نجح أردوغان وخسرت تركيا. د. جميل م. شاهين

 

فاز الرئيس التركي بالاستفتاء على التعديلات الدستورية، وأصبح حسب الإعلام الألماني ديكتاتوراً، لكن ماذا بعد؟

استطلاعات الرأي التي أجراها مركز فيريل للدراسات قبل شهر من الآن، أكدت أنه لو أجري الاستفتاء بتاريخ 16 آذار 2017، لفاز أردوغان بنسبة 63%، وكان ذلك في ذروة هجومهِ على الدول الأوروبية وأولها ألمانيا وهولندا، أي استطاع اللعب على الوتر القومي للأتراك الذين أثبتوا أنهم شعبٌ فاشي بامتياز، عدا عن أنهم قطيعٌ يقودهم الدين والماضي الاستعماري رغم ادعائهم بالحضارة. مع ظهور النتائج كان الفوز هزيلاً، لكنه خطير. لهذا أشاركُ خبراءَ ألمان كثيرين الرأي بأنّ فوز أردوغان أشدّ خطراً على تركيا من خسارتهِ، وبالنسبة لنا في سوريا، لا فارق إن فاز أو خسر، أردوغان عدوّ الأمس واليوم والغد. ولكن ماذا يحملُ فوزهُ لتركيا؟

احتمال حربٍ أهلية تركية

تركيا انقسمت إلى جزأين متساويين: الأول إسلامي راديكالي متطرف مؤيد لإقامة الخلافة بقيادة السلطان الجديد، والثاني علماني /أكراد وقوميون أتراك/، يعارض أيّ حكم إسلامي ديكتاتوري في تركيا.

تصويت 48,5% من الأتراك بلا، يعني أنّ المجتمعَ التركي مقسوم لنصفين متضادين، وحسب معلومات مركز فيريل فإنّ 94% من الأكراد في المناطق الشرقية صوتوا بـ “لا” لأردوغان وليس فقط للتغييرات الدستورية، كما أن مناطق أزمير وبعض أحياء استنبول أيضاً صوتت بلا، وهم أتراك من الأحزاب المعارضة، وبلغت الحدة بين أنصار أردوغان ومعارضيه لحد الاشتباك ليلة البارحة هنا في برلين، وتبادلوا الاتهامات بالتزوير، وقد التقينا بمركز فيريل بـ “أنجد” عضو حزب الشعب الجمهوري التركي، الذي قال: (سوف يقود أردوغان تركيا نحو حرب أهلية.) وتابع أنجد: (هذا الديكتاتور جاء كي يهدم تركيا وليس كي يبنيها). نعم: (أردوغان بنى مجده الشخصي على حساب خراب تركيا). يؤكد أنجد: (الحملة المعارضة للتعديلات لم تكن متكافئة، كما أنّ عملية فرز الأصوات شابها تزوير مؤكد في اللحظات الأخيرة، خاصة عندما تبين لجماعة أردوغان احتمال خسارته، فاحتسبوا البطاقات التي لا تحملُ ختماً رسمياً.). هذا كان رأي منظمة الأمن والتعاون الأوروبية أيضاً، والاستفتاء لم يستوفِ المعايير الدولية. ومما لا يعرفهُ الكثيرون أنّ السؤال لم يكن موجوداً على بطاقة الاقتراع، أي أنّ العامة كانت ذاهبة لتصوت بنعم أو لا لأردوغان، وسط ترهيب من السلطات الأمنية!.

هنا في ألمانيا، كانت نسبة التصويت لصالح التعديلات أعلى من تركيا!! 63,1% قالوا نعم حسب سفارات تركيا. غريب حقاً، مع نتائج مضطربة، ففي برلين وإيسن فاز  أردوغان بنسبة 72%، لكنه خسر في هانوفر وفرانكفورت بنسبة 41%. أي حتى في ألمانيا هناك انقسام في المجتمع التركي.

التوتر موجودٌ أصلاً في المجتمع التركي، وعندما يبدأ الديكتاتور العثماني بتطبيق الدستور الجديد وبصلاحياته الواسعة، ستبدأ الحرب الأهلية، والتي سيشعلها الأكراد أولاً… والأيام قادمة. وحسب الخبير الألماني شتاين باخ: (الشهور القادمة ستحمل أياماً سوداء لتركيا).

صعوبات اقتصادية قد تؤدي لانهيار اقتصادي

باعتراف وزير المالية التركي ناجي إقبال اليوم: (عجز الموازنة التركية قفز إلى 5,3 مليار دولار خلا شهر آذار الفائت. هذا باعتراف الحكومة التركية، تحققنا في مركز فيريل من الأرقام، فوجدنا أن هناك تصاعد كبير في العجز بالميزانية التركية، وشهر آذار مثّل زيادة توازي شهري كانون الثاني وشباط معاً، وهي أعلى عجز في تاريخ تركيا. كما أنّ البطالة قاربت 14% حسب اعترافات الحكومة في آذار، بينما كانت في شباط 12%، وهذا رقم غير صحيح، فهناك مناطق تتجاوز فيها نسبة البطالة 35% في المناطق الشرقية، والمناطق التي يقطنها اللاجئون السوريون، حيث يقبل اللاجئ بأجر يعادل نصف أجر المواطن التركي. ومع استمرار الأزمة السياسية والجفاء الأوروبي، وما علمناه للتو أنّ أصواتاً عالية فاعلة بوقف المساعدات لتركيا، ترتفعُ في الاتحاد الأوروبي، وإلغاء نهائي لانضمام تركيا للاتحاد، قد يصدر قريباً، كل هذا سيُضاعفُ الأرقام، وقد نقترب من بداية انهيار اقتصادي مع اندلاع أول شرارة حرب داخلية تركية.

الديكتاتور العثماني وسوريا

كما قلنا: (أردوغان ومعه تركيا، عدوّ الأمس واليوم والغد). ولن يُغيّر موقفهُ من سوريا، سيبقى داعماً للإرهابيين، وللمعارضة السياسية (المفضوحة) وبكل ما تحمل كلمة فضيحة من معنى، فهؤلاء عارضوا الديكتاتورية في سوريا، ليأتمروا بأمر أسوأ ديكتاتور حسب رأي الأوروبيين، ورغم ذلك مازالوا يُقدسون سيّدهم العثماني!

الثابت لدينا أنّ أردوغان سيستخدمُ سلطاتهِ بشكل مفرط، سيقمع ويسجن ويعدم كل مَنْ يُعارضهُ، حرية الرأي والصحافة والأحلام بالديموقراطية والعلمانية التركية، كلها ستصبحُ من الماضي، وسوف يجلس السلطان العثماني أمام المرآة ساعاتٍ يبتسم لنصرهِ وتحقيقهِ حلماً ما كان حتى ليصدقهُ. وهنا بيتُ القصيد، والمراقب لرأي موسكو سيفهم القادم لتركيا، قال الكرملين: (الاستفتاء في تركيا شأن داخلي). أي تباركُ موسكو النتائج، ونحنُ نباركُ في مركز فيريل هذه النتائج، أردوغان سيزدادُ همجية وبطشاً وترويعاً، سيزداد غروراً ونرجسية… سوف يرسلُ جيشهُ إلى سوريا ثانية في عملية (درع الفرات) الجديدة… وسوف يهدد ويزبد ويرعد الدول المعادية له، وسيرتكب الحماقات تلو الحماقات. نباركُ للسلطان توسع صلاحياتهِ وسلطاته، بل نطالبُ أن يتمّ تقديسهُ لدى (نصف) شعبهِ وعبيدهِ من المعارضة، ليصبحَ في مرتبة الصالحين والخلفاء. ولا تنسوا المثل الشامي “انفشوا وشوف ما….”. بقلم الدكتور جميل م. شاهين. 17.04.2017

مركز فيريل للدراسات ـ برلين.