الضربة الأمريكية بوابة الدخول لنهاية الأزمة السورية

الضربة الأمريكية بوابة الدخول لنهاية الأزمة السورية

 

مما لا شك فيه أن عدونا الأساسي على الأرض هو الإرهاب، والقضاء عليه وعلى الإرهابيين الوهابيين، سيقطع ذراع الولايات المتحدة وإسرائيل وباقي الدول التي تمول وتدعم عصابات الوهابيين.

حاولت تلك الدول احتلال سوريا، عن طريق قرارات مجلس الأمن تحت الفصل السابع، أو عن طريق تشكيل تحالف تابع لواشنطن، كما حدث مع العراق وصربيا وليبيا، لكنهم فشلوا فسوريا تجاوزت تلك الإجراءات الخطيرة باتباعها خطوات استراتيجية هامة:

  • رغم تخليها عن السلاح الكيميائي، إلا أنّ السلاح الرادع الأساسي، وهو سلاح الصواريخ، لم يتأثر كثيراً، ومازال يُشكل قوة رادعة تجعل العدو يُفكر كثيراً قبل القيام بغزو شامل، أو ضربة كبيرة، وأعادت هيكلة الجيش السوري العقائدي، ورفدهِ بروح جديدة ومقاتلين مدربين.
  • تمكنت سوريا من خلق حلف إقليمي مُقاوم لمشاريع واشنطن وتل أبيب، وبعقيدة ثابتة راسخة. وأيضاً حلف دولي وثيق بين موسكو ودمشق وطهران، قائم على المصالح الاستراتيجية المتبادلة، والتي تتجاوز المصالح الاقتصادية للأمن القومي المباشر، وتصل للدفاع عن الوجود في صراع طويل الأمد مع عدو تقليدي شرس مشترك، باتَ هدفه ضرب روسيا عن طريق سوريا، لذلك تعتبرُ موسكو أنّ دمشق هي خط دفاع أساسي محوري، ولا يمكن أن تتخلى عنها مهما كانت النتائج.
  • أفشلت سوريا مخططات واشنطن وأتباعها، في خلق فتنة بين السوريين وتحويل الصراع إلى حرب أهلية بمعنى الكلمة، كما فشلت عصابات الوهابيين في خلق شعبية لها ضمن صفوف الشعب السوري الواعي، ولم تحصل إلا على ترحيب من قبل السلفيين وأصحاب السوابق، لهذا وجدت الولايات المتحدة نفسها مضطرة للتدخل المباشر بعد أن فشل الوكيل.

جاء الفيتو الروسي الأخير ليسقط المشروع الغربي العدواني الخطير في مجلس الأمن، حيث كان من أهداف الضربة الأميركية ثني روسيا عن معارضة المشروع وإفشاله، بالترغيب والترهيب ليتمكنوا من تمرير مشروعهم. الرد الروسي كان ثابتا ومبدئيا تجاه سوريا عسكريا وسياسيا، وتم اتخاذ إجراءات سريعة بعد الضربة، كتعزيز قدرات الجيش السوري برادارات وأنظمة دفاع حديثة لم يكن الجيش السوري يمتلكها. وتم تسليمها مباشرة. الدفاعات الجوية الروسية بعضها كان موجوداً في سوريا، لكن تم السماح للسوريين باستخدامها. يؤكد هذا أنّ الدفاعات الجوية السورية أصبحت قادرة على التصدي لأي عدوان، وهو رد سريع من موسكو بدعم دمشق، لمنع أية ضربة لاحقة جديدة. وهو ما أكدهُ البنتاغون: (تم تشغيل رادارات حديثة في غرب سوريا، مباشرة بعد الضربة). مع ذكر عدم معرفتهم هل هي من روسيا بماشرة أم أنّ السوريين وراءها!! أي أنّ الرادارات وطواقها كانت جاهزة وتم تسليمها وتفعيلها مباشرة.

موقف إيران القوي، وتهديدها من محاولة تكرار العدوان على سوريا، ساهم في ردع الأنظمة الخليجية العميلة، وخشيت واشنطن على مصالحها في العراق والخليج، وعلى إسرائيل مع بروز بوادر صدام مع الروس. كلها أمور لن تجازف بها واشنطن وتدخل نفسها بسيناريو جهنمي سيحرق قواتها الموجودة في المنطقة وحلفاءها.

بات واضحا أن الهدف الأساسي للعدوان الأمريكي على مطار الشعيرات، واستخدام فبركة كيماوي خان شيخون، ثم طرح مشروع قرار غربي في مجلس الأمن، هو محاولة فرض حل سياسي عن طريق حضور أمريكي مباشر لكنه فشل فشلا ذريعاً.

لماذا الآن

هزيمة الإرهابيين في سوريا باتت مؤكدة، ودلائلها على الأرض دامغة، فتحرير حلب وريف حمص وتدمر وريف دمشق الغربي، والوصول إلى نهر الفرات، وتجميع الإرهابيين في إدلب ودير الزور، سيُمكن الجيش السوري البدء بتطبيق حصار خانق خاصة على إدلب عاصمة القاعدة وحلفائها.

جاءت الأوامر بشن هجوم كبير من جوبر شرق دمشق، لإحداث خرق ولو إعلامي، وفشلت العملية. ثم هجوم جماعي إرهابي من إدلب إلى حماة، وأيضاً فشل. وفي الهجومين تمت إبادة الآلاف منهم. هنا جاءت تمثيلية الكيماوي المفضوحة، ليتحول الإرهابي إلى مهرج وممثل فاشل.

فشلت تمثيلية كيماوي خان شيخون، ومعها المخطط الأمريكي وتم الرضوخ للمطلب الروسي السوري بتشكيل لجنة تحقيق، ستكون حيادية بمشاركة الخبراء الروس وربما الصينين، ومن دول عدة. ومعها خفت تصريحات ترامب، وبدأ يتحدث عن إنهاء الأزمة السورية وضرورة محاربة الإرهاب وعودة اللاجئين السوريين وأنه لا مشكلة بحل بمشاركة الرئيس الأسد، أي انقلبت التصريحات النارية بصورة معكوسة تماما خلال أيام قليلة.

 

المخطط الأمريكي وردّ المحور السوري القادم




ستعمل أمريكا على تزويد التنظيمات الإرهابية في سوريا بأسلحة جديدة، لم تكن بحوزتها، ورفدها بمقاتلين مدربين وخبراء عسكريين، وكله لمنع تحرير إدلب، المستودع الكبير للإرهابيين. تأتي أهمية إدلب من الأسباب التالية:

  1. تحدّ مناطق جغرافية حيوية لسوريا وهي الساحل والمنطقة الشمالية والوسطى. كما تحد شمالاً لواء اسكندرون المحتل من قبل تركيا. وهنا الصعوبة، كون إمداد الإرهابيين بالسلاح والخبراء يتم عن طريق اللواء.
  2. قرب إدلب من القواعد الروسية الأساسية في الساحل السوري.
  3. وجود البيئة الحاضنة للتنظيمات الإرهابية وخاصة القاعدة في إدلب، أي ستصبح هذه المحافظة بؤرة إرهاب عالمي، ولن تعترض الدول التي تعاني من إرهاب القاعدة من التخلص من هذه البؤرة.

سيقوم الجيش السوري بتحرير ريف حماة الشمالي ليصل إلى حدود إدلب، حيث سيتم قضمها بشكل تدريجي. وسيكون هذا بتغطية جوية روسية فعالة كثيفة وبقدرة كبيرة للجيش السوري، لأن عملياته فيها ستكون بشكل مريح، كون أغلب جبهات غرب سوريا مغلقة ومنتهية. وبقوة كبيرة ذات خبرة طويلة بحرب العصابات والمدن.

انهيار المجموعات الإرهابية  في إدلب عند تطبيق الحصار سيكون سريعاً، وسيفر معظمهم نحو تركيا، أو يواجهوا الموت المؤكد. ليتم نقلهم لاحقاً إلى ليبيا أو سيناء. فينطلقوا في حربهم شمال إفريقيا لتدمير الجيشين المصري والجزائري، ومواجهة النفوذ الصيني المتزايد في إفريقيا. حيث أعلن عن تشكيل فروع لداعش في سيناء وليبيا، وهناك تنظيم قاعدة المغرب. وتم مؤخراً تشكيل قاعدة إفريقيا، مع وجود لحركتي بوكو حرام وتنظيم قاعدة الصومال.

في جبهة البادية سيستمر الجيش السوري وحلفائه بالتقدم من جبهتين رئيسيتين؛ جبهة تدمر حيث ستطهر منطقة حقول الغاز، ويتم تأمينها بشكل كامل. وجبهة ريف حلب الشرقي شبه المحرر بشكل كامل، والتي كان الهدف منها وقف الأتراك والتجهيز للانطلاق إلى الرقة.

فك الحصار عن دير الزور قادم، ومشروع البادية دير الزور /الكردي الأميركي/ فاشل، وتحرير محافظة دير الزور مع تشكيل قوات عشائرية مساندة للجيش من قبيلتي البكارة والعكيدات، سيكون في الصيف القادم. هناك مؤشرات بتوقع تعرض جبهة شرق حماة لهجوم كبير من قبل داعش، لتشكيل خرق بين حمص وحلب وذلك لتأخير عمليات الجيش باتجاه البادية، ولتمكين واشنطن من زيادة حضورها في دير الزور والبادية من خلال (جيش سورية الجديد) وصحوات عشائرية أمريكية سعودية بالريف الشرقي لدير الزور من قبل بعض المرتزقة من العشائر.

احتواء تركيا سيتم من خلال ملف الأكراد المتحالفين مع أمريكا، ودخول الجيش التركي تمّ بتنسيق مع موسكو ودمشق لقطع الممر الكردي، وستكون دمشق القوة الإقليمية الأساسية الوازنة في الملف الكردي لعلاقتها التاريخية معهم وامتلاكها مفاتيح هذا الملف، لهذا سيتم تعزيز تواجد الجيش السوري في الحسكة، ذات الأغلبية العشائرية العربية الموالية للدولة السورية، حيث يشكل العرب قرابة 70% من سكان المحافظة، التي يدعي الأكراد أنها مركز ثقلهم، إضافة لأن المناطق الكردية غير متصلة بثقل سكاني كردي، وليس كشمال العراق وجنوب تركيا حيث الأغلبية الكردية الكبيرة المتصلة.

الضربة الأميركية قلبت الموازين

بعد تحرير حلب انقلبت الموازين، ونحن نسير بخطىً ثابتة نحو تحرير البلاد وهزيمة الحلف الأمريكي التكفيري العالمي، والذي سيجعل من سوريا المساهم الأول في رسم معادلة الشرق الأوسط الجديد، ولكن بخطوط سورية بحتة. جاءت الضربة الأميركية الفاشلة لتجعل من سوريا نقطة ارتكاز روسية أساسية، وتغيّر الوضع الجيوسياسي والاستراتيجي العالمي. وبات مرور أنابيب الطاقة من العراق وإيران عبر الأراضي السورية، واستثمار حقول الغاز والبترول في البادية السورية والساحل، بحكم المؤكد.

سوريا كانت وستبقى الدولة الأساسية في مواجهة الكيان الصهيوني والصراع معه، وسيكون هذا الملف الحيوي بيد دمشق، بالإضافة لملف الإرهاب العالمي الهام. بسبب خبرتها بمكافحته، ومعرفتها بالإرهابيين الذين دخلوا أوروبا عن طريق اللجوء.

تسونامي النصر السوري قادم، وسيكون متدرجاً مهما كانت العواقب.

زيد م. هاشم

تحرير وصياغة مركز فيريل للدراسات ـ برلين

17.04.2017