خفايا الحقد الغربي على سد الفرات. الدكتور جميل م. شاهين.

من خلال بحثنا بمركز فيريل  Firil Center For Studies عن أسباب تدفع الغرب أن يحقد على سوريا، وصلنا لبعض الحقائق من ملفات قديمة في خفايا مكتبات برلين، نعرض بعضها هنا فيما يخصّ سد الفرات تحديداً.

أثناء الاحتلال الفرنسي لسوريا، تقدم المفوض السامي Maurice Paul Emmanuel Sarrail باقتراح لبناء سد على نهر الفرات، لكن اشتعال الثورة السورية 1925 أجّل الاقتراح، ثم تلاه المفوض Auguste Henri Ponsot  في عام 1927 الذي عرض على الحكومة الفرنسية، خطة لبناء سد على نهر الفرات قرب الحدود التركية السورية. يومها عارضت تركيا بشدة بناء ذلك السد، وأجرت اتصالات عاجلة بباريس، فجاء رد الحكومة الفرنسية: “لا جدوى اقتصادية من بناء هكذا سد”.

طُوي الموضوع حتى عام 1946، وبعد استقلال سوريا، في عهد الرئيس السوري شكري القوتلي، تمّ إحياء المشروع فوضعت خطة مبدئية، وبُدء البحثُ عن ممول لبناء السد، لكن عدم استقرار الوضع السياسي وحدوث انقلابات عسكرية متتالية، جعل الدول التي تفكر بتمويل هكذا مشروع ضخم، تتردد كثيراً. 




عاد المخطط للأدراج حتى عام 1957، ونتيجة التقارب السوري مع موسكو، توصلت حكومة الرئيس هاشم الأتاسي إلى اتفاق مع الاتحاد السوفيتي، تحصل فيه سوريا على مساعدات تقنية ومالية لبناء سد على نهر الفرات، يقدم فيه الاتحاد السوفيتي قرضاً، لكن تمويل المشروع الأساسي لم يكن موجوداً، والدولة السورية حديثة العهد غير قادرة على التمويل، فبقي المشروع يراوح مكانه.

دخلت ألمانيا الغربية على خط التمويل عام 1960، ووقعت الحكومتان السورية والألمانية اتفاقاً على المشروع تتولى فيه ألمانيا دراسته وتمويله وبناءه، الاتفاق لم يتم إظهاره للعلن من قبل الحكومة السورية آنذاك لسبب ما… وقد توصل مركز فيريل FCFS إلى حقيقة أنّ جزءاً كبيراً من التمويل سيتم من صندوق النقد الدولي، لكن بغطاء ألماني! في نفس العام 1960؛ رفض صندوق النقد الدولي تمويل مشروع بناء السد العالي في مصر، في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، فكانت علامة استفهام كبرى!

رغم عدم دخول المشروع حيّز التنفيذ؛ أرسلت “بون”، العاصمة الألمانية الغربية آنذاك، خبراء لدراسة المشروع وعلى رأسهم Åke Sundborg، عالم التضاريس السويدي الشهير، وواحد من مؤسسي مدرسة أوبسالا في الفيزياء الجغرافية، الذي درس نسبة دخول الرواسب إلى بحيرة سد الفرات، ومدى تأثيرها وحجم دلتا النهر…

يبدو أن التنافس على الكعكة السورية جعل فرنسا تتدخل أيضاً في المشروع، ففي عهد حكومة بشير العظمة في العام 1962، أرسل بشير وزيرَ الأشغال العامة “روبير إلياس” إلى باريس، بحجة أنّ الألمان يتباطؤون بتنفيذ المشروع، فوقع عقداً مع الحكومة الفرنسية تمنح بموجبه قرضاً بقيمة 50 مليون دولار لتمويل مشاريع إنمائية أخرى في سوريا، بينما تساهم باريس بتمويل 40% من مشروع سد الفرات أي 250 مليون دولار أميركي، فتكون التكلفة النهائية لمشروع سد الفرات 625 مليون دولار أميركي.

مع تصاعد جماهيرية وسلطة التيار البعثي ووصول حزب البعث إلى الحكم عام 1963، ألغت الحكومة السورية كافة الاتفاقيات السابقة، بما في ذلك الاتفاقية مع ألمانيا الغربية وقرض صندوق النقد الدولي، والاتفاقيات مع فرنسا، وعقدت اتفاقاً مع الاتحاد السوفياتي في عام 1965، يكون بموجبه الممول الجزئي والمشرف على المشروع. فثارت ثائرةُ الغرب، وأولهم صندوق النقد الدولي ومَن يقف خلفه.   

ابتدأ بناء السد عام 1968 وانتهى عام 1973 في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد. وكانت التكلفة النهائية حسب الوثائق الألمانية 340 مليون دولار، منها 100 مليون قرض من الاتحاد السوفيتي، أي أنّ المشروع وبسبب تنفيذه بأيد سورية وخبرة سوفيتية كان أقل تكلفة بـ 285 مليون دولار  أي 45% أقل من العروض الغربية، هذا على فرض أنّ شروط التمويل كانت واحدة. Firil Center For Studies, Berlin, Germany. Dr. Jameel M. Shaheen مركز فيريل للدراسات ـ برلين. 

ولمعرفة أهمية سد الفرات والمشاريع المرافقة له، يكفي أن نعلم أنه يحتل المرتبة 15 عالمياً من حيث الأهمية وحجم السد والبحيرة ومساحة الأراضي المستصلحة، وهو الثاني عربياً بعد السد العالي في مصر.