الحكومة السورية المُجدّدة

الحكومة السورية المُجدّدة. 01.09.2020. Firil Center For Studies

كذبتْ، كالعادة، كافة “التسريبات” وما نقلته “العصفورة” لكثيرين حول اسم وأسماء رئيس الوزارة والوزراء القادمين، وجاءت الحكومة السورية مُجدّدةً لا جديدة. الخيبة أصابت شريحة واسعة من الشعب بحدوث تغيير شامل. قسمٌ استنكر ورود أسماء وزراء جدد كان أولهم وزير التربية. آخرون أزعجهم بقاء وزراء كالبرازي والسيّد. قِلة استبشرتْ خيراً…

المشكلة في طريقة إختيار الوزير

مَنْ يرى أنّ طريقة إختيار الوزراء صحيحة، فليقدم لنا بعضاً من إنجازات ونجاحات الوزارات السابقة، ولا يكفي أن تكون نسبة النجاح 50%، دون التذّرع بالمؤامرة الخارجية طبعاً، فهذه لم تعد تُجدي نفعاً…

قلنا مراتٍ في مركز فيريل للدراسات أنّ الوضع بات بحاجة لانقلاب شامل، طريقة إختيار الوزراء تدخل ضمن هذا الانقلاب الذي نتحدثُ عنه. إنقلابٌ على المفهوم والطريقة التقليدية التي يُعيّن فيها المسؤول وطرق حلّ المشاكل والأزمات. إنقلاب على طريقة التفكير العقيمة المُتحجرة التي تقتلُ كل ابتكار وتجديد وإبداع. راجعوا البحث.

المشكلة الرئيسية المُزمنة في أنّ الأسس التي تُعتمدُ لتعيين واختيار الوزراء، لم تتغيّر. وهي تقليدية، لكن ما كان يصلح في الثمانينات لا يصلح الآن، فالوزراء الذين يتم تعيينهم من قبل قيادات حزب البعث آنذاك، كانوا إلى حدّ ما ناجحين حتى في إدارة الأزمات كما جرى في الثمانينات.

حالياً ومنذ 2011 وما قبلها، تُزكي التقارير الأمنية فلاناً لشغل منصب وزير، بغضّ النظر إن كانت تلك التقارير صحيحة أم خاطئة، تترافقُ مع تزكية قيادات الحزب. النتيجة يراها المواطن السوري وهو الذي يُقرّر فقط؛ هل كانت الوزارة ناجحة أم فاشلة في إدارة الأزمة الداخلية؟

على فرض أن تزكية الوزراء السابقين وتقاريرهم الأمنية كانت صحيحة، لماذا انشقّ عدد منهم؟ كم وزير اتهم بالفساد؟ ماذا حقّقَ هؤلاء من نجاح؟ السؤال الأدق؛ كم مسؤول حزبي أو أمني انشق أو كان فاسداً؟

حكومة اللا تغيير

من الواضح أنّ الحقائب الوزارية الرئيسية لم تتغيّر، وهذا يعني أنّنا لن نرى تغييراً جوهرياً في السياستين والداخلية والخارجية. احتفاظ بعض الوزراء بحقائبهم أمرٌ  طبيعي غير سيء، لكنه موضع تساؤل مع بعض الوزراء الذين لم يُقدّموا شيئاً يُذكر خلال الشهور أو السنوات السابقة. هل خلت سوريا من الكفاءات وأصحاب الخبرة كي يستلموا مناصب هامة؟!!.

المنصب الوزاري إداري… هذا صحيح، وبالتالي ليس بالضرورة أن يحمل الوزير شهادة تناسبُ وزارته، شرط أن تكون لديه خبرة واسعة في الإدارة على الأقل.

مهمة الوزير كغيره من المسؤولين، هي السير بالوزارة على طريق التطوّر وتحقيق أهدافها والتزاماتها، باستخدام الأدوات التي تبدأ بالتخطيط والتنسيق مع باقي المؤسسات، ثم التنفيذ والتوجيه والرقابة. هنا يكون الحكم على الأداء الوزاري، هل حقّقَ الوزراء السابقون ما ورد؟

وزير التربية والتعليم الأكثر جدلية

أكثر الوزراء جدلية كان وزير التربية والتعليم السيد دارم طبّاع، للأسف كرر معظم المعارضين لتوليه هذا المنصب نفس الديباجة حول علاقة شهادته في الطب البيطري بهذه الوزارة… فحُرفَ النظر عن الأهم والأخطر، وهو إنجازاتهُ السابقة كونه مدير المركز الوطني المناهج التعليمية منذ 2015.

المدرّسون والطلاب يعرفون ماذا احتوت المناهج الجديدة وما المقصود مما ورد فيها. ولا يمكن بأي حال تبرئة الوزير طباع ومعه الوزير السابق هزوان الوز من الأخطاء الكبيرة في المناهج الجديدة، والتي صُحّحَ بعضها، بينما مازالت أخطاء واضحة ربما “غير قابلة للتصحيح”!

سبقَ ونشرنا في مركز فيريل قبل أكثر من عام عن الأخطاء في مادة التاريخ فقط، وكلمحة بسيطة لبعض ما تفتقت به عبقرية لجان المناهج برئاسة الوزير الجديد:

* تم إسقاط لواء اسكندرون والجولان من خارطة سوريا في كتاب العلوم للصف العاشر، ثم قامت اللجنة بتصحيح الخطأ لاحقاً بسبب الإعتراضات الشعبية.

* تبييض صفحة تركيا والعثمانيين مستمرة؛ ما جرى في بداية القرن العشرين هو فقط “تشريد الأرمن” بسبب السياسة العثمانية، فلا مجازر ولا تطهير عرقي وتركيا ارتكبت خطأً سياسياً!! 

* التركيز على العروبة كأصل للبشر والحجر مستمر، الكنعانيون والآراميون والسريان، عرب!. الثقافة العربية هي التي أدت لظهور اللغة الآرامية!!

لسنا ضد العروبة، لكننا ضد حشرها في كل زاوية تاريخية أو ثقافية، نحنُ مع قول الحقيقة التي تحترمُ التنوع الثقافي والقومي دون أيّ طغيان أو تزوير، وهذا يشمل الجميع دون استثناء.

* الجزيرة العربية، وليست شبه الجزيرة. يحدها غرباً البحر الأبيض المتوسط وشمالاً جبال طوروس، أي أنّ سوريا ولبنان والعراق والأردن وفلسطين تقع ضمن الجزيرة العربية!!

* استبدال قصائد الشاعر سليمان العيسى بـ(طش طش انهمر الماء… من مفرق جاسم للصنمين… يا بيتي يا بويتاتي…)!!. راجعوا البحث.

كما أسلفنا، الشهادة التي يحملها أي وزير هامة، الأهم هل لديه الخبرة والقدرة على إدارة وزارة هامة كوزراة التربية والتعليم؟ إن كان سبب الاستغناء عن الوزير السابق عماد العزب، والذي كان محمود السيرة بشكل عام من قِبل الجهاز التدريسي، هو أخطاء في أسئلة الامتحانات، فهل المجيء بوزير جديد لديه أخطاء أكبر سابقة هو الصواب؟!!

نتمنى أن تكون تحليلاتنا في مركز فيريل خاطئة حول الدور “الديني” المنوط بوزير التربية والتعليم الجديد… والكلام واضحٌ…

المطلوب من الحكومة السورية المُجدّدة

في الحكومة المُجدّدة؛ بقيَ وزراء ورحل آخرون. الحكم الحقيقي على الوزارة هذه سيكون من نتائجها على الواقع الذي يعيشهُ المواطن السوري وليس الذي تُصوّرهُ كاميرات الفضائيات. الثقة الحقيقية هي التي يمنحها المواطن الباحث عن رغيف الخبز.

لن نُثقلَ في المطلوب من الوزارة الحالية فنختصر ونقتصر على:

أن تكون حلول الأزمة الخانقة والتي تلجأ لها الحكومة، ليست على حساب المواطن ولصالح التاجر. أي تعود الدولة هي الحاكمة وليس التاجر… صعب هذا؟

حلّ أزمة الغاز والمشتقات النفطية، التقنين الكهربائي، قبل بدء فصل الشتاء، والوقت كافٍ فلا تقولوا تفاجأنا بالشتاء…

السيطرة على الأسعار ومنع الاحتكار وتأمين المواد الغذائية والخدمات الرئيسية، بنصف الأسعار الحالية.  

زيادة الرواتب، ومنع رفع الأسعار الذي يحدث بعد هذه الزيادة مباشرةً.

دعم القطاع الصناعي والزراعي والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، بكافة الإمكانيات والأساليب، وتحقيق الأمن الغذائي والإكتفاء الذاتي.

المطلوب من وزارة التربية والتعليم الابتعاد عن عملية مزج الدين بالعلم لصناعة كوكتيل “جيل جاهل لا هوية له”

حلّ مشاكل ذوي الشهداء والجرحى والجنود المُحتفظ بهم، وتأمين وظائف للمسرّحين.

الابتعاد عن البيروقراطية والإختراعات “الخرندعية” من بطاقة ذكية وغيرها، أي حلّ المشكلة وليس خلق مشكلة جديدة.

المطلوب محاسبة الفاسدين والمحتكرين. معذرةً، هذا طلب فوق طاقة الحكومة.

أخيراً المطلوب: ابتعاد الوزراء والمسؤولين عن الكاميرات والإعلام بكافة أنواعه والتوقف عن التصريحات الاستفزازية واستغباء الشعب.

يريدُ المواطن السوري وزيراً ومسؤولاً قليل الكلام، كثير الفعل، وزيراً فاشلاً في التصفيق ناجحاً في العمل.

ختاماً

على فرض أن الوزراء هم أصحاب قراراتهم… ليس المطلوب إعطاء فرصة شهور لحكومة مُجدّدة نصفها مُجرّب، كي لا يُحكم على العقل أنّه “مُخرّب”، النتائج يجب أن تظهر خلال أيام قليلة، ولن تكون متساوية بين وزارة وأخرى، أي من الخطأ القول (كافة الوزراء سيئين). لكن عندما تفشل الحكومة في تحقيق أساسيات العيش للمواطن السوري على الأقل، هي حكومة فاشلة. مع تمنياتنا أن تنجح هذه الحكومة في استعادة جزء من ثقة الشعب بالمسؤول السوري. مركز فيريل للدراسات. 01.09.2020