مشروع الفيدرالية الاستيطانية الكردية في عفرين والحسكة، فاشل بامتياز

ذكرنا مراراً أنّ الأكراد وعبر التاريخ كانوا لعبة بيد الدول، والتاريخ يُكرر نفسه معهم مرات ومرات وهم لا يتعلمون، فقط… يحلمون ويقعون في نفس الحفرة!!.

سوريا وبدون شك، أفضل الدول تعاملاً معهم، وحقوقهم مصانة بالدستور كمكون سوري، ولكن المصيبة في الطمع الذي يغزو الرؤوس الصغيرة حجماً وتكويناً… تتعامل القيادة السورية مع الأكراد سياسياً ضمن الضوابط الوطنية والمصلحة العليا، ولأهداف تتعلق استراتيجية بعيدة المدى مع تركيا وغيرها، لكن الملف الكردي، بات ملفاً للأسف، في المنطقة متشعبٌ خاصة في تركيا والعراق، لكن دمشق تبقى اللاعب الأساسي بهذا الملف وهو يأتي كثمرة من ثمار الانتصار السوري الكبير…

زعماء الأكراد حزب الاتحاد وضمن مليشيا قسد، متلونون متقلبون بين عواصم وعواصم، حسب موازين القوة وثقلها، هذه القوة بدأت تميل بشكل كبير لصالح دمشق، كون الأوراق التي تمتلكها القيادة في الشمال وخاصة في أماكن سيطرة ونفوذ حزب الاتحاد الكردي، مهمة ومؤثرة بشكل كبير، وهذا يمنع الانفصاليين من الاستمرار بأحلامهم، وإن ظنوا أنهم حققوا جزءاً منها بمنطقة عفرين والحسكة، هذه كلها شكليات لن تستمر، وهم يعلمون أنها مؤقتة، فتغيير لوحات السيارات أو اللغة في المدارس، ثمنه قرار قادم بسيط بإلغاء هذه الإجراءات الصبيانية. الوقت الآن لا يسمح بذلك بسبب ظروف الحرب، لكن مع بدء استقرار الوضع والتخلص من داعش، سيكون التفرّغُ لقسد وأتباعها… فإلى أين المفر؟

مشروع الفيدرالية أو الدولة الاستيطانية الكردية فاشل

مشروع الفيدرالية أو الدولة الاستيطانية الكردية فاشل لعدة أسباب:

  1. الأكراد أقلية في محافظة الحسكة، وحسب احصاءات مركز فيريل لا يشكلون حالياً أكثر من 24% بعد أن كانوا 32%، بسبب هجرتهم الكثيفة خارج سوريا، وإلى مناطق أخرى داخل سوريا، بعد احتلال قسد لريف الرقة، واستيلائها على أراض تعمل على توطين الأكراد فيها في لعبة مشابهة للاستيطان الإسرائيلي. المكون الرئيسي بالمجمل في الحسكة والرقة وحلب هو عربي سوري.
  2. حتى ضمن ميلشيات قسد، ارتفعت نسبة العرب السوريين من أبناء الجزيرة لتصل في بعض الكتائب إلى ما نسبته 75%، وهذا ما لم تتوقعه قيادات قسد نتيجة التجنيد الإجباري، كما انخرط العرب في قسد طمعاً بالرواتب وبسبب ضيق الحال، خاصة بعد انكفاء الجيش السوري والأجهزة الأمنية والدفاع الوطني ضمن مربعين أمنيين بالقامشلي والحسكة.
  3. المناطق ذات الأغلبية الكردية في الشمال السوري، مفككة وغير مترابطة جغرافياً، ابتداء من القامشلي إلى عين عرب وعفرين، أي أنّ الأكراد متباعدون عن بعض البعض، ويشكلون أقلية في المناطق الفاصلة، أو غير موجودون نهائياً، وضعهم مختلف تماماً عن أكراد تركيا والعراق وإيران من حيث أن مناطقهم بهذه الدول متصلة جغرافيا وسكانياً.
  4. قسمٌ كبير من العشائر العربية والمكونات الأخرى في مناطق نفوذ الأكراد في الحسكة والرقة وشمال حلب، تدين بالولاء للقيادة والجيش العربي السوري، وتنتظر بشغف قدوم الجيش للتواصل ولالتفاف حوله والقيام بما يلزم من مساندته… وذلك بعد أن جربت هذه العشائر التنظيمات الإرهابية المختلفة من الحر إلى النصرة إلى داعش وأخيرا المليشيات الكردية… ويمكننا القول بعد سؤالنا لعشرات من أفراد القبائل العربية السورية في الشمال السوري: (هناك حالة توتر واحتقان وعدم رضى من ممارسات المليشيات الكردية، وسوف يتحول السلاح في اتجاهه فور صدور الأوامر…) واللبيب من الإشارة يفهم...
  5. أحد أهم أهداف دخول تركيا على الخط واحتلالها لبعض المناطق في الشمال السوري، هو ضرب أكراد حزب الاتحاد فرع حزب العمال الكردستاني، والذي يعتبر عدو أنقرة اللدود، لذلك سيلجأ الأكراد شاءوا أم أبوا إلى دمشق لحمايتهم من تركيا، والغباء المتأصل في التعويل على دعم وحماية واشنطن من الصعب التخلص منه… الولايات المتحدة لن تكسب عداء دولة كتركيا من أجل مليشيا وعصابات، فقط تستغل الأكراد لتحقيق مكاسب من موسكو وسوريا، وبعدها سترميهم لأردوغان… كما أنّ واشنطن تضع حزب العمال الكردستاني ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، وصرح المسؤولون الأمريكان مؤخرا أن واشنطن تراعي مصالح تركيا في التعامل مع الأكراد في الشمال السوري، بالإضافة لتصريح فورد أن أمريكا ستتخلى عن الكرد ولن تبقى في سوريا…
  6. بالنسبة للقواعد الأمريكية في سوريا؛ هي قواعد صغيرة وللدعم اللوجستي بحجة حرب داعش ولأهداف تخدم مصالح أمريكا تكتيكيا وسياسياً كما ذكرنا، وليست قواعد دائمة… كما أكدت ذلك قيادة الأركان في الجيش الأميركي: الوجود الأمريكي في سوريا مؤقت لأنه غير شرعي وليس بطلب من حكومة البلاد عكس التواجد الروسي، وبإمكان روسيا طردنا من سوريا… القواعد الدائمة تكون كقواعد أميركا في السعودية والبحرين وقطر وغيرها من دول الخليج، ووفق اتفاقيات دولية توقع عليها الحكومات الشرعية، فمَن وقّع على الوجود الأميركي في الشمال السوري؟
  7. الأكراد السوريون مقسّمون بين فريقين أساسيين: برزانيين يمثلهم سياسياً المجلس الوطني الكردي وذراعهم العسكري عصابات البيشمركا، وهؤلاء يتبعون لأمريكا وتركيا، والفريق الثاني أوجلانيين، يمثلهم سياسيا حزب الاتحاد الديمقراطي وحلفه من أحزاب كردية صغيرة، وذراعهم العسكرية وحدات حماية الشعب وعدة تنظيمات مسلحة أخرى، كالأسايش ووحدات حماية المرأة وقسد، وهؤلاء منعوا التواجد العسكري للبرزانيين بشكل مطلق وهددوهم بإجراءات صارمة إن حاولوا دخول مناطق نفوذ حزب الاتحاد، وذلك لأسباب تتعلق بصراع النفوذ في تمثيل المكون الكردي وخلاف أيديولوجي وفكري حاد وعميق، لذلك لن يكون هناك توافق إطلاقاً بين أكراد سوريا، وكلّ يتبع سيّدهُ…
  8. الدول الإقليمية التي يتواجد فيها أكراد، إيران تركيا والعراق، وأقليات ضئيلة في لبنان وأرمينيا وأذربيجان وروسيا، كل هذه الدول لن تسمحَ بقيام دولة كردية مهما حصل، لأنها تعني امتداد العدوى الاستيطانية الكردية إلى أراضيها.
  9. تواجد الجيش السوري في الحسكة والقامشلي، مدعوم بكتائب البعث والدفاع الوطني، سيكون نواة لحضور مستقبلي لقوات أكبر، حيث يتم تشكيل حشد عشائري بالحسكة لمؤازرة الجيش وقوات عشائرية عربية في الرقة مساندة للجيش بقيادة تركي الحمد، وفي دير الزور تم تشكيل قوات قبلية بقيادة البشير، لتكون مساندة للجيش الذي بات موعد فك حصار المدينة قريب…
  • رغم تلوّن حزب الاتحاد الديمقراطي، فهو لا ينظر للجيش العربي السوري ودمشق كأعداء، مكرهٌ أخاك لا بطل، حيث أنه يعتبر قضيته الأم ونضاله الأساسي في تركيا. ولم تستهدف القوات المسلحة السورية ميليشيا الأكراد كبقية الجماعات والمنظمات، رغم بعض الصدامات التي حدثت بسبب انحراف البوصلة وضبابية الرؤية عند المليشيات الكردية تلك، وذلك لأنهم يبنون استراتيجيتهم على تناقض مصالح الدول الكبرى والإقليمية وميزانهم وسياستهم الجلوس بحضن الأقوى…
  • وجود قاعدة روسيا في عفرين ومنبج، رسالة من موسكو لتركيا وواشنطن تدعم موقف دمشق وأهدافها في الملف الكردي كحليف استراتيجي حيوي.
  • فشل المشروع الامريكي في جنوب سوريا والبادية، قطع تحرك الإرهابيين باتجاه البوكمال بعد وصول الجيش السوري وحلفاؤه للحدود العراقية، وتحرير تدمر وشرق حلب وريف الرقة، والتوجه إلى دير الزور من ثلاثة محاور، كل هذا حجّم المشروع الأمريكي في الجزيرة السورية مقر تواجد ونفوذ الأكراد.
  • وصول الحشد الشعبي العراقي للحدود السورية من اتجاه الحسكة، منع تواصل كردي من جهة العراق أو امتداد نفوذ لحزب الاتحاد الديمقراطي داخل العراق، وهذه خطة ذكية جداً… كما حصل في سنجار وربيعة حيث تمددت وحدات حماية الشعب لكنها دخلت بخلاف كبير مع البيشمركا وقيادة إقليم كردستان العراق، وصلت للصدام والاشتباكات المباشرة سقوط قتلى، كما أن ضربة الطيران التركي التي استهدفت ypg تحمل عدة رسائل للأوجلانيين الكرد السوريين.
  • تفرغ الجيش العربي السوري من جبهات كبرى كحلب وحمص وأرياف دمشق الغربية والشمالية والجنوبية وأرياف حماة واللاذقية والبادية، وفر قدرة بشرية عسكرية محنكة كبيرة وذات خبرة طويلة بالميدان، حيث ستكون قوة رادعة لأي تصرف متهور من قبل المليشيات الكردية…
  • ستشكل مطارات القامشلي ودير الزور وكويرس مثلثاً جوياً حيوياً عسكرياً، يُسقط أي مشروع لا ترضى عنه دمشق.

 

ما يجري في عفرين؛ (شاهد الصورة السابقة)، كالكفيل والمناهج وأرقام السيارات، ليست أكثر من غباء صبية يستغلون غياب سيّدهم، فيلهون ويصيحون وقد ظنّوا أنفسهم أصبحوا رجالاً، بينما في الواقع هم حتى في صياحهم يُفيدون سيدهم، كونهم ورقة شجر فصلية، تسقط مع بداية الخريف… وسيسقطون.

ولمن لا يدري من هؤلاء الصبية في عفرين والحسكة: رواتب الموظفين، الكهرباء، الماء، تصدير واستيراد المحاصيل الأساسية كالقمح والزيتون، تتم حصراً من وعن طريق دمشق، فيا أيها الأغبيــاء ماذا سيحدث إن غضبت دمشق؟

القادم هو: خلال شهور سنرى الأكراد الانفصاليين يحجون مجدداً إلى دمشق، بعد أن يصحوا من سكرتهم، ويُسحب البساط من تحت نعال الأميركيين، وكما نقول دائما في مركز فيريل: لا فيدرالية لا احتلال لا تقسيم، سوريا دولة مركزية. مركز فيريل للدراسات. 06.08.2017. زيد م. هاشم.