المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل: “فلنتحدث مع الأسد.” د. جميل م. شاهين

خاصّ بـ مركز فيريل للدراسات ـ برلين Firil Center For Studies FCFS Berlin, Germany

عندما اجتمع القادة الأوروبيون لمناقشة أزمة اللاجئين في أوروبا، خاصة اللاجئين السوريين، قالتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في قمة الاتحاد الأوروبي في 24 أيلول 2015: “؟ Warum wir nicht mit Assad reden dürfen“، لماذا لا يُسمحُ لنا أن نتحدث مع الأسد؟ فقامت القيامة ضدها، وسخرت منها الصحافة الألمانية والعالمية. قال المحلل السياسي Hofreiter  على قناة ZDF: “سبب كلام ميركل هو الضغط الروسي الذي مارسه عليها بوتين.”. وكان الإجماع الأوروبي وقتها: “لن نتحدث مع رئيس يقتل شعبه بالبراميل.”

رئيس حزب SPD-Fraktionschef الحزب الاشتراكي الألماني Oppermann قال: “يجب أن نتحدث مع الأسد، يجب أن نفعل شيئاً لإيقاف تدفق اللاجئين.”.

مع التدخل الروسي في سوريا، عادت الصحافة الألمانية والأوروبية لتتحدث عن اللاجئين المساكين، ومعاناة السوريين ازدادت ليس بسبب القصف بالبراميل فقط، بل من هجمات الطيران الروسي المجرم، واتسعت أبواب أوروبا وأحضانها ومنازلها، ورغم ازدياد نسبة الجرائم والتي يتحمل اللاجئون القسم الأكبر منها، كابر الأوروبيون وأخفوا الحقائق عن شعوبهم، بانتظار أمر ما لم يحدث؛ وهو تخلي موسكو عن دمشق، كما وعدتهم واشنطن والرياض، وجاءهم الرد الروسي عبر الرئيس بوتين، حسب Hofreiter: “لابد أن تتحدثوا مع الأسد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.”

الفشل المتتابع لمهمة الإيطالي ستيفان دي ميستورا، في التفاوض مع عشرات الفصائل المسلحة ومئات المعارضين السياسيين، والذين يتبع كل واحد منهم دولة ما أو جهة أو جهاز استخبارات معين، كانت النتيجة حسب مركز فيريل للدراسات في برلين: “علينا التفاوض مع عشرات الأشخاص والدول والمنظمات المعارضة، من جهة، بينما علينا التفاوض مع شخص واحد هو الرئيس الأسد من جهة أخرى، فأيهما أسهل؟”. هنا أدرك الأوروبيون بشكل عام، والألمان بشكل خاصّ أنّ مفتاح الحل الدولي في سوريا هو بيد موسكو، وليس بيد الولايات المتحدة، وهي لن تتخلى عن الرئيس الأسد نهائياً. أما مفتاح الحل في سوريا فيمسكه الرئيس الأسد من طرف، بينما يمسكه مئات المعارضين والسياسيين من سوريين وغير سوريين، من الطرف الآخر.  

التهديدات العلنية التي أطلقها إسلاميون متطرفون في ألمانيا، تمّ التعتيم الإعلامي من قِبل الحكومة الألمانية عليها، علّق أحدهم في حزيران 2015، لافتة على جسر فوق أوتستراد رقم 6، قرب مدينة Kirchardt. ورد في اللافتة:

german-banner-copy

Eure Kinder werden zu Allah beten oder sterben والترجمة: “يجب أن يعبد أطفالكم الله، أو يكون مصيرهم الموت.” قالت يومها الشرطة الألمانية ببرود: “كانت مزحة سيئة!!”. نفس اللافتة عُلّقت بتاريخ 21.09، ثم بتاريخ 09.11.2015، على أوتستراد A46 باتجاه مدينة دوسلدورف، لافتة شاهدها مئات الآلاف من الألمان، كما في الصورة، لم يذكرها أحد سوى الذين التقطوا الصورة وأنزلوها غلى الفيس بوك، أما الفيديو فقد تم حذفهُ. وجدت وسائل الإعلام تبريراً لهذا التصرف المشين؛ “مريض نفسي”. المريض النفسي يهدد ألمانيا: “على أطفالكم أن يعبدوا الله، أو سيُقتلون”.

تعالت الأصوات المحذرة من الأعظم، لكنّ حكومة ميركل أصبحت صمّاء بكماء، تتحدث عن حوادث فردية لا تشكل خطورة على الأمن، ومزحات سيئة.

الآن في أواخر تموز 2016، وبعد سلسلة هجمات بالأسلحة والسكاكين وتفجيرات انتحارية، وقطع رؤوس، ودهس بالشاحنات، وابتكارات في الوحشية والهمجية، اجتاحت أوروبا خاصة فرنسا وألمانيا وبلجيكا، انقلبت الآية 180 درجة، ورضخ الساسة الأوروبيون. وكما أورد مركز فيريل للدراسات في مقالة ” تحرير حلب قبل الميلاد، والأسد… أخرسَنا”، , والتي نقلتها كبريات الصحف و “نسخها” الناسخون ونسبوها لأنفسهم:

برلين: تحرير حلب قبل الميلاد، والأسد… أخرسَنا. خاص بمركز فيريل للدراسات ـ برلين. Firil Center For Studies FCFS Berlin. Germany د. جميل م. شاهين ـ برلين

فالانقلاب الذي جرى في تركيا أظهر الوجه البشع لأردوغان، وبات الحديث جدياً عن إلغاء اتفاقية اللاجئين مع تركيا، فسارع أردوغان متهماً  ألمانيا: “أنا أبلغت المستشارة أنجيلا ميركل بشأن الإرهابيين، وقدمت لها 4 آلاف ملف، وعندما أسألها بشأنهم، تقول إن القضاء يتخذ مجراه، عدد الملفات وصل إلى 4500”. ثم يتحدثُ أردوغان عن العدالة!: “العدالة إن تأخرت فهي ليست بعدالة، الإرهابيون يعيشون في ألمانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا، ولا يتم تسليمهم إلينا، بالرغم من أن مكافحة الإرهاب هي مكافحة تتم عبر التعاون المشترك، وإن لم تكن كذلك، فألمانيا أيضا في خطر وكذلك فرنسا وهولندا وبلجيكا وكل الدول الأوروبية والعالم بأسره”.

cardd6b4b23b5820d07743fc27af59aef0f5

رئيس الاتحاد الاجتماعي المسيحي CSU، Horst Seehofer أكد أنه لابد من تشديد قوانين إقامة اللاجئين، ضاغطاً على ميركل، مطالباً بإغلاق الحدود بوجههم، لكن أخطر ما قالهُ البارحة: “إن الإرهاب الإسلامي قد وصلت في ألمانيا،” “لدينا الآن بُعد جديد للإرهاب، هو الإرهاب المستوحى من الإسلام، الإرهاب المستوحى من الإسلام، هل نريد أوضح من ذلك؟

ما رشح من معلومات حصلنا عليها في مركز فيريل للدراسات في برلين، حول ما دار  في اجتماعات الحكومة الألمانية، عقب تفجير آنسباخ الذي قام به سوري معارض، قاتل ضد الجيش السوري وهو خبير متفجرات:  لدى الحكومة الألمانية القناعة التامة بأنّ الرئيس الأسد هو الوحيد القادر على مساعدتنا، لقد تحدثنا معه بشكل غير مباشر، وعلينا الآن أن تكون اتصالاتنا به مباشرة، والحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة ميركل هو المؤيد الأول لهذه الخطوة، لكن المشكلة الآن فقط في السعودية التي تحاول عرقلة أية مساعٍ. فالولايات المتحدة عقدت اتفاقاً مع روسيا، وهذا ما دفع السعودية لعرقلة الاتفاق بعرض سخيف لروسيا من جهة، ولتحريك الوضع في دمشق وقصف المدنيين بالهاون.” لقد أعادت ميركل القول البارحة: “فلنتحدث مع الأسد.”.

الكاتب د. جميل م. شاهين ـ برلين 27.07.2016

خاصّ بـ مركز فيريل للدراسات ـ برلين، ألمانيا. Firil Center For Studies FCFS Berlin, Germany