي المصالحة”… المهم أيضاً… أن تتخلّص من الإخوان المسلمين المتسترين بثياب الحملان والمندسين بين صفوف المسؤولين، عندها ستكون واحة من الأمن والرخاء في صحراء قاحلة ملتهبة، تسودها دول متصارعة وحروب طاحنة، إعادة بناء الجيش وأجهزة الدولة سيكون الضامن الأول لهذا الأمان، كما أنّ وجود روسيا كقوة عالمية ضاربة في مواجهة مخططات واشنطن، يبعدنا عن الفوضى، فموسكو لن تقبل أن تتعرض سوريا لأي خطر بعد ما فعلته للحفاظ على وجودها فيها. غير ذلك، ستبقى الحرب إلى ما لانهاية، حتى لو تمّ تحرير كامل التراب السوري، فلا فرقَ بين عقربٍ أصفر وعقرب أسود وعقربٍ يرتدي سترة وكرافة… الأستاذ زيد م. هاشم. تحرير وصياغة مركز فيريل للدراسات.