السباق نحو الرقة أم حلب؟ د. جميل م. شاهين




تتناقل وسائل الإعلام كافة، بما في ذلك السورية الرسمية أخبار زحف الجيش السوري نحو الرقة، وتسلط الضوء على تحرير قرية صغيرة أو تلة، في حين يأتي خبر دخول قوات عسكرية من حلف الناتو الأراضي السورية، والقتال حول مدينة منبج، وإرسال حاملتي الطائرات الأمريكية “هاري ترومان” و”دوايت آيزنهاور” لشرقي المتوسط، خبراً ثانوياً رغم أهميته القصوى. وكأنّ الإعلام الرسمي أصيبَ أيضاً بالإيحاء!

الإيحاء بأن يتحدث الإعلام عن المعركة الفاصلة في الرقة مع تنظيم داعش الإرهابي، رغم أنني أرى أنّ هذا التنظيم من أضعف التنظيمات رغم الهالة الكبيرة الخادعة التي يُصرّ الغرب على وضعها حول البغدادي الأسطورة الذي لا يموت! بينما عصابات “قسُد” أي “قوات سوريا الديموقراطية” والنصرة والفصائل التركمانية الإرهابية وغيرها، هي أشد خطراً على سوريا، كونها مدعومة من دول الناتو مباشرة وإن كان بعضها صنّفَ إرهابياً.

صُنّفَ إرهابياً! وهل الذي يقوم به الناتو ومرتزقتهُ الآن، ليس إرهاباً، هو جني ثمار ما زرعه الجيش السوري وحلفاؤه لخمس سنوات، وتحديداً روسيا، ونسبُ القضاء على داعش لمئات من جنود “الرامبو”، فترضى عنه الشعوب الغربية ويرتاح  ضمير منظمات حقوق الإنسان. هذا هو الظاهر، لكنّ الباطن أسوأ بكثير والخطة “ب” التي روجوا لها بدأت، ولننسى سايكس بيكو.

لِمَ لا ننسى سايكس بيكو ورفضها وشجبها واستنكارها، ظلّ مائة عام تتحفنا به إذاعاتنا وأحزابنا على أمل الوحدة العربية، وعاشت الأمة العربية… عاشت. الآن جاء الناتو  لينجز في شهور ما عجزت عنه حناجر العروبيين والقوميين والإسلاميين لمائة عام، وطارت سايكس بيكو، لكن نحو التقسيم الأوسع.

التقسيم الأوسع فشل في الجنوب السوري، وفشلت معهُ محاولات “أشقاء” الخليج في حتى التفكير بالزحف نحو دمشق، إذاً الشمال أسهل بوجود الأكراد والتركمان والكلب الأطلسي في أنقرة، والتغيير الديموغرافي في الشمال السوري، وقبله العراقي، تمّ إنجازهُ بعون الله، الأكراد الانفصاليون وحليفتهم داعش، هجّروا ونهبوا القرى السريانية والآشورية واليزيدية، وتكفلت دول الناتو الإنسانية باستقبالهم، والعمل جارٍ في القرى العربية في ريف حلب والرقة. شريطٌ حدودي على كامل الحدود مع تركيا سيكون كردياً مع أعراب “مستكردين” وما أكثرهم.



الأعراب “المستكردين” وما أكثرهم، هم أسوأ من الأكراد الانفصاليين، أناس لا انتماء لهم أضاعوا أصولهم، وابن الأصل لا يُضيّعُ أصلهُ، يتحدثون الكردية وهذا كافٍ بنظرهم الشحيح كي يكونوا ضمن الإقليم الانفصالي. إذاً إقليم انفصالي كردي، يُقابلهُ على الجانب الآخر من الحدود إقليم تركي عربي يضمّ مسلحين سوريين جهاديين فروا من وجه الجيش السوري، أو هجّرهم الأكراد من قراهم في سوريا، ولاؤهم المُطلق للإمبراطورية العثمانية، فوطنهم أردوغان في قرى الأكراد، وتمكن هذا السلطان المكروه من استيعاب اللعبة، فسحق قرى كردية وهجّر سكانها دون رقابة مع عمىً إعلامي.

دون رقابة مع عمىً إعلامي ستكون الحروب القادمة بين العرب السوريين والأكراد، لكن كلّ استبدل مكانه، ولماذا يخاطر أردوغان بجيشه طالما أنّ هناك كلاب صيد تنوب عنه؟ منطقة الشمال السوري مقبلة على أخطر مرحلة منذ خمس سنوات. لكن هل ستبقى هذه الحروب محصورة بين العرب والأكراد؟ وهل الاثنان منسجمان كي لا يقتتلا على الزعامة؟ التاريخ يقول: “أسوأ ما في العرب والأكراد هو كثرة زعمائهم.”. كثرة الزعماء تعني الانقسام، والانقسام يعني دوام الحروب، وهو المطلوب للسنوات الطويلة القادمة.

المطلوب للسنوات الطويلة القادمة استمرار الوضع كما هو، والسباق ليس على الرقة بل على حلب، حلب مقصدهم لا غيرها، وتأجيل معركتها هو خطأ قد لا يُغتفر، وسايكس بيكو جديدة سيتم إعلانها بأسرع مما نتوقع. الصمتُ على دخول قوات تركية عدة مراتٍ الأراضي السورية، أعقبهُ دخول قواتٍ أطلسية من أربع دول، والآن تتحضر ست دول أخرى من الناتو للمشاركة، والجميع “ملهوفٌ” فجأة لمحاربة داعش.

اللهفة على تحرير حلب أولاً، وتسليط الضوء على ما قامت وتقوم به عصابات الانفصاليين الأكراد في القرى المسيحية واليزيدية والعربية، واعتداء حلف الناتو على الأراضي السورية، مطلوب قوله بصراحة ودون “مغمغة”، بالتوازي مع تسليط الضوء على كل نقطة في سوريا بما في ذلك الرقة ومحافظة الحسكة. الوعي الإعلامي فرض عين، فلا تنسوا أنكم في رمضان، هذا إن كنتم تصومون عن الطعام فقط…

عودتنا القيادة العسكرية على المفاجآت، وأؤمن أنّ في جعبتها الكثير بخصوص ما يجري في الشمال السوري.  

الكاتب: د. جميل م. شاهين ـ برلين. 14.06.2016

مركز فيريل للدراسات ـ برلين Firil Center For Studies, FCFS, Berlin, Germany