الوضع الإقتصادي في سوريا، ماذا بعد؟

الوضع الإقتصادي في سوريا، ماذا بعد؟ Firil Center For Studies FCFS. 05.06.2020 عدد القراءات 63934

حتى عام 2000 كان الاقتصاد السوري اقتصاداً اشتركياً بشكل عام، والدولة تُسيطر على معظم الشركات والمعامل، لهذا كانت نتائج العقوبات الإقتصادية قبل هذا التاريخ لا تصلُ لما يحدثُ حالياً من التأثير على الحياة المعيشية للمواطن السوري وإرتفاع الأسعار والدولار الجنوني.

جاءت الحكومات المتعاقبة ومعها ما سُمّيَ “الإصلاحات الاقتصادية” وعملية نقل الاقتصاد السوري الاشتراكي، إلى الاقتصاد الرأسمالي “اقتصاد السوق”. حاولت تلك الحكومات “خداع” الشعب فأسمتهُ (اقتصاد السوق الاجتماعي) كي لا يظهر الانقلاب التام على ما كان قبل عام 2000، جرى إنفتاح اقتصادي سريع، قسمٌ منهُ اعتباطي غير مدروس وقسمٌ آخر قام به مسؤولون تربطهم علاقات برجال أعمال وأثرياء أجانب وسوريين، أي منفعة مشتركة

بدون رتوش؛ كلّ ما جرى كان نزولاً عند أوامر وتوصيات بعثة مشاورات صندوق النقد الدولي السنوي، وفق المادة الرابعة من ميثاق التعاون: (تقارير 2008 و 2009)، كل هذا ترافق مع إهمال الجانب المعيشي والاجتماعي لشريحة واسعة من الشعب السوري، فارتفعت معدلات الفقر والبطالة وازدادت الفجوة الاقتصادية والاجتماعية و… إذاً؛ ما يحدث الآن لا تتحمّلهُ الحكومة السورية الحالية وحدها بل نتيجة سياسات خاطئة متراكمة عبر حكومات متعاقبة ابتداءً من حكومة (مصطفى ميرو. مدرّس لغة عربية) عام 2000، ثم تفاقمت بسبب سياسة حكومة (محمد ناجي عطري. مهندس معماري) ونائبه عبد الله الدردري 2003 حتى 2011، حكومة عطري تتحمّل أكبر خطأ “مقصود” بما يجري الآن، ولم تتم محاسبتها عما اقترفتهُ من جريمة بحق الإقتصاد السوري. لتأتي حكومة (عادل سفر. مهندس زراعي) التي بقيت سنة فقط، بعده (رياض حجاب. مهندس زراعي) لشهرين، فـ (وائل حلقي. طبيب) حتى 2016 وأخيراً حكومة (عادل خميس. مهندس كهرباء) الحالية.

ماذا يحدث الآن في سوريا

نشرنا عدة مرات حول الإقتصاد السوري وقلنا أنّه مقبل على تحسّن إذا… وإذا ظرفية شرطية، والشروط كانت واضحة أهمها محاربة الفساد وهذا ما نشرناه في مركز فيريل للدراسات عام 2016… لم يحدث شيء ولم تقم الحكومات والأصح، لم تستطع الحكومة محاربة الفساد لأنه تغلغل بين كبار المسؤولين لتصبح سوريا بين أكثر الدول فساداً في العالم، وهذا ليس تجنٍّ بل حقيقة. فساد مع حرب واحتكارات وخطة إقتصادية فاشلة وعقوبات خارجية وجرائم سابقة بحق الصناعات المحلية والزراعية… أضيف لكل ما ورد قانون سيزر ومعه الخلاف مع رامي مخلوف وما يُمثلهُ من تحكّم رجال الإعمال بالإقتصاد السوري والإغلاق بسبب وباء كورونا… أيّ إقتصاد في العالم يمكن أن يصمد أمام هذه الحالة؟!

ما يظهر حالياً يؤكد أنّ الخطة الإقتصادية التي وُضعت منذ 2003 تحديداً لتدمير الإقتصاد السوري، قد نجحت. فالدولة السورية باتت عاجزة عن فعل شيء… نعم عاجزة وكفانا إختباءً وراء الشعارات التي لا تُطعمُ جائعاً. “الخصخصة” مستمرة، والقطاع الخاصّ بات يملكُ أكثر مما تملك الدولة بل يتحكم بالسوق والأسعار. سوريا في فترة الثمانينات تعرضت لعقوبات مماثلة وخاضت حرباً داخلية ضد الإخوان المسلمين وضد إسرائيل في لبنان، حدثت ضائقة إقتصادية لكنّ سعر الدولار لم يتجاوز 48 ليرة سورية! الوضع الحالي أصعب بالتأكيد لكن ليس لدرجة أن يصل الإنهيار بسعر الصرف إلى 40 ضعفاً!؟  

العقوبات الإقتصادية والسياسية والتجارية والحصار مفروض على كوبا منذ 19 تشرين الثاني 1960 في أطول فترة بالتاريخ، رغم ذلك أرسلت كوبا مساعدات وتجهيزات طبية وأطباء لمساعدة 21 دولة، تخيلتم الرقم؟ نتيجة وباء كورونا كإيطاليا وقطر وهندوراس. عقوبات على الصين وروسيا وكوريا الشمالية التي طورت برنامجاً نووياً رغم العقوبات، وإيران منذ 1979 التي أطلقت أقماراً صناعية وطورت منظومة صواريخ، وفنزويلا… وغيرها، لكن ما يحدث في سوريا هو الأسوأ على الإطلاق، لسببين رئيسيين أولهما أنّ تلك الدول تُسيطر على الأسواق ومعها الأسعار وهي أقوى من الأثرياء ورجال الأعمال، والثاني إعتمادها على الصناعة المحلية. طبعاً هناك أسباب أخرى كالحرب وموقع سوريا بمواجهة مع إسرائيل وكون الفساد أعلى من هذه الدول التي تعاني أيضاً منه.

القادم على سوريا إقتصادياً

النتيجة الحتمية لإرتفاع الإسعار هو سحب السيولة من يد المواطن السوري وتراجع القدرة الشرائية، لن نخوض بتفاصيل إقتصادية هنا لكن بنظرة مُبسطة نقول: دخلت سوريا الآن بمرحلة تضخم عشوائي خطير، لأنّ التضخم العادي يرافقهُ: إرتفاع الأسعار ومعها إرتفاع الأجور والرواتب وتضخم الأرباح وزيادة التكاليف، وتضخم الإئتمان المصرفي، لتقوم الدولة بزيادة إصدار العملة النقدية.

النتائج التي ستظهر خلال الفترة القادمة، عدة شهور، هي (كساد تصاعدي نتيجة التضخم)، أي استمرار إرتفاع الأسعار رغم عدم قدرة المواطن على الشراء، وتشمل المواد القابلة للتخزين… لكن إلى متى؟ إلى متى يمكن للتجار الصبر على توقف حركة البيع وتحريك رؤوس أموالهم؟ التجارب تقول شهور قليلة لأنهم سيعانون من خسائر كبيرة، فيضطرون لطرح البضائع بأسعار أرخص، وحتى لو حصل هذا فلن تكون حركة البيع كبيرة لأنّ السيولة باتت شبه معدومة بين يدي الشعب، لهذا ستكون خسائر المحتكرين كبيرة إن حصل هذا، فهل سيحصل؟ Firil Center For Studies FCFS. التصادم بين بين الأثرياء والدولة في تصاعد مع تهريبهم للأموال خارج سوريا، وتوقفهم عن مشاريعهم للضغط على الحكومة وتحقيق طلباتهم. هو صراع عضّ الأصابع بين الطرفين، والذي ما كان سيحدث لولا أنّ الفساد والسياسة الإقتصادية هي التي تركتهم يتحكّمون إلى حد بعيد بالوطن وقوت المواطن.

تبقى المشكلة الأهم هي وصول الأزمة الإقتصادية إلى الغذاء والدواء وهو ما لايمكن أن يستغني عنه المواطن. الحكومة لم تفعل شيئاً يستحق الذكر لتحقيق الأمن الغذائي والدوائي سوى “اللطم” وتحميل العقوبات المسؤولية. هل يشملُ قانون سيزر البندورة والفراريج والبيض…؟ لماذا ترتفع أسعارها رغم أنها إنتاج محلي 100%.

انعدمت الشفافية في التعامل مع المواطن، ولم يظهر مسؤول واحد شجاع “يُكلّفُ خاطره” ويشرح بصدق ما يجري، تاركين الساحة للإشاعات وإعلام الغير وصفحات التواصل الإجتماعي، للتلاعب بالأسعار وسعر الصرف الذي تُحدّدهُ صفحاتٌ غير معروفة المنشأ. هل لاحظتم هذا التناقض: سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار تُحدّدهُ صفحات وهمية ليُصبح حقيقة على الأرض، بينما سعر صرفه العالمي الحقيقي يُصبح وهمياً! طبعاً وهمي، لأنّ المواطن يريد أن يرى ذلك على أرض الواقع، ماذا يهمني إن كان سعر الصرف بـ700 ليرة وعندما أشتري غذاءً لأطفالي يصبح بـ2150 ليرة و… إلى صعود.

كيف يتم الإنقاذ؟

في مقالات وأبحاث سابقة طرحنا حلولاً وليس فقط مشكلات، وكم حذّرنا وحذرنا لكن لا أحد يريد أن يسمع… وهنا اليوم نطرحُ في مركز فيريل للدراسات حلولاً إنقاذية… مع إحتمالات أخرى قد تنقذ الواقع الإقتصادي من الإنهيار التام.

البحث التالي فيه 10 خطوات للحلّ الإقتصادي في سوريا

حسب رأي الدكتورة نسرين زريق، أستاذة الإقتصاد، تتسارع إعلانات الإفلاس بين رؤوس الأموال غير المتوقع إفلاسها. جفاف السيولة كان نتيجة طبيعية لسياسات السحب النقدي وذلك لزيادة المصاريف الإنفاقية الحكومية تحضيراً لعقوبات أو مروراً بها، أو لأسباب عسكرية باعتبار الجبهات لم تغلق بعد. الحل يكون بتحرير القروض الإئتمانية للأفراد، وتغيير سعر صرف العملة الرسمي بحيثُ يُحقّقُ توازناً بين سعر السوق والسعر الرسمي، باعتبار أننا أصبحنا في حالة اقتصادية مبنية على الاستيراد غير الممول بالقطع الأجنبي والمفكك عن التصدير، وبحالة إلغاء إعادة القطع وعقوبات تحويل تقييدية للحجم، وإغلاق حدود تقييدي للحركة وأزمة لبنان. التوجه نحو الاستثمار الآن، غير مجدٍ، بسبب إرتفاع معدل الخطورة نتيجة الوضع الإقتصاد العالمي ككل، والعقوبات الاقتصادية وعدم استقرار الأسعار.  الحل الأخير سيكون مناسباً إذا تمّ رفع سعر الفائدة 10% مما يُحققُ إستقراراً في الأسعار.

إنّ إنتظار حلّ سماوي سحري لا فائدة منه. أو توقّع تدخّل دولة ما كروسيا لإنقاذنا أيضاً لن يكون سحرياً. الحلّ الأساسي يأتي من الداخل بعدة خطوات سبق وفصّلناها مراراً وتكراراً عسى أن يكون التكرار مُعلّماً… يمكنكم مراجعتها في البحث السابق.

أخيراً؛

كفى بحثاً عن شماعات لتعليق الفشل، وآخر شماعة هي قانون سيزرأسعار الدواء تضاعفت منذ أسابيع والأسوأ اختفى هذا الدواء من الأسواق، ويعزون السبب لقانون سيزر الذي لم يكن مُطبقاً… الإقتصاد السوري والحياة المعيشية في أسوأ مرحلة، واتباع ذات السياسة الإقتصادية كمَن ضرب رأسه بالحائط. الأمر أصبح مسألة إنقاذ وليس تدراك خطأ، وبوضوح أكثر…

بوضوح أكثر… اقتربنا من الوقت الذي ينبغي فيه على الدولة وتحديداً “القيادة” أن تقوم بإنقلاب شامل… شامل وليس فقط تغيير وزير. إنقلابٌ يبدأ من القيادة القطرية كاملة وبالأسماء من هلال هلال نفسهُ. إنقلابٌ ضدّ مَن يُرشحون هذه الأسماء لاستلام المناصب الرفيعة وعلى أيّ أساس؟ فقط لأنه عضو في حزب البعث أم لأنه محسوبٌ على الجهة الفلانية أو الدولة العلتانية أو يُصفّقُ بحرارة ويتقنُ الدبكة؟ هذا هو الحلّ الإسعافي الذي يجب أن يحصل قبل نهاية الصيف وإلا… يمكنكم الآن حظر مركز فيريل للدراسات واتهامه بوهن الأمة وكأنكم حُماة هذه الأمة…

ماذا حصل بعد إقصاء عاطف ندّاف وزير التجارة الداخلية وقدوم “رجل الأعمال” طلال البرازي؟ هل تحسّن الوضع وهل كان ندّاف هو المسؤول الأوحد؟ إنقلاب شامل يُعيد للدولة سيطرتها على الأسواق وسعر الصرف والشركات ورؤوس الأموال، ومحاسبة الفاسدين فوراً وليس تركهم يفرّون خارج سوريا… عسى أن تستطيعَ التخفيف من أخطاء قاتلة بدأتها حكومة العطري وأتباعهُ…  مركز فيريل للدراسات. 05.06.2020. لا تنتظروا حتى ترون الربيع الثاني يطرق أبوابكم، وتتذاكون بالطلب من المواطن السوري التحلي بالصبر! فالجائع لا تمنعهُ أسوارٌ ولا بنادق ولا حتى يا هُما لالي… وقد أُعذِر مَن أنذر.