اللعب على الهاوية في الشمال السوري. الدكتور جميل م. شاهين. الأستاذ زيد م. هاشم.

 

عدد القراءات 7398 رغم عدم إعلان النفير العام، لكنّ استعدادت الطرفين؛ جيش الاحتلال التركي ومرتزقته من جهة والانفصاليين الأكراد من جهة أخرى، يجعل اشتعال معارك واسعة أمراً لابد منه.

نستعرضُ بعجالة سياسة الأحزاب الكردية “الانفصالية” الخبيثة منذ عام 2011، وكيف جرّت وستجر هذه الأحزاب الشعب البسيط والفقير إلى “المذبحة” التي طالما حذرنا منها في مركز فيريل، بينما الزعماء الأكراد همهم الوحيد البقاء على الكرسي، وبيعُ الأحلام الكاذبة بمستوطنة تصل إلى… البرتغال!!  

حزب الاتحاد الديمقراطي الذي كان يرأسه يوماً صالح مسلم، هو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني الأم في تركيا، وذراعه العسكري وحدات حماية الشعب pyd، يسمونه في الحسكة “الأبوجية” نسبة (لأبو) وهو عبدالله أوجلان، الذي استقبلتهُ ودعمتهُ دمشق، وكاد وجوده أن يشعل حرباً بين سوريا وتركيا أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد، ثم قامت المخابرات الإسرائيلية بتسليمه لنظيرتها التركية في كينيا 1999، راجعوا المقالة على مركز فيريل.

ابتدأت الحرب على سوريا عام 2011، ونتيجة الظروف الأمنية والميدانية، انسحب الجيش العربي السوري والقوات الأمنية في نهاية سنة 2013 من أغلب مدن محافظة الحسكة؛ اليعربية المالكية رميلان الجوادية القحطانية تل حميس درباسية عامودا رأس العين مركدة الشدادي… فتناوبت العصابات الإرهابية السيطرةَ على ريفي الحسكة والقامشلي من الحر إلى النصرة إلى داعش ثم ب ي د… وتركز بوقتها وجود الجيش والأجهزة الأمنية في القامشلي، ضمن المربع الأمني الممتد من منطقة الأفرع الأمنية والوسطى وحارة طي حتى المطار والفوج، وفي مركز مدينة الحسكة كلها ماعدا غويران في الآونة الأخيرة، مع تواجد للجيش في فوج جبل عبدالعزيز وحاجز 47 على طريق الشدادي، ثم انحصر بعدها وجود الدولة السورية في المربع الأمني بمركز مدينة الحسكة بعد اشتباك كبير مع المليشيات الكردية أفضى لهذا الوضع.

مهما كان رأيهم، فقد دعم الجيش السوري قوات حزب الاتحاد (ب ي د) بقوة، في قتالها تنظيمات النصرة وداعش، في معارك معبدة ريف رميلان، وصولاً لليعربية على الحدود العراقية، ثم معارك تل حميس وتل براك، وكذلك معارك رأس العين والشدادي.

فجأةً؛ انقلبت المليشيات وأنكرت أي دعم، وبدأت بالتضيق على الجيش والأمن والدفاع الوطني وكوادر البعث، وحدثت اشتباكات عديدة مع القوات الحكومية!! ما هو السبب؟

عند اشتداد الحرب بدأت الاتصالات مع واشنطن، وبدأ معها الدعم العسكري من الناتو والمالي من الإمارات والسعودية، والحجة الدائمة:  محاربة “الأكذوبة” داعش.

طردت ميليشيات ypg، ميليشيات مسعود برزاني البيشمركا، وهي ما تسمى المجلس الوطني الكردي، إلى شمال العراق. سبب الطرد هو الانفراد في حكم الجزيرة السورية، كي لا يعاد سيناريو حرب السليمانية وأربيل في تسعينيات القرن المنصرم، ومنعوا تشكيل أية قوة عسكرية كردية أخرى بالمنطقة. ثم راحوا يحتلون دوائر الدولة السورية ومؤسساتها الخدمية والصحية بشكل كامل، وفرضوا الضرائب وسرقوا مقدرات المنطقة، ثم غيروا المناهج إلى مناهج كردية، وأغلقوا المدارس الحكومية وحتى مدارس الكنائس، في تضييق على المسيحيين لتهجيرهم. فرضوا على الأغلبية العربية تعلّم الكردية، هذا على فرض وجود شيء اسمه لغة كردية مكتوبة ومقروءة وتملك مقومات اللغة…

منعوا رفع علم الجمهورية العربية السورية، واعتقلوا الشخصيات الوطنية وضيقوا عليهم.

تابعوا عملية الاحتلال، فشكلوا محاكم يسمونها (بيت الشعب) وأسسوا أجهزة أمنية هي الأسايش، ووحدات حماية المرأة وأجهزة استخباراتية وقوات تدخل سريع (هات) وتعني بالعربية جاء! ثم نظّموا انتخابات مزورة لإعطاء شرعية للحكم الذاتي، بقصد “شرعنة” الاحتلال الأمريكي حسب ظنهم، حيث قسموا شمال سوريا لثلاث كانتونات (مقاطعات) وهي: الجزيرة، عين عرب، عفرين. هذا قبل أن يخسروا عفرين…

بتوجيه وإشراف أميركي، شكلوا ميليشيات مليشيا قوات سوريا الديمقراطية، التي أطلقنا يومها في مركز فيريل عليها اسم “عصابات قَسُد”، والهدف الأبعد كان، الرقة ودير الزور ، وكونهم أقلية لا يملكون ما يكفي من المقاتلين، قامت واشنطن بتشكيل هذه المليشيا بقيادة ypg حتى تضم أبناء القبائل العربية، مستغلة حاجتهم للوظائف وتوفير الأمن، بسبب غياب الدولة السورية التي كانت مشغولة بحرب طاحنة في المناطق الحيوية بالداخل السوري، والمفروض أنها سلّمت الحسكة لأبناء سوريا “الشرفاء”!!

إذاً

سياسة المليشيات الكردية وحزب الاتحاد هي مسك العصا من النصف بين القطبين، لضمان بقائهم ضمن اللعبة، فهم في الحسكة وشمال دير الزور والرقة وعين عرب مع واشنطن، وفي شمال شرق حلب منبج وعفرين وأحياء حلب وجنوب غرب الرقة مع سوريا وروسيا نوعا ماً… هكذا يدّعون، لكنهم انكشفوا…

بعد فشل “مبدئي” لمخطط تركيا، وهزيمة مشروع الإخوان المسلمين الذي قادته أنقرة والدوحة في سوريا، بسبب انتصارات الجيش السوري وحلفه في حمص وحلب وأرياف دمشق والبادية، شعر الأتراك بالخطر الكردي، فغيروا سياستهم بشكل كبير وأصبح الهدف الأساسي حماية أنفسهم، فقاموا بقطع الممر الكردي من منطقة جرابلس حتى الباب، ثم واصلوا القطع ليشمل عفرين ومنبج لتضاف لإعزاز ومارع وقسم كبير من ريف شمالي حلب.

مقالة ذات صلة

مشروع الفيدرالية الاستيطانية الكردية في عفرين والحسكة، فاشل بامتياز

الأهداف التركية من حربها ضد الأكراد

ضرب المشروع الكردي الاستيطاني المتنامي، والذي يشكل خطراً على الأمن القومي التركي.

تشكيل منطقة آمنة لجماعاتها المسلحة تربطها بشمالي إدلب، حيث ستكون هذه المنطقة خط انسحاب عملائها الأخير.

إعادة “مونتاج” لتنظيمي النصرة وداعش وتنظيمات التكفير، كقوة عسكرية مشاركة بالعملية السياسية القادمة، بعد تغيير الأسماء والأهم حلق الذقون…

احتلال الجزء الشمالي الغربي من ريف حلب وكامل إدلب، تمهيداً لضمه لاحقاً إلى تركيا، تماماً كما حدث في لواء اسكندرون المحتل.

 

تُدركُ دمشق وموسكو ذلك بالتأكيد، ولن تسمحا لتركيا بتنفيذهِ، فالجيش السوري متواجدٌ بقوة في حلب وريفها الشرقي والجنوبي، كما أنّ وجود الروس في المنطقة، يُشير إلى أنّ شيئاً متفقٌ عليه حتى الآن، فهل خرجَ أردوغان عن الاتفاق السابق؟

طبعاً سيفعلها السلطان العثماني… لكن…

هزيمة المليشيات الكردية في عفرين كان متوقعاً، بسبب طمعهم أولاً وشروطهم الغبية… فإلى أين المسير وإلى أين سيهربون؟ بعد أن خدعهم الجميع، وأولهم واشنطن “القلقة”.

صحيح أنهم لن يجدوا بُداً من العودة إلى حضن… لكن الأمور مبكرة الآن، وهم يطلعون علينا كل يوم بتصريح جديد، تارةً يتوسلون تدخل الجيش السوري، وتارةً يعلنون الانفصال، تبعاً للحضن الذي يجلسون فيه!!

 

ماذا يمكن أن تفعل دمشق؟

أمام دمشق، خيارات كما قلنا سابقاً “تضيق مع مرور الوقت”. خيار (مقاومة سورية) بواقعية بات أضعف، لكنه قائم رغم ذلك، فأبناء ريف حلب ودير الزور والرقة والحسكة الشرفاء، موجودون مهما صوّر البعض اتساع الخيانة… نعم قسم كبير من العشائر في الشمال السوري تدينُ بالولاء لمعبودها أردوغان، لكنّ ولاء هذه العشائر “غير ثابت” والتاريخ يشهد.

اشتعال المعارك بين العشائر “الخائنة” وعصابات قسد يصبُّ في مصلحة سوريا “مؤقتاً” وهو أمر دقيق، فانتصار هذه العشائر في الرقة أو دير الزور مثلاً ودحر قسد والانفصاليين، سيجعلُ امتداد الجيش التركي أوسع… فنتخلصُ من انفصاليين ليأتينا محتلون عثمانيون!!.

أمام كل ما ورد نرى في مركز فيريل أنّ الحسم العسكري هو الأضمن… وهو شرٌّ لابد منه قبل فوات الأوان… حسمٌ يبدأ من… إدلب.

القادم على الشمال السوري

خروقات اتفاق إدلب مستمرة، وما حصل البارحة في منطقة الزلاقيات بريف حماة الشمالي، يؤكد أنّ هذا الاتفاق هشٌّ وأن تركيا تدعم تحركات الإرهابيين كما نشرنا على صفحة مركز فيريل في الفيس بوك. #اتفاق_إدلب_يترنح

فتح جبهات جديدة “كبيرة” في عمق محافظة إدلب، أمرٌ مطروحٌ بقوة، علماً أنّ واشنطن تسعى جاهدة لخلق اشتباك مباشر بين الجيشين السوري والتركي، وهذا يتجنبهُ الطرفان.

يجبُ وضع تركيا بموقف تجدُ نفسها مضطرة لقبول وصول الجيش السوري لحدود لواء اسكندرون شمال غرب إدلب. وهذا دور المخابرات العسكرية… وروسيا.

في الجزيرة السورية، عملت وتعمل واشنطن وباريس على تشجيع “الميليشيات الكردية” في الحسكة على مهاجمة الجيش السوري، كما حصل في القامشلي عندما قامت عصابات الأسايش بقتل عناصر الأمن السوري في 8 أيلول الماضي، بانتظار ردّ سوري، عندها تقوم الطائرات الأميركية والفرنسية بقصف مواقع الجيش، وإخراجه نهائياً من محافظة الحسكة…

اشتعال حرب كبيرة بين الأتراك والأكراد، غير وارد… فلا أحد يريد ذلك، و”طراوة” لقاء أردوغان بترامب تعني: “اضرب الأكراد لكن ليس بقوة”.

بواقعية وبعيداً عن العواطف نقول: كلما غرقت تركيا في المستنقع السوري، يتم إنقاذها تارة بإطلاق سراح القس الأميركي أو بتذويب خاشجقي بالأسيد. “توابيت” الجنود الأتراك يجب أن تزداد، وإنهاك الجيش التركي يجب أن يبدأ بحرب عصابات اختبرها سابقاً، لكن على نطاق ضيق.

صراع الأكراد والأتراك في شوارع أوروبا، يخمدُ ويشتعل، واشتعالهُ الدائم فيه مصلحة… الأمر في الشمال السوري دقيق جداً ويحتاج لعين النسر للمرور بين نقاط المطر… ومن يُجيدُ اللعب على الهاوية، لن يصعبَ عليه ذلك. الدكتور جميل م. شاهين. الأستاذ زيد م. هاشم. مركز فيريل للدراسات.