القطب الشمالي يحترق (فيديو). صيف 2020 مع توقعات الشتاء القادم. الدكتور جميل م. شاهين

مرّ صيف عام 2019 حارّاً جداً، فجاء صيف 2020 ليزيدَ من معاناة الأرض والبشر ويُسجلَ المزيد من الأرقام القياسية حول العالم، رغمَ تراجع انبعاث الغازات الدفيئة نتيجة الإغلاق بسبب وباء كورونا. أخطرُ ما حدثَ هذا الصيف هو الحرارة المرتفعة ضمن الدائرة القطبية الشمالية. ماذا جرى وما هي توقعاتنا للشتاء القادم؟ إلى التفاصيل. Firil Center For Studies FCFS Berlin

أرقام قياسية جديدة

يوم الأحد 16 آب 2020  سجّل وادي الموت Death Valley في كاليفورنيا 54.4 درجة مئوية، بينما سجل مقياسٌ آخر 55 درجة لم يتم اعتمادهُ.

في اليابان؛ الإثنين 17 آب، رقم قياسي جديد قدرهُ 41.1 درجة مئوية في مدينة هاماماتسو Hamamatsu في مقاطعة Shizuoka حسب وكالة الأرصاد الجوية اليابانية، محطمة ما سُجل في تموز 2018 قرب طوكيو.

في سوريا والشرق الأوسط

موجات حارّة متتالية سيطرت لأسابيع طويلة على شرقي المتوسط مسجلةً أيضاً أرقاماً قياسية غير مسبوقة.

دمشق تُسجل 46 درجة مئوية بتاريخ 29 تموز. محافظة الحسكة تسجل 50 درجة مئوية وهو رقم قياسي جديد. بغداد تسجل 51,8 درجة مئوية بتاريخ 28 تموز وهو رقم قياسي جديد. زحلة تسجل بتاريخ 27 تموز 45,4 درجة مئوية. أثناء إعداد هذا البحث في مركز فيريل للدراسات، موجة حارّة أخرى لأكثر من 12 يوماً في أوائل أيلول 2020، وبحرارة تتجاوز المعدل بـ10 درجات، فتُسجّلُ حلب 44 درجة بتاريخ 4 أيلول والمعدل 34 درجة.

في الجزائر والمغرب وتونس، أيضاً موجات حارّة لفترات طويلة آخرها كان حتى نهاية آب 2020.  وصلت درجة الحرارة الأربعاء 26.08.2020 في مدينة سبت الكردان شرقي أغادير 48 درجة مئوية، مدينة دخيلة في الجزائر 46 درجة، وفي جنوب إسبانيا مدينة سفيلا 41 درجة.

حتى منتصف أيلول والشرق الأوسط يُسجّلُ درجاتِ حرارة تتجاوز الأربعين في معظمِ أرجائهِ، فتسجل بغداد 47 درجة بتاريخ 13 أيلول، وتسجل دمشق 45 درجة في 4 أيلول وهي أعلى من المعدل بعشر درجات!

لاحظوا حرارة تل أبيب

في أوروبا

لم تُسجّل أرقامٌ قياسية كثيرة في أوروبا هذا الصيف، لكنّه مرّ حاراً وأعلى بدرجة واحدة من المعدل العام. سجلت مدينة Weilerswist غرب ألمانيا 37,4 درجة بتاريخ 08.08 وهو رقم جديد. بينما يتوقع أن تُسجل برلين في 15 أيلول 31 درجة وهي أعلى من المعدل بـ11 درجة ورقم قياسي في أيلول.  

في موسكو، مرّ صيفٌ حارّ ليودعها شهر آب بـ31 درجة مئوية وهي أعلى من المعدل العام باثنتي عشرة درجة.

بتاريخ 22 تموز وفي أبرد عاصمة في العالم أولان باتار، 33 درجة مئوية ورقم قياسي جديد!

القطب الشمالي يحترق

برنامج مراقبة الأرض الأوروبي كوبرنيكوس Copernicus (Erdbeobachtungsprogramm): سجّلَ شهر أيار 2020 أعلى متوسط حرارة منذ بدء التسجيل، في آلاسكا وسيبيريا والقطب الشمالي. بينما سجّلتْ محطة الأرصاد الجوية السويدية في مدينة ماركوسفينس  Markusvins بتاريخ 26 تموز 2020 والواقعة ضمن الدائرة القطبية، 34.8 درجة مئوية، وهي رقم قياسي. في آلاسكا سُجلت في شهر تموز درجاتُ حرارة  عالية تسببتْ باندلاع حرائق الغابات ونفوق أسماك السلمون. بينما ذاب الجليد البحري قبل موعده المعتاد بثمانية أسابيع.

أخطر حدث مناخي مرّ صيف 2020 كان أيضاً ضمن الدائرة القطبية الشمالية؛ بتاريخ 17 حزيران 2020 تُسجّل في مدينة فيرخويانسك في سيبيريا، 38 درجة مئوية، وهي أعلى درجة حرارة مسجّلة حتى الآن. المدينة نفسها سجلت شتاءً 68 درجة تحت الصفر والفارق 106 درجات بين الصيف والشتاء! ما حدث أمرٌ غير طبيعي البتة؛ معدل الحرارة لشهر كانون الثاني في مدينة Verkhoyansk هو 48,9 درجة تحت الصفر. معدل شهر تموز هو 15,3 درجة والمعدل السنوي 15,7 تحت الصفر، أي أنّ الحرارة المسجلة كانت 22,7 درجة أعلى من المعدل، تخيلتم الفارق؟!!

ريك ثومان، عالِم المناخ في آلاسكا: إنه عامٌ من الدفء الاستثنائي وانحسار الجليد البحري في جميع أنحاء القطب.

المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO): إنّ نطاق حرائق الغابات في القطب الشمالي هذا الصيف، لم يسبق له مثيل، حيث سجلنا أكثر من 100 حريق في جميع أنحاء الدائرة القطبية الشمالية.

جوناثان أوفربيك عالم المناخ وعميد كلية البيئة بجامعة ميشيغن: القطب الشمالي يحترق. الحرارة ترتفع بشكل أسرع بكثير مما كنا نعتقد، بسبب ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى في الغلاف الجوي، هذا الاحترار يؤدي إلى إنهيار سريع وزيادة في حرائق الغابات.

أين هو العصر الجليدي؟

بعد كلِّ هذا، هل هناك عصر جليدي كما يُشاع؟

لا يؤكد ولا ينفي خبراء الطقس وعلماء المناخ احتمال قدوم فترة باردة، والأمر مازال قيد البحث والدراسة… هواة الطقس والباحثون عن الشهرة فقط هم مَن يؤكد قدوم “عصر جليدي”… عِلماً أنّ استخدامَ تعبير “عصر جليدي” خطأ علمي دون شك وهذا سنبحثهُ في مركز فيريل للدراسات بشكل واسع. ما يحدثُ هو اضطرابٌ وتطرّفٌ في المناخ. المناطق التي شهدت درجات حرارة عالية أعقبها إنخفاض سريع مع حالات عدم استقرار جوية ترافقت بعواصف رعدية وأمطار غزيرة.

كي نُدرَك كيف كان الشتاء الماضي نأخذ مثالاً ألمانيا؛ شتاء 2019 الماضي كان معدل الحرارة فيه 4,2 درجة، وهو ثاني أدفأ شتاء على الإطلاق، بينما المعدل الطبيعي لألمانيا هو 0.2 درجة مئوية، لهذا قدوم شتاء بحرارة تحت الصفر وثلوج شاملة، هو الشتاء التقليدي وليس العصر الجليدي.

قدومُ منخفض جوي قطبي أو شتاء واحد أو شتاءينِ باردين. تساقط الثلوج وإنخفاض الحرارة دون الصفر لأيام شتاءً، كل هذا لا يعني عصراً جليداً.

ذوبان الجليد والثلوج

كي تعود سماكة الجليد والثلوج في المناطق الباردة والجبال كما كانت في بدايات القرن الماضي، نحتاجُ لعشر سنواتٍ متتالية يكون فيها الشتاء باردا ثلجياً وحرارة دون المعدل مع تراكم الثلوج وصيف أيضاً دون المعدل.

علماء جامعة Universität Padua في إيطاليا: (جليد Marmolata سيختفي خلال 15 عاماً. وهو أكبر تجمع جليدي في جبال الألب الإيطالية عند إرتفاع 3342). فقد الجبل 80% من ثلوجه وجليده المتراكم منذ آلاف السنين. تشاهدون في الفيديو القصير الذي صورنا قسماً منه في مركز فيريل للدراسات في جبال الألب، أنَ الجليد الدائم اختفى من الإرتفاعات 2700 متر.

يرى علماء المناخ أنّ سرعة ذوبان الجليد حول العالم، مرتبطٌ بزيادة حرق احتياطيات هائلة من الكربون الأحفوري وإنبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون خاصة في السنوات الأربعين الماضية وحتى يومنا هذا، حتى وصل مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي لمعدل لم يسبق له مثيل منذ انقراض الديناصورات قبل 65 مليون سنة…

ماذا عن الخريف والشتاء القادم؟

تراجعَ عدد البقع الشمسية بدرجة أقل من التوقعات، إن استمر هذا التراجع وبشدة أكبر فالشمس دخلت مرحلة إنخفاض النشاط ضمن دوراتها العادية، وأمامنا شتاءٌ أبرد من السابق، أي أنه قريبٌ من المعدل حرارياً.

النزولات القطبية ستستمرُ هذا الشتاء لتصل إلى الصحراء الكبرى والجزيرة العربية، والثلوج ستغطي الكثبان الرملية وتصل إلى إرتفاعات منخفضة لكن بشكلٍ غير متوازن، أي سنرى مناطق مرتفعة بكميات ثلوج أقل من مناطق منخفضة.

معظم توقعات الخبراء تشير لشتاءُ رطب بشكل عام، تزدادُ كميات الأمطار حتى في المناطق الجافة والصحراوية

التوقعات الأوروبية تتحدث عن أمطار أعلى من المعدل في الشرق الأوسط بشكل عام، وفيضانات في الجزيرة العربية والأردن وسوريا والعراق… وكذلك في المغرب العربي.

انتهى زمنُ المنخفضات التقليدية، واندماجُها مع اختلافِ منشئها مستمر. منخفضاتٌ طويلة المدة تتحوّلُ لحالات عدم استقرار نتيجة تصادم الجبهات الحارة والباردة، تعقبها فترات جفاف أيضاً طويلة. حالات عدم استقرار تلك ستؤدي لفيضانات وأعاصير جديدة في مناطق متفرقة من العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط.

في أوروبا يتوقعُ الخبراءُ شتاءً دافئاً في كانون الأول بارداً في كانون الثاني وشباط، بينما سيكونُ أكثر برودةً في أميركا الشمالية.

عودة العواصف الترابية والجراد سيعود أيضاً مع شباط القادم ليبدأ بغزو الشرق الأوسط

في الشرق الأوسط، سيكون أبردُ من الشتاء الماضي وقريباً من المعدل.

بجميع الأحوال

إرتفاع درجة حرارة الدائرة القطبية الشمالية، وذوبان الجليد المتسارع، هو علامةٌ تحذيرية خطيرة، سنرى شيئاً من نتائجها في الخريف والشتاء القادمين. مركز فيريل للدراسات. الدكتور جميل م. شاهين. 13.09.2020