التهويل بانهيار سدّ الفرات خطة أميركية لتسليم الرقة لقسد. د. جميل م. شاهين

سبق وتحدثنا عن خطة ترامب في سوريا، وحذرنا منها في مركز فيريل للدراسات. تمّ الترويج للمشروع “الإعلامي” لتفجير سد الفرات من قبل الأمم المتحدة نفسها في منتصف شباط الماضي، والتي طبعاً اتهمت داعش بذلك، وحذرت من كارثة بيئية وإنسانية… اليوم عاد الحديث عن خطر داهم لانهيار سد الفرات لكن المتهم دائماً هو داعش! هذا إن حصل وانهار سد الفرات… ولكن.

تفجير جسم سد الفرات يحتاج لمئات الأطنان من المواد شديدة الانفجار، وحتى تفجير جزء منه، لا يعني انهياره كما يتم التهويل له، وإغراق عشرات المدن، وبارتفاعات خيالية للمياه، والبعض تحدث عن سرعة للمياه تتجاوز 120 كيلومتراً في الساعة. التفجير يحتاج لقنبلة نووية، والولايات المتحدة هي الأكثر خبرة بهكذا تفجيرات، وليست داعش. ونلفت النظر إلى أنّ بعض الأضرار التي أصابت جسم السد كانت نتيجة قصف طيران الولايات المتحدة بتاريخ 16 كانون الثاني 2017، وبشكل متعمد، لخلق هذه الشكوك…

الخطة ببساطة وحسب معلومات مركز فيريل للدراسات:

(خروج داعش من الرقة، وتسليمها للولايات المتحدة وعصابات “قسد”.)

الهدف تحقيق نصر “خزعبلي” إعلامي كبير، يسبقه نشر أخبار عن بطولات خارقة للانفصاليين ضد داعش بالتعاون مع الجنود الأمريكيين. نعرضُ عليكم الأهداف من كل هذه الحملة الإعلامية التي تجعلها حديث الساعة هذه اللحظات:

  1. إفراغ الرقة من سكانها الأصليين، حيث يتم نشر إشاعات أنّ داعش وعبر مكبرات الصوت، تطالب سكان الرقة بالهروب قبل انهيار السد، أي تسليم الرقة لعصابات قسد خالية، وهي عملية تهجير مفضوحة، سبق وقامت بها عصابات “هاغانا الانفصالية” في الجزيرة السورية، وفي شمال محافظة الرقة وحلب، فتم الترهيب من داعش، وعندما فرّت قطعان الإرهابيين، ها هي قسد الإرهابية تمنع سكان القرى من العودة إلى منازلهم… فما الفرق إذاً بين قسد وداعش؟!
  2. تمكين عصابات قسد من السيطرة على مدينتي الرقة والطبقة، وبالتالي السيطرة على سد الفرات، والتفاوض لاحقاً مع الدولة السورية، حول مشاريعها الانفصالية، وكون سد الفرات ضمن حدود دويلة “حالمة” للانفصاليين.
  3. تسويق الإدارة الأميركية الجديدة لنصرها للشعب الأميركي، خاصة وقد بدأت محاسبة ترامب عن 60 يوماً في الحكم، وعدم انجازهِ أيّاً من وعودوه الكاذبة. أي اشغال الداخل الأميركي عن فشل ترامب، بنصر “رامبو” في الرقة.
  4. تهجير سكان كافة القرى الواقعة على مجرى الفرات وصولاً إلى دير الزور وحتى البوكمال ولنفس السبب، لجعلها أيضاً ضمن حدود دويلتهم الاستيطانية، وذلك بنشر الإشاعات أن انهيار السد يعني غرق دير الزور، علماً أن وصول مياه سد الفرات إليها يحتاج لساعات، ولن يكون ارتفاعها خطراً على الحياة…
  5. جعل وجود الجيش الأميركي أمر واقع فوق الأراضي السورية، وتطوير هذا الوجود كي يصبح لغايات إنسانية بحتة، وكذلك عملاؤه من عصابات قسد، وتقديمهم كمحررين “أبطال” من داعش.
  6. إن دخول قسد والجيش الأميركي إلى الرقة، وهي أكبر معقل لداعش في سوريا، سيكون عند وسائل الإعلام الغربية أكبر انجاز ضد الإرهاب، وسترافقه حملات دعائية، بينما هو فيلم رخيص لا يصدقهُ سوى البسطاء من الغربيين. وسيكون هذا العمل أقوى بنظر الغرب وأعداء سوريا، من سنوات يحارب فيها الجيش السوري وحلفاءه الإرهاب، هي عملية سرقة النصر من صاحبه الحقيقي في الأمتار الأخيرة.
  7. حرف الأنظار عما جرى في دمشق، وجبهة جوبر تحديداً، والنصر السوري. وأيضاً عن هجوم آلاف الإرهابيين شمال ريف حماة. 

 

 

بسؤال مركز فيريل للدراسات لمهندسين ألمان أخصائيين ببناء السدود، حول ما يمكن أن يحصل لو انهار سد الفرات فجأة، جاءنا الجواب التالي:

  • سد الفرات هو ثاني السدود في البلدان العربية بعد السد العالي في مصر، ويعتبر من السدود العشرين الأكبر في العالم /المرتبة 15 عالمياً/ من حيث الضخامة.
  • يرتفع جسم السد في حده الأقصى إلى 60 متراً، وترتفع المياه في جسم البحيرة عن المجرى الذي يليه مباشرة بين 40 إلى 50 متراً. وكمقارنة يرتفع سد هوفر الأميركي 221 متراً، وترتفع مياه البحيرة 201 أمتار عن المجرى المباشر.
  • يقع سد الفرات ضمن منطقة منبسطة جغرافياً، ضعيفة الانحدار، وتبلغ زاوية الانحدار التضاريسية من 1 إلى 3%، بينما ينخفض مستوى المياه ضمن مجرى الفرات أقل من 1 متر/كلم، وبالتالي تكون سرعة المياه بطيئة.
  • بسؤال مركز فيريل للخبراء الألمان: في حال انهيار السدّ بشكل كامل، ماهي المدن المتأثرة به؟ كان الجواب: لا يوجد أي خطر على مدينة الطبقة، الخطر الحقيقي يقع على القرى الصغيرة الواقعة تحت مجرى النهر مباشرة، ولمسافة 30 كيلو متراً. بالنسبة لمدينة الرقة، إذا انهار سد الفرات بشكل كامل، سوف يصبح عرض نهر الفرات بين 9 إلى 16 كيلومتراً عندما يصل إلى المدينة، أي تتوزع المياه، وسوف يتشكل (خاتم الرقة)، فتحيط المياه بها، بينما تغمر جزءاً من أحيائها، وبارتفاع لا يتجاوز 2 متر فقط. لكن… ماذا بعد الرقة؟
  • الحديث عن أنّ دير الزور ستغمرها المياه، خيال علمي صرف، الذي يصل لدير الزور هو نهر الفرات في الربيع قبل بناء السد، وأهل دير الزور أدرى كيف يكون الفرات في نيسان. فيضان يغمر المنازل التي “اعتدت” على جسم النهر، والجزر الجديدة التي ظهرت نتيجة الجفاف، مع خطورة فيضان تطال المنازل القريبة من النهر. والأمر كذلك بالنسبة للميادين والبوكمال، فيضان موسمي كبير لنهر الفرات ليس أكثر. أي: لا خطر على دير الزور.
  • إنّ (خاتم الرقة) سوف يستوعبُ أكثر من 60% من مياه البحيرة، والباقي يتوزع على مجرى الفرات. ولن يكون هناك تهجير أو موت للملايين وصل إلى 3 ملايين حسب آخر مزاودة، والتهجير في حده الأقصى، سيطال حوالي 150 ألفاً ليس أكثر.
  • إغراق مدينة الرقة بـ 16 متراً من المياه يحتاج لـمياه 7 بحيرات بحجم بحيرة سد الفرات.
  • أخيراً أفادنا الخبراء الألمان أن تفجير جسم سد الفرات دفعة واحدة، يحتاج لقنبلة نووية بقوة تدميرية من 13 و 18 كيلوطن من مادة تي إن تي. أما الحديث عن تفجيره بعشرة أو عشرين طن تي إن تي، فهذا كلام غير علمي، وهو ترويج إعلامي لاتهام داعش، بينما المجرم الحقيقي هو الذي أوجد داعش وعصابات قسد، في واشنطن وأنقرة.    

ما يحصل الآن هو تدمير للبنية التحتية في سوريا بقيادة واشنطن، عن طريق تفجير داعش لعنفات توليد الطاقة في سد الفرات، وتدمير الجسور وغيرها. وهذا بحد ذاته جريمة حرب أميركية.

نعم، هناك احتمال ضعيف أن تلجأ الولايات المتحدة لتفجير سد الفرات، واتهام داعش بذلك، ولكنها ليست وحدها في الساحة، الجيش السوري ومعه الروس الذين بنوا السد يراقبون ما هي فاعلة. كما أنّ قيامها بشكل مباشر أو عن طريق الوكلاء لها سواء من عصابات “قسد” أو “داعش” بتفجير السد، سيعقبهُ انتقام سوري لا حدود له… وستحفر واشنطن قبوراً لجنودها قرب سد الفرات، أما عصابات قسد، فلن تجد مكاناً لقتلاها فوق الأراضي السورية. الدكتور جميل م. شاهين 26.03.2017

مركز فيريل للدراسات ـ برلين