الرئيس الامريكي دونالد ترامب لن يكمل ولايته الدستورية

 

بقلم: عدنان نقول إعلامي ومحلل سياسي. الأرجنتين





استقبل الشارع الأمريكي رئيسه المنتخب الجديد دونالد ترامب بمظاهرات صاخبة في جميع الولايات الأمريكية، بخلاف جميع الرؤساء الـ 44 الذين سبقوه، احتجاجاً على تصرفاته وسلوكياته وتصريحاته، الخارجة عن المألوف والتي غلبَ عليها طابع التميز العنصري والاستفزاز. كان شعار بداية حقبته: “أمريكا أولاً” وتلك الرغبة في ترحيل أكبر عدد ممكن من المهاجرين المتحدرين من أصول لاتينية، من ثم إذعانه لقرار قاضي سياتل الفيدرالي جميس روبارت بايقاف تطبيق مرسوم الهجرة رقم 13769 ، شكّل صفعة قوية ومدوية في وجهه البعيد عن وجه البشر، في أن لا أحد فوق القانون الأمريكي، حتى لو كان الرئيس الامريكي ذاته، حيث عطلت الإدارة الجديدة حوالي 100 ألف فيزا صادرة عن سفارات أمريكية في الخارج بشكل فوري، وجرى توقيف عدد من رعايا سبع بلدان مسلمة في بعض المطارات الأمريكية الداخلية، ورفض القضاء الأمريكي، استئناف وزارة العدل الأمريكية الصادر ضد قرار القاضي الفيدرالي جميس روبارت، سوف يشجع القضاء الأمريكي على وضع العصي القانونية، في دولايب العم ترامب المستعجلة في تمرير مراسيم غير قانونية وغير شعبية، ويفتح معركة قانونية طويلة الأجل ضد مغامرات مدير الفنادق والعقارات والكازينوهات وصالات القمار وملاعب الغولف ومغامر النساء والفحولة.

بعد تسلمه مهامه الرئاسية بشكل رسمي بدأت تظهر عليه عوارض أمراض نفسية خطيرة مثل علامات الغرور والفوقية، واحتقار الآخرين، واستصدار قرارات ومراسيم جدليّة، تثير الاشمئزار أحياناً والضحك أحياناً أخرى، وفقاً لرغباته الشخصية وتلبيةً لمصالحه الخاصة كتاجر ومرابي بصورة رئيس، كما ولو أنه انتُخب ليكون ديكتاتوراً، وهو القادر وحده على ابتكار الحلول دون مراجعة الخبراء والمستشارين وطاقم العمل. إلا أن آلته تعطلت بعد أسبوع واحد من تسلمه مهامه الرئاسية، فبُدِءَ التفكير جدياً بإقالته ومحاكمته لعدم امتلاكه الأهلية والمسؤولية الكافية، للقيام بواجباته الدستورية.

 أول من تبنى هذا الشيء هم صفوف حزبه الجمهوري، فالكثير منهم بدأ يغادر مركبه بعد استصداره بعض القرارات والمراسيم، دون التأكد من قانونيتها ودستوريتها، نتيجة لجهله وعدم معرفته ألف باء السياسة والقانون الدولي والعلاقات الدولية والدبلوماسية، وافتقاده المرونة والمجاملة، كما في حوار الآخرين؛ فقطع الاتصال الهاتفي مع رئيس الوزراء الأسترالي مالكوم نورنبول، وتشاجر مراتٍ مع رئيس المكسيك أنريكي فينيا نيتو، حول مشروع إقامة الجدار الفاصل بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك، ومطالبته الحكومة المكسيكية دفع تكاليف البناء، وفرض ضرائب على المنتجات المكسيكية المستوردة بمعدل 20%، إضافة الى فرض رسوم وضرائب كبيرة على تحويلات المهاجرين المكسيكيين لأسرهم وأقربائهم، مما يمهد الطريق لحرب تجارية كبيرة مع الشريك التجاري الأول والجار الجنوبي، تكون فيه السوق الداخلية الأمريكية الخاسر الأكبر. بدأت تظهر علامات هذه الحرب التجارية من خلال:

  • حملات المقاطعة للبضائع الأمريكية وشعار البيسوس المكسيكي أولى من الدولار الامريكي.
  • الانسحاب من اتفاقية الشراكة بين دول المحيط الهادي “نافتا”.
  • الاتجاه نحو تعزيز إجراءات الحماية الجمركية.

 

يمكن أن نُجمل تصرفات ترامب التي لا تنم عن دبلوماسيةِ ولياقةِ شخص بمنصب رئيس الولايات المتحدة الأميركية بالتالي:

  • تصريحات ترامب العنصرية التي قابلها رئيس وزراء كندا جاستن ترودو باستقباله المهاجرين الجدد وتعبيره أن غنى وقوة كندا يكمن في تنوعها.
  • مشاكل مع رئيسة وزراء بريطانيا تيرزا ماي الخارجة للتو من حضن الاتحاد الاوروبي.
  • ملاسنات مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حيت أمر المقربين منه بضرورة العمل على إسقاطها لصالح اليمين الألماني المتطرف.
  • مشادات مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، عدا عن تصريحات رئيس وزراء ايطاليا ماتيو ينتسي الرافضة لإجراءات ترامب.
  • مواقف رئيس الوزراء الاسباني اليميني ماريانو راخوي برفض مراسيم الهجرة.

 




يرى الاتحاد الأوروبي برمته في سياسة ترامب خطورة على السلم والأمن الدوليين، فمحاولاته استعداء الصين والتجييش ضدها داخلياً، وتحميلها مسؤولية تراجع نمو الاقتصاد الأمريكي وزيادة نسبة البطالة الداخلية غير المبررة. التقارب مع روسيا ورئيسها القيصر بوتين، لن يكون نزهة لأن المؤسسة العسكرية والأمنية وحلف الناتو، لن يوافق على هذه السياسة.

إمكانية وضع حلول للأزمة السورية بالتعاون مع موسكو مشكوك فيها، الدليل تدخله السريع على خطوط التماس في سوريا والعراق واليمن وليبيا، عزمه على نقل السفارة الأمريكية الى القدس المحتلة، تأجيج الصراع من جديد بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، محاولاته تهديد إيران عسكرياً وإلغاء الاتفاق النووي.

 تميزت أيامه الأولى بما يسمى الاضطراب الجيوسياسي العالمي، غير القادر على التحكم به داخلياً وخارجياً، الاضطراب داخل فريق عمله، تصرفاته الأشبه بتصرفات الثور الهائج الخارج عن السيطرة، لا أحد يستطيع التنبؤ بردود أفعاله.

يقضي مستشاروه ساعات طويلة لإقناعه بالهدوء والتريث، قبل اتخاذ اي قرار غير مدروس. الملاحظ أن أوراق مكتبه مبعثرة من حوله، يغيب عنها التنظيم والترتيب، وهذا يعكس أموراً كثيرة عن شخص الرئيس المبعثر الاتجاهات والمواقف.

يتعامل مع الجميع بمنطق الفائز المنتصر، الواثق من نفسه، القادر على صنع الحلول بمفرده، لا يحب الاعتذار ولا الاعتراف بالأخطاء النابعة من النرجسية والأنانية وحب الذات. يمارس سياسات عنصرية تجاه الأقلية الإثنية والدينية. يمتلك صفات لا تتطابق مع مواصفات رئيس دولة عظمى تريد أن تقود العالم، تتناقض مع روح الديموقراطية والدستور الأمريكي.

النخبة الأمريكية السياسية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، و وسائل الإعلام، بالإضافة للمثقفين والفنانين ودكاترة الجماعات، مراكز الأبحاث، ودوائر صنع القرار المؤسسات الدستورية والقانونية، بخاصة السلطتين القضائية والتشريعة، طبيعة المجتمع الأمريكي المتنوع الأعراق والثقافات واللغات، كلهم قريباً سيُجمِعون القول له، “إرحل عنا”. لكن كيف سيكون الرحيل؟. عبر ثلاثة طرق: أولها المحاكمة السياسية بتهمة خرق الدستور والقوانيين الأمريكية الداخلية، أو عبر لجنة طبية تحدد عدم أهلية الرجل لرئاسة الولايات المتحدة بواسطة لجان مجلسي النواب والشيوخ، أخيراً تجربة مأساة جون كيندي. ساعة الرحيل لا يمكن تحديدها لكنها بدأت تظهر للعيان. سينورهات موعد تنفيذ الخطة على الطاولة، لا أحد يعلمها، ولكن لن يكون هناك فراغ بالسلطة، فالبديل جاهز وهو نائب الرئيس مايكل بنيس.


عدنان نقول إعلامي ومحلل سياسي. الأرجنتين

مركز فيريل للدراسات ـ برلين 20.02.2017

إدارة التحرير: الكاتبة والباحثة سَارة عيسَى