الاستراتيجية الأمريكية لإنهاء الحرب في سوريا.

الدكتورة ماغي صعب. (آرام بريس). الاستراتيجية الأمريكية لإنهاء الحرب في سوريا وفق المصالح الصهيو-أمريكية  (حسب  مركز الأمن الأمريكي الجديد CNAS) نشر في حزيران 2017

ذكرنا في الحلقة الأولى أهمية هذه الدراسة الصادرة عن مركز الأمن الأمريكي الجديد CNAS  في حزيران الماضي، والتي تمثل المخطط الأمريكي الذي تسعى إليه الإدارة الأمريكية الحالية في سوريا،  وذكرنا أنّ مركز CNAS يحتلّ موقع الصدارة الآن في واشنطن، بين مراكز الأبحاث الأمنية والسياسية، رغم حداثة عهده (عشر سنوات مرت على نشأته )، يمكن اعتبار هذا المركز بمثابة اللوبي العسكري الصناعي الضاغط على الإدارة الأمريكية، بغض النظر عن اسم الرئيس، ويتلقى الدعم من كبار رجال الأعمال وكبرى المؤسسات والشركات الأمريكية، ومؤخّرًا تمّ دعمهُ من اليابان و”إسرائيل” وتايوان… وضعنا في الحلقة الأولى نبذة عن  مؤلفي هذه الدراسة في CNAS : كل من COLIN H. KAHL , ILAN GOLDENBERG  , NICHOLAS A. HERAS  واختتمت الحلقة الأولى بنبذة حول برنامج الأمن في الشرق الأوسط التابع لمركز الأمن الأمريكي الجديد CNAS

 

مركز الأمن الأمريكي الجديد (CNAS):

مؤسسة بحثية مقرها واشنطن، أنشئت عام 2007 من قبل ميشيل فلورنوي وكورت كامبل م. تتخصص في قضايا الأمن القومي الأمريكي. في حيثيات تشكيل هذا المركز وللإضاءة على ظروف نشأته،  نذكر أنّ ظروف تأسيسه جاءت خلال الورطة الأمريكية في العراق، حين كان الجنرال ديفيد بترايوس يواجه مقاومة وطنية مسلحة، لم يكن يتوقع المحتل أن تكون على هذا المستوى من الاقتدار والتنظيم، بدأت في زمن قصير نسبيا بعد الغزو وانتشرت بسرعة، وأدت لإرباك الأمريكي و إلحاق الخسائر البشرية به ونشر الذعر في صفوف جنوده.

 توصّل الجنرال بترايوس في أواخر عام 2006، بمساعدة كل من مدير الاستخبارات الوطنية في ذلك الحين والسفير السابق في العراق جون نيغروبونتي، علما أنه شغل في الثمانينيات منصب سفير في الهندوراس، والجنرال ديفيد كيلكولن، إلى اتخاذ القرار بتكوين مجموعة سنية، مهمتها مهاجمة الشيعة، ومجموعة أخرى شيعية، تهاجم السكان السنة، بما يفضي إلى أن يتحول العراقيون للاقتتال فيما بينهم، بدلا من محاربة قوات الاحتلال. من أجل هذا الهدف استدعى نيغروبونتي الكولونيل جيمس ستيل، الذي سبق أن أدار هذا النوع من العمليات خلال الحرب في هوندواراس، كي ينشئ الإمارة الإسلامية في العراق… ونتج عن ذلك لاحقا عام 2014، إدخال الطريقة النقشبندية، لتأسيس الخلافة الإسلامية على طريقة الملّة التركية.

بدافع من تجربة العراق القاسية، كانت الحاجة ملحّة لمركز بحثي يدرس المعطيات ويعطي التوصيات ويرسم الاستراتيجية المناسبة، بحيث لا تقع المفاجآت أثناء التنفيذ. يتم التمهيد دوماً وتهيئة الأوضاع لضمان النجاح…  يعرّف مركز الأمن الجديد نفسه بأن مهمته (وضع سياسات الأمن والدفاع الوطنية القوية والعملية والمبادئ التي تعزز وتحمي المصالح والقيم الأمريكية.) يركز CNAS على الإرهاب والحرب غير النظامية، ومستقبل الجيش الامريكي، وظهور آسيا كمركز قوة عالمية بالإضافة إلى الانعكاسات الأمنية القومية لاستهلاك الموارد الطبيعية.

بناءً على خبرة وتجربة باحثيه، يُقدم المركز لصنّاع القرار والخبراء والرأي العام في الولايات المتحدة، دراسات مميزة وأفكاراً وتحليلات من أجل صوغ نقاش الأمن القومي وتطويره. الجزء الأساسي من مهمة المركز هو إعلام وإعداد قادة الأمن القومي لما سيحصل في الوقت الحاضر والمستقبل.

في الصورة مادلين أولبرايت وهيلاري كلينتون في مركز الأمن الأميركي الجديد

نشرحُ في الحلقة الثانية هذه، الخلاصة  التنفيذية للمخطّط الأمريكي القذر في سوريا حرفياً، كما وردت في الاستراتيجية الأمريكية، ونخص الحلقات القادمة للتفصيل في الاستراتيجية حسب المناطق المختلفة في سوريا، كما جاء في هذه الدراسة.

لا يمكن التغلّب على الخصم ومنعه من تحقيق أهدافه دون معرفة كيف يخطط وكيف يفكّر.

قبل الانتقال الى حرفيّة النص المطلوبة مهنياً، نعتذر سلفاً  للأخوة القرّاء عن المصطلحات الاستعماريّة الواردة فيه، والتي سنضعها دوماً بين قوسين تعبيراً منا عن عدم قبولنا بها…

الدراسة الأميركية

(الخلاصة التنفيذية للاستراتيجية الأمريكية في سوريا لوقف الحرب الأهلية)

طبعاً ما يجري في سوريا ليس حرباً أهلية أو طائفية أو إثنية، بل حرب على سوريا…

  • على الرغم من تصريحاته القاسية، فان بواكير أعمال ادارة ترامب في العراق وسوريا تبدو بأنها منسجمة بشدة مع المقاربة التي كانت تتبعها إدارة سلفه أوباما، ستستمر الولايات المتحدة على العمل مع ومن خلال الشركاء المحليين في سوريا، من أجل الحاق الهزيمة  بالدولة الإسلامية في العراق والشام (ISIS)  وتدميرها، والتي أعلنت عن نفسها دولة خلافة، وإدارة عمليات مضادة للإرهاب ضد القاعدة وحلفائها في سوريا، والتقليل من التورط  الأمريكي في غرب سوريا حيث الجزء الأكثر تعقيدا من الحرب، وللتأكيد أكثر؛ فان هناك بعض التغييرات ذات أهمية في مواجهة داعش، والإدارة الجديدة تنوي أن تتحمّل مخاطر أكبر وأن تضع القوات الأمريكية بوضع أقرب للقتال، في كل من العراق وسوريا، وهي بذلك تستعمل نبرة أقل شدّة بكثير (في مواضيع المساعدات الإنسانية وإعادة  البناء وفي تقديم المعونة الاقتصادية في المناطق المحرّرة من سيطرة داعش) مقارنة بإدارة أوباما،  والأكثر من ذلك فإن قرار الرئيس ترامب بتوجيه ضربات بقذائف كروز على القاعدة الجوية في الشعيرات كرد على الهجوم بـالأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في 4 نيسان كان تطورً مهمّاً.
  • على النقيض من قرار الرئيس أوباما في 2013، الذي اتّبع نهجا دبلوماسيّا تلى” الاستعمال السابق للأسد للغازات السامة المميتة”، ومع ذلك وبرغم الاضطراب في اللغة الخطابية  لموظفي ادارة ترامب، فانّ قرار ترامب بتوجيه الضربة يشكل محاولة للإشارة لـ “ردع الأسد مستقبلاً عن استعمال السلاح الكيماوي” أكثر من أن يكون تغييراً جوهرياً  استراتيجياً في السياسة تجاه الأسد  أو في الموقف من الحرب السوريّة.
  • بشكل جوهري؛ التحدّي الأكبر الذي تواجهه إدارة ترامب في سوريا، هو نفسه الذي واجهته إدارة أوباما: (كيف يمكن إنهاء الحرب الأهليّة المدمّرة التي كانت السبب لكثير من المشاكل النابعة من سوريا والعراق على مدى السنوات الست الماضية؟).
  • في الواقع؛ فانّه فقط من خلال اتفاق بالتفاوض ينهي الصراع، يمكن للولايات المتحدة أن تحقق أهدافها الجوهرية في سوريا، بالقضاء على ملاجئ ISIS  والقاعدة  وحماية شركائها في الشرق الأوسط وأوروبا من  انتقال الأخطار عبر المقاتلين الأجانب وموجات اللاجئين.
  • لقد تجزأت سوريا لمناطق سيطرة متعددة ومتباينة، يسيطر عليها لاعبون محليون مختلفون وتتأثر كل منطقة  بقوى خارجيّة متعددة. وقد فوّت المجتمع الدولي لسنوات عديدة إطاراً لتخفيف حدّة الصراع السوري وتسويته، إلا أن التطوّرات الأخيرة على أرض الواقع أتاحت فرصة للتحرّك نحو وضع نهاية قابلة للاستدامة. لقد تفتّت سوريا إلى عدة “مناطق سيطرة” متميزة، تخضع كل منها لجهات محلية مختلفة وتأثرت بشدة بسلطات خارجية مختلفة، بما في ذلك منطقة نفوذ أمريكية متنامية في شمال وشرق سوريا في المناطق المحرّرة من داعش. وقد وفر هذا التقسيم الأساس للوقف المؤقت للأعمال القتالية، التي توسّطت فيها روسيا وتركيا وإيران والتي خفضت على الأقل العنف في بعض المناطق.
  • مع الدبلوماسية المذهلة، قد تكون إدارة ترامب قادرة على الاستفادة من النفوذ الأمريكي المتنامي في الأراضي التي كانت تسيطر عليها داعش سابقا للتوسّط لوقف وطني أوسع لإطلاق النار، وأخيرا التوصّل إلى حلّ سياسي تفاوضي. هذا الخيار التفاوضي سيؤجّل مسألة “مصير الأسد “، ولكنه سيجنب تفكّك الدولة السوريّة ويؤدي إلى تهدئة الصراع من خلال نظام حكم ينقل معظم السلطة خارج دمشق…
  • تشمل أكبر التحدّيات في التفاوض على وقف إطلاق النار والاتفاق السياسي، الذي يعتمد على السيطرة في أماكن التوتّر، ويتضمّن إزالة التوتّرات في هذه المناطق، ووضع آلية لتنسيق عمليات مكافحة الإرهاب ضد الجماعات التي لا يشملها وقف إطلاق النار، من أجل التوصّل إلى تسوية سياسية حيث لا مركزية للسلطة، ولكن يترك “نظام الأسد” قائما. إذا اتّبعت إدارة ترامب النهج الموصوف هنا، فإن المهام الحاسمة تشمل ما يلي:
  1. إبرام اتفاق بين الحلفاء الأتراك والأميركيين والشركاء الأكراد لمواصلة الزخم ضد داعش، مع إرساء أسس السلام والاستقرار على المدى الطويل في شمال سوريا.
  2. إنشاء آلية لتنسيق مكافحة الإرهاب مع روسيا، تتجاوز الجهود الحاليّة لتفادي النزاعات، بينما تصرّ على الظروف التي تغيّر نهج موسكو في العمليّات العسكريّة وتقيد “الأسد والجماعات المدعومة من إيران”.
  3. جذب إيران في الحصول على دعم طهران لإلغاء التصعيد ولإطار اللامركزية، وتقليل احتمالات سوء التقدير العسكري بين الولايات المتحدة وإيران.
  4. تأمين الدعم من “إسرائيل” وشركاء أمریکا الخلیجیین، من خلال تعزيز الجھود للرد علی إیران في أماكن أخرى في المنطقة.

 إلى هنا نهاية النص الحرفي للخلاصة التنفيذية، تابعونا في الحلقات القادمة تتحدّث عن توزع أماكن السيطرة.. الإعلاميّة د. ماغي صعب / موقع آرام بريس (شبكة آرام بريس الاخبارية).

مركز فيريل للدراسات 05.08.2017