الإعلام السوري؛ ما لهُ وما عليه. تقرير مركز فيريل للدراسات من دمشق.

أسئلة بسيطة نطرحها قبل الخوض بملفٍ شائك من الملفات التي دأبنا على فتحها في مركز فيريل:

هل كان الإعلام السوري بشكل عام، بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهِ في زمن الحرب؟

هل ارتقى في تغطيتهِ لمستوى الحدث واستقطاب المشاهدين السوريين على الأقل، ومنعهم من النفور منهُ إلى قنواتٍ معادية، راحت تبثُّ سمومها دون منافسة تُذكر؟

هل جدّدَ إعلامنا بأساليبهِ القديمة التقليدية بما يواكب روح التطور التكنولوجي؟

إن طلبنا الإجابة جاءنا جوابان متناقضان، الأول: (رغم ضعفِ الإمكانيات والهجمة البربرية الشرسة على إعلامنا، فقد كانت تغطيتهُ جيدة.). الثاني: (لا. لم يكنْ إعلامنا على مستوى الحدث).

عندما نتحدثُ في مركز فيريل للدراسات عن وزارة أو هيئة رسمية ما، نكونُ قد دخلناها وتقصّينا ما يدورُ بها، وأخذنا آراء المواطن السوري على اختلاف مشاربه، قبل نشرِ أي تقرير، واليوم دور وزارة الإعلام، وهي وزارة تعادل أهميتها التعبوية والجماهيرية وزارة الدفاع، فأين إعلامنا مما جرى ويجري؟ لهذا سنظهرُ الجوانب السلبية والإيجابية، ننتقدُ والردّ المطلوب هو التطوير و “العصرنة” إن لم يكن الانقلاب الكامل، ولن ننتظر دفاعاً من أحد. وننوّهُ أننا استطلعنا رأيّ المواطن السوري ولسان الإعلامي السوري الحرّ أيضاً.

إحصاءٌ بسيط قام به مركز فيريل بعيّنة من 1200 شخص، وجد أنّ 86% من السوريين لا يشاهدون معظمَ برامجنا، البرامجُ الأكثر مُشاهدة هي التي تتعلّقُ بالحرب ونتائجها، وبعض المُسلسلات الرمضانية السورية، أمّا البرنامج الوحيد الذي يستقطبُ القسم الأعظم من المشاهدين هو (بيان الجيش العربي السوري)، وكانت المفاجأة أنّه حتى المعارضين السوريين يعتبرون هذا البيان الأكثرَ صدقاً، والجيش السوري لا يكذبُ في بيانه… واحتلت قناة الإخبارية السورية المركز الأول في المشاهدة بالنسبة للقنوات السورية.

المؤتمر الإعلامي الوطني الأول

تحت عنوان “استراتيجية إعلامية جديدة”، عُقد المؤتمر الإعلامي الوطني الأول برعاية وزارة الإعلام بالإضافة إلى العديد من المؤسسات الداعمة؛ المؤسسة العربية للإعلان، مركز مداد للأبحاث والدراسات، مؤسسة كريم قباني التجارية.

استمر المؤتمر على ثلاثة أيام، وكان من المفروض أن يشهد اليوم الأول كلمة للسيد وزير الإعلام المهندس رامز ترجمان، إلا أنه اضطر للتغيب بسبب الاجتماع المفاجئ للقيادة القطرية. اليوم الأول كان السبت 22/4/2017، وتضمن ثلاث محاضرات، الأولى بعنوان “حق المواطن في الإعلام” و المحاور هو الإعلامي نضال زغبور، المحاضرة الثانية بعنوان “النخب و الإعلام” المحاورة الإعلامية ربى الحجلي، المحاضرة الثالثة كانت لقاء مفتوحاً مع الدكتور علي حيدر وزير المصالحة الوطنية و المحاورة الإعلامية “أليسار معلا”.

 اليوم الثاني 23/4/2017 تكوّن من أربع محاضرات، الأولى بعنوان “الحرية و الإعلام، المرجعيات و الرؤى” المحاورة الدكتورة نهلة عيسى. والمحاضرة الثانية بعنوان “دور المؤسسات في صناعة الرأي العام” و المحاورة “هدباء العلي”، والمحاضرة الثالثة بعنوان “الإعلام الوطني و الخاص” و المحاورة “هناء الصالح”. أمّا الرابعة فكانت لقاء مفتوحا مع الدكتورة بثينة شعبان، المستشارة السياسية و الإعلامية حوار “رائدة وقاف”.

اليوم الاخير من المؤتمر كان محاضرة بعنوان “الثقافة و الإعلام” حوار أسامة شحادة، والمحاضرة الثانية بعنوان “البعد الديني في الإعلام” لوزير الأوقاف الدكتور محمد عبد الستار السيد، المحاضرة الثالثة بعنوان “المرأة و الإعلام” حوار أنسام السيد، والمحاضرة الرابعة كانت لقاءً مفتوحا مع الدكتور فيصل المقداد نائب وزير الخارجية بعنوان “الدبلوماسية في الإعلام”.

رأي الإعلامي الحرّ والمواطن بالمؤتمر

طرح المواطن والإعلامي الحرّ قبل بدء المؤتمر على أنفسهم سؤالاً واحداً: (هل سيكون ما قبل المؤتمر إعلامياً، كما بعده؟). طرحوا السؤال ودخلوا قاعات المحاضرات بجرعة تفاؤل زائدة.

الجرعة الزائدة بدأت تتبخرُ منذ الجلسات الأولى، فالنقد لم يكن على مستوى المشكلة، والجميع كانَ “حنوناً” جداً في الانتقاد بحجة عدم التسبب بإحراج القائمين على المؤتمر!

طرحت العديد من الأفكار منها: حقّ المواطن في الإعلام، كما جاء في إحدى المحاضرات، والسؤال: “أليس من الاجدر أن نقول و نتحدث عن حق الإعلامي السوري في الإعلام، أليس  للإعلامي السوري الأحقية في أن يكون متميزاً، دون أن تتسبب الشاشات السورية في تشويه صورة هذا الإعلامي؟

السؤال الخطير الذي يحتاج لجرأةٍ وصدقٍ في الإجابة عليه:

(لماذا يسطعُ نجم الإعلامي السوري عندما يذهبُ إلى فضائية أجنبية؟)

 

تهجير الإعلاميين والنُخب الإعلامية

 تحدّثَ الدكتور عماد فوزي الشعيبي حول هذا الموضوع، عارضاً رؤيته الخبيرة من خلال سلايدات تتحدث عن منحني Gaussian، الذي يقسم الناس من ناحية الذكاء لمستويات عديدة. كما  تحدّث عن النخب التي اضطرت للهجرة لأن المكان لم يعد مكانها، مستشهدا بقول محيي الدين بن عربي، شيخ المتصوفين الأكبر: “المكان الذي لا تتبوأ فيه مكانتك لا يعول عليه أبداً”، ذاكرا أن الدليل على ذلك هو أنك عندما ترحلُ إلى بلد آخر يحاول استقطابك و إعطاءك جنسيته كي تنتمي إليه، مستشهدا بكثير من الأمثلة التي تدل أنه في البلدان المتقدمة تحاول الحفاظ على الأقليات كي لا تهاجر، فإذا تقدم إلى وظيفة حكومية في هذه البلدان شخصٌ من الأقليات و شخص آخر من الأكثرية، فإن الدولة توافق على الأقلية كي تحافظ عليه، بينما في بلدان العالم الثالث الأمر على العكس تماماً:

(نحنُ نهجّر النخبَ، و بعد ذلك نبكي عليها أو نخوّنها).

قيلَ في المحاضرة: من المعيب أن نحاسب الذين لجأوا إلى الإعلام غير الوطني، لأنهم وجدوا في ذلك الإعلام مكانة لهم، خاصة و أن الإعلام السوري يُعاني من ديكتاتورية الرأي. هنا هبّ إعلاميون اعتادوا الحديث عن الوطن و التراب و التضحية والفداء و… صاحوا: الوطن ليس مصلحة، الوطن هو الأخلاق وشرف.

 من ردود الدكتور عماد فوزي الشعيبي: (المخ نصفان؛ النصف الأيمن يفكر بالعاطفة، و النصف الأيسر يفكر بالعقل، لم ألغِ العواطف لكن الأساس المصلحة و لا أقصد بالمصلحة المنفعة المادية)، وأوضح أن النخب لم تكن تحب الجلوس في قصور أو أبراج، بل إنها ترى المشهد من بعيد من فوق، وتفكر خارج الصندوق، وهناك مَن يغرقون في التفاصيل والأوراق، لا يرون المشهد كما تراه النخب، لذلك فإن الدولة بحاجة إلى تلك النخب و يجب ألا تستغني عنها، كما أنّ من يغرق في التفاصيل و الأوراق يحتاج إلى من يشاهده من الأعلى.

تحدثت إحدى الأسيرات المحررات، مع وزير الإعلام، حول معاناة الأسرى المعتقلين لدى المجموعات المسلحة في الغوطة،  و غياب الإعلام في تسليط الضوء على أولئك الأسرى، وذكرت أنها خرجت من خلال تبادل أجرته الدولة السورية مع المسلحين، مشيرة إلى أنها بقيت قرابة السنتين في الأسر تعرضت لمختلف أنواع التعذيب، وهناك قرابة 1200 أسير فقدوا من عدرا العمالية وحدها.

في مداخلات أخرى، تمّ الحديث عن وجود هامش كبير من الحرية في الإعلام السوري، والمسؤولية الإعلامية، والخطوط الحمراء… ونقاش آخر دار حول الثقافة و الإعلام، حيثُ اعتبر بعضُ رؤساء تحرير المجلات والصحف الرسمية السورية، أنّ الصفحات الثقافية تلبي طموحات الكثيرين.

في محاولة من إعلامية فضائية الميادين ديمة ناصيف، للتحدث عن سبب نجاح الميادين، كي تفيد الإعلام السوري من تلك التجربة، جابهتها مديرة الجلسة، بتذكيرها بالموضوع الاساسي للجلسة و هو “المرأة و الإعلام”.

 

رأي مركز فيريل للدراسات بالإعلام السوري

الإعلام السوري يعنينا في مركز فيريل للدراسات، كون نصف العاملين في المركز تقريباً، يحملون الجنسية السورية ويعمل قسمٌ منهم في سوريا كإعلاميين، سنقولُ ما للإعلام السوري وما عليه.

  • كافة القنوات الفضائية الحكومية في العالم، تقليدية ولا يُشاهدها جمهور يتجاوز 20%، بما في ذلك هنا في ألمانيا، فالقنوات الرسمية مُملة وتقليدية و”عابسة”.
  • قصّرَ الإعلام الرسمي السوري في تغطية الأحداث في سوريا، ولم يرقَ لمستوى الحرب التي يخوضها الجيش السوري، وفي صناعة الحدث، فكان إعلاماً مُستقبِلاً مُنفعلاً، تحصّنَ في موقع دفاعي، ولم يُبادر إلى الهجوم حتى اللحظة. كرّسَ وقتاً كبيراً لدحض الأكاذيب والتضليل الإعلامي، وانشغلَ بما تقوله الفضائية كذا والصحيفة كذا. واعتمد أحياناً وللأسف على قنوات فضائية أخرى، لينقلَ ما يجري فوق الأرض السورية!
  • هناك قائمة سوداء، وهذا ليس بسرّ، ممنوعة من الظهور على شاشات الفضائيات السورية الرسمية والخاصّة، من كبار المحللين والنُخب السورية، صاحبةُ فكر مُعاصر ورأيّ يُحترم، وبدون ذكر الأسماء التي نعرفها جميعاً… بالمقابل؛ اعتمدت الفضائيات السورية منذ بداية الأحداث على وجوهٍ مُحددة، مع احترامنا للكثير من المحللين السياسيين الذين ظهروا على الفضائيات السورية، قسمٌ كبيرٌ من هؤلاء غير سوري، في تحليل ما يجري، حتى باتت البرامج السياسية نسخة طبق الأصل. فتقوم الفضائيات الرسمية والخاصة باستقبال ضيفٍ ما، لينتقل في اليوم التالي إلى الفضائية الأخرى، حتى يملّ المشاهد منه و… تحترقُ ورقةُ هذا الضيف…
  • تحوّلَت المهنة الإعلامية من حالة إبداعٍ، إلى عملٍ وظيفي إداري، يُقدّم فيه الإعلامي تقريرهُ وينتظرُ نهاية الشهر ليستلمَ راتبَهُ.
  • من خلال تجربتنا في مركز فيريل للدراسات، ومن خلال ملفات الفساد التي طرحناها، وما تلاها من قصّ أيادي قسمٍ من الفاسدين، وكلمة حقّ تُقال: (في الإعلام السوري هامشُ حرية لابأسَ به، لكن لا يتمُ استغلالهُ بسبب خوفٍ زُرِعَ في نفوس بعض الإعلاميين، ناتج عن تجاربَ سيئة لزملائهم، وهذا صحيح ونتفهمهُ.). خاصة الإعلاميين المرتبطين بوظيفة يتم فصلهم بسبب تقرير ضدّ مسؤول ما، وقد حصلَ. لكننا نتحدّثُ هنا عن الإعلام الحرَ غير المرتبط بجهة ما ونحنُ منهُ.

  • لا يوجد إعلامٌ غير موجّهٍ في العالم، وتعبير “حرية الإعلام” كذبةٌ كبيرة، فلكلّ إعلام بما في ذلك الدول التي تدّعي الديموقراطية، خطوطٌ حمراء، فمثلاً: (لا يمكننا في ألمانيا قول كلمة لصالح هتلر أو التشكيك بالمحرقة، أو وضع صورة للسيد حسن نصر الله!)، بالمقابل يمكننا وضع صورة لأسامة بن لادن أو البغدادي! فأين هي الحرية الإعلامية؟ ونحن، بناءً على الخطوط الحمراء الموضوعة لنا في مركز فيريل سواء في ألمانيا أو في الولايات المتحدة، نتفقُ مع وضع خطوط حمراءَ في الإعلام السوري وهي ثلاثة: الجيش السوري، العَلَم السوري، مقام رئاسة الجمهورية، وما دون ذلك فهو قابل للنقد، هذا ليس معناه أنّ الحرية في الإعلام السوري رائعة، هي بحاجة لتوجيه، وهناك ديكتاتورية إعلامية طبعاً.
  • وقف الإعلام السوري عاجزاً عن استغلال كافة عمليات الخطف والمجازر التي ارتكبها الإرهابيون بحق المدنيين السوريين، في عدرا وريف اللاذقية وقصف التحالف لمدنيي الرقة ودير الزور، وحتى المجزرة الأخيرة بحقّ أطفال الفوعة وكفرايا. ولا يكفي أن نبثّ برنامجاً عنها، أو نوجّهَ تقريراً للأمم المتحدة.
  • بالنسبة للمؤتمر الإعلامي الوطني الأول، كان عنوانهُ “نحو استراتيجية إعلامية جديدة” رائعٌ، والديكور مناسب، كما أنّ هندسة الصوت كانت جيدة… بالنسبة للحرية واستراتيجية العمل ومواجهة الشارع السوري، فيبدو أنّ هذا كانَ أمراً ثانوياً. باختصار: (المؤتمر انعقدَ، كي ينعقدَ) والسلام.
  • مقولة (ضعف الإمكانيات)، لا نريد سماعها من مسؤول سوري حول الإعلام، الفيس بوك سيّدُ الموقف الآن، وميزانية صفحة كبيرة عليه هي 0 دولار، ويمكن لصفحة أن تُحرّكَ الشارع أو تنشر إشاعة تشغل الملايين.

ختاماً: بكلّ مودة نقول؛ شَهدَ الإعلام السوري تطوراً محدوداً مقارنة بباقي الدول، خاصة الإعلام الخاصّ. وهو بحاجة للمزيد… بحاجة للمزيد من التطوير والعصرنة والانفتاح، وليس لمؤتمرات ومؤتمرات، ومديحٍ من المنتفعين. بحاجة للتنوع والخروج من القوالب الجامدة، والتخلي عن مبدأ (حريتك على قدر مسؤوليتك)، فإن كنتَ مسؤولاً يمكنكَ انتقاد الآخرين، أمّا إن كنتَ مواطناً عادياً، فلا يحقّ لكَ انتقاد زوجتكَ.

فلتظهر كافة أطياف الشارع السوري على الشاشات، طبعاً ضمن الخطوط الحمراء التي ذكرناها، وليقولوا ما شاءوا، فهذا خيرٌ من أن يظهروا على شاشاتٍ معادية فيلقنوا تلقيناً، ويكون دور الإعلام هو الدفاع ثم الدفاع. ارفعوا يا أيها المسؤولين أيديكم عن القائمة السوداء، ولتظهر على الفضائيات النُخبُ السورية الممنوعة من الظهور لأنها لا توافق مزاجكم “المُعكّر”، نُخبٌ وطنية لم تبعْ سوريا كغيرها، وبقيت وسائل التواصل الاجتماعي ساحتها الوحيدة الفاعلة…  

لتكن وزارة الخارجية وما يقوم به الدكتور بشار الجعفري قدوةً لوزارة الإعلام، وإلا فقد تمّ الاستغناء عن هذه الوزارة في كثيرٍ من الدول المتطورة…

يشكر مركز فيريل للدراسات فريقهُ العامل في دمشق، وكل مَن شارك بإعداد هذا التقرير. مركز فيريل للدراسات ـ برلين. 29.04.2017.