أنقذوا الاقتصاد السوري

أنقذوا الاقتصاد السوري. مركز فيريل للدراسات 12 حزيران 2020. باتت أسباب الأزمة الإقتصادية معروفة، وقد بحثنا ذلك مُطولاً وسنكتفي هنا بطرح الحلول واتهام سكان المريخ بما يحدث في سوريا. سنطرحُ أمثلة على الحلول الآنية والسريعة لتجاوز الأزمة المعيشية، بعيداً عن الترف والبذخ ودون تفاصيل واسعة. مَن لديه القدرة المادية ليس عليه أن يأخذ بحلولنا، ومَن لا تعجبه فليأتِ بأفضل منها أو فليراقب صامتاً.

 نقاط رئيسية في الحلول الداخلية

أولاً: هناك عشرات الحلول في كل مجال ومازال بإمكان الدولة السورية إنقاذ الوضع بإجراءات سريعة، وتدخلها الأخير لإيقاف تدهور سعر صرف الليرة أثبتَ أنها قادرة. الأهم؛ الحفاظ على صعود سعر صرف الليرة والاستمرار بذلك، وليس صعود سريع ثم عودة إلى السابق. ما يحدث هو تراجع سعر الليرة وليس صعود الدولار، فالدولار عالمياً في تراجع منذ بداية الأحداث في مينابوليس.

ثانياً: آن الأوان لاستعادة الدولة زمام المبادرة وتحجيم القطاع الخاصّ دون إلغائه، أي تعود الدولة أقوى من التاجر وتسيطر عليه وليس العكس، فتكون هي التاجر الرئيسي الوحيد المستورد والمُصدّر والمسيطر على السوق بطرح كافة البضائع والمواد الرئيسية في صالاتها. وقد تحدثنا بتاريخ 5 حزيران الحالي عن (الإنقلاب الشامل) هذه من خطوات هذا الإنقلاب… على الدولة التعامل بحزم مع الحيتان والمسؤولين دون إستثناء، لا نُطالبُ هنا بتعليق المشانق لأنه لن يحدث، فكبار المسؤولين شركاء لهذه الحيتان. المقصود، نُكرر: حصر الإستيراد والتصدير والتصنيع والإنتاج بالدولة بشكل عام خلال الفترة القادمة على الأقل، لأنّ القضية باتت صراع وجود.

ثالثاً: دعم المزارعين وصغار الصناعيين والكسبة والكفاءات والخبرات السورية.

رابعاً: تمرّ سوريا بأصعب وقت وأعداء الداخل والخارج يُراهنون على إنهيارها الإقتصادي، خروج الدولة من هذه الأزمة سيكون صداهُ وتأثيرهُ موازياً بل أقوى من الإنتصار العسكري. بالأرقام؛ الناتج الإجمالي السوري لعام 2017 هو 45  مليار دولار بينما الناتج الإجمالي لنفس العام لمدينة برلين لوحدها هو  155,52مليار دولار، أي الناتج السوري يساوي 29% من ناتج برلين، كما أنّ متطلبات المواطن السوري متواضعة وبسيطة. إذاً إنعاش الإقتصاد السوري لا يحتاج لأرقام فلكية يتم تداولها، وكما يسهلُ ضرب الإقتصاد يسهل أيضاً إنعاشهُ…

خامساً: ماذا حصل كي يتراجع سعر الصرف بهذه الصورة الجنونية؟ تمّ سحب السيولة من الأسواق والبنوك، وتهريب مبالغ كبيرة إلى إدلب والجزيرة السورية المحتلة بالتواطؤ مع الاحتلالين التركي والأميركي وطبعاً الفساد الداخلي و… الخيانة… تحالف الأثرياء الأصدقاء والأعداء ضد الدولة. انتشرت شائعات عبر وسائل التواصل الإجتماعي وترهيب من قانون قيصر… بالنتيجة؛ لعبت الحقيقة دورها إلى حد ما، بينما كان للإشاعة دور كبير وسط صمت الإعلام والمسؤولين السوريين، بل أنهم “تفاجؤا ودهشوا”… صفحاتٌ غير معروفة المنشأ تحدد سعر الصرف وتتلاعب بالإقتصاد السوري!. القادم؛ إشاعات أوسع من الجانبين والمصدقون أكثر. إذا كان السبب وراء التصدير هو الحصول على العملة الصعبة والذي يقوم بمعظمه التجار والأثرياء، السؤال: أين يضع هؤلاء أموالهم؟ في البنوك الأجنبية. كم ثري سوري وقف مع وطنه؟ إذاً أوقفوا إجازات التصدير فاقتصادكم لا يستفيدُ شيئاً بل يخسر من ورائهم.

سادساً: أمران قادران على إنقاذ الاقتصاد السوري؛ الإنقلاب الشامل الذي تحدثنا عنه قبل أيام، والثاني روسيا فقط القادرة على مواجهة الولايات المتحدة بطرق ديبلوماسية مع القوة.

سابعاً: الحكومة الجديدة هي حكومة مؤقتة ستتغيّر بعد إنتخابات مجلس الشعب القادمة. تغيير كامل للطاقم الحكومي القادم أمرٌ لا مفر منه، فكافة المسؤولين أخذوا فرصتهم ولم يأتوا بالحلّ، فلِمَ الإصرار على نفس الوجوه؟!

ثامناً: من خطوات الإنقلاب الشامل؛ التخلي عن ترشيحات أشخاص معينين لاحتلال مناصب هامة. واعتماد المقياس الرئيسي: النزاهة والكفاءة والولاء لسوريا أولاً وليس لحزب البعث. كما يجب إجراء تغيرات شاملة تطال كافة المسؤولين الكبار دون استثناء، مع حظر سفرهم ومحاسبتهم.

أمثلة على حلول سريعة بلغة مبسّطة

الألبسة وتوابعها

صناعة الغزل والنسيج السورية من أعرق الصناعات في العالم، بدأها الإنسان السوري 5000 آلاف قبل الميلاد. اشتهرَ الدامسكو الموشَّى بالرسوم والبروكار من الحرير الطبيعي. هناك أيضاً الأغباني والديما والألاجا والكشمير والأنسجة القطنية والصوفية وصناعة السجاد والبسط حتى الخيام… كانت تتم هذه الصناعات دون استيراد خيط واحد من الخارج. المواد الأساسية: القطن، الصوف، الكتّان، القنّب، الحرير الطبيعي، هذه جميعها إنتاج سوري، ويمكن الإستغناء عن الشعيرات التركيبية بالإنكليزية  Synthetic Fibers عِلماً أنه تركيبها مثل Polyamide و Polyester من المشتقات البترولية ممكن محلياً، أو يجري استيرادها من الصين.

هناك مصانع نسيجية جاهزة وتعمل حالياً وبمواد أولية سورية دون استيراد قطعة قماش، بعضها خاصّ والآخر تابع للدولة، ومدينة حلب تُخبركم. زي الرجال والنساء العادي معروف صيفاً وشتاءً، يمكن لتلك المصانع تصنيع هذا الزي والأقمشة والمنسوجات بتنوع محدود، وتُباع حصراً للشركة السورية للتجارة أي للدولة، وبأسعار وأرباح معقولة، تُعطى كميات معينة لتجار التجزئة لمنع الإحتكار. في فترة الثمانينات تمّ توحيد اللباس الجامعي، لا نطلب ذلك الآن، لكن يمكن صناعة ألبسة شبه موحّدة لتوفير الإنتاج المتنوع، وبألوان عديدة وأسعار رخيصة للعاملين في الدولة وإلزام المسؤولين بارتدائها ليكونوا القدوة لباقي العاملين، لا أن يشتروا ألبستهم من شارع الحمراء في بيروت بأسعار خيالية. مَن يريدُ ومَن تُريد أن يشتري ألبسة أجنبية ويُماشي الموضة ولديه إمكانيات مادية، فليذهب إلى السوق الخاصّ.

الاتصالات

وضع الاتصالات والإنترنت في سوريا سيء كجودة وكأسعار واحتكار. يمكن أن تُنشئ الدولة شبكة واي فاي نصف مجانية. خدمة WiFi العامة موجودة في عشرات الدول، سواء في المباني العامة والشوارع أو في المناطق خارج المدن وبشكل مجاني وبسرعات تصل إلى 54 Mbps. في سوريا يمكن تأمين هذه الخدمة للمواطن ليس مجاناً بل بنصف السعر الحالي لشبكات الإتصال وبجودة أعلى. مَن يخشى من القرصنة المعلوماتية والتجسّس على معلوماته، هناك طرق حماية إلكترونية كشبكة VPN أو فليستعمل الشبكة الخاصة. قيمة برج الإتصالات لشبكة واي فاي هو 900 ألف دولار من قبل الشركات الصينية أو الهندية، ويغطي دائرة قطرها بين 600 متر إلى 2100 متر ابتداءً من النقطة الرئيسية. في هذه الحالة تُصبحُ الاتصالات مجانية وتكون خدمة الإنترنت نصف مجانية لتدخل خزينة الدولة سيولة تزيد عن التكلفة.

المواد البلاستيكية

نأخذ هنا مثالاً المواد البلاستيكية بكافة أنواعها. يُحصر إستيرادها بالشركة السورية للتجارة من الخارج خاصة الصين. يمكن إعادة تدوير  النفايات والمواد البلاستيكية تحديداً Recycling Plastics لإنتاج حبيبات أو مسحوق البلاستيك، فنحصل على مواد تُصنّعُ منها منتجات تختلف تماماً عن المنتجات الأصلية؛ فإعادة تدوير البلاستيك من النوع  PET وهو يحتوي على مادة البولي إيثيلين تريفثاليت المستخدم لصناعة عبوات المياه والمشروبات والمنظفات، يمكن تدويره وصناعة السجاد وأدوات المطبخ والحمامات ومواد تستخدم في البناء أو قطع غيار سيارات. الحكومة الألمانية تدفع ثمن طن البلاستيك المُستهلك من 150 ليصل إلى 800 يورو، بل باتت تستورد القمامة من الولايات المتحدة منذ عام 2013 والأخيرة تدفعُ لها، لأنها عملية مُربحة وتخلّص البيئة من النفايات الضّارة.

مشكلة الطاقة والكهرباء

بدأت أزمة الطاقة في سوريا عام 2009 وليس منذ بداية الحرب كما نظنّ… نقص في الطاقة الكهربائية وصل إلى أكثر من 1.000 ميغاواط والكلام لجريدة الثورة بتاريخ  الأحد 9 آب 2009، الحكومات المتعاقبة لم تبحث عن طاقة بديلة أو حلّ جذري وكانت آنذاك الحكومة السورية برئاسة ناجي العطري. كنّا نشرنا في مركز فيريل للدراسات بتاريخ 14 شباط 2020 عن حلّ مشكلة الكهرباء وقلنا: (الدولة التي لديها رياح وشمس ساطعة، مُعيبٌ أن يحتاج مواطنوها للكهرباء.). من خيارات الطاقة البديلة في سوريا الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

روسيا صاحبة أول محطة نووية لإنتاج الكهرباء في العالم وهي الدولة الوحيدة التي تقوم بتصنيع مكونات المحطة النووية بنسبة 100%، دون أن تستورد شيئاً من دول أخرى، أي لا عقوبات تنفع ولا إحتكار، كما تُقدّم تسهيلات مالية كبيرة… محطة الضبعة في مصر خير مثال. فلتنشئ روسيا في البادية قرب نهر الفرات محطة نووية تكون تحت حمايتها وإشرافها ولتكشف عليها الأمم المتحدة. للمعلومات التسهيلات المالية التي تقدمها روسيا تتضمن قروضاً يتم تسديدها خلال 35 عاماً، وللمعلومات أيضاً؛ تستطيعُ أية حكومة في العالم، دون فساد طبعاً، تغطية تكلفة البناء من 5 إلى 7 سنوات منذ بدء تشغيل المحطة.  

الدخان والمتة

أليست المؤسسة السورية للتبغ حسب تعريفها الرسمي: (مؤسسة تابعة لوزارة الصناعة في الجمهورية العربية السورية وهي المؤسسة الوحيدة والحصرية المتخصصة في زراعة التبغ وتصنيعه). لِمَ هذا التلاعب بسعر البيع؟ يمكن تحسين جودة الدخان الوطني وحصر بيعه بالمؤسسة دون التجار . الذي يملكُ إمكانيات مادية فليدخن أجنبي وهذه ليست مسؤولية الدولة. بالنسبة للمتة؛ ألا يمكن العيش بدونها فترة شهور فقط؟ لماذا لا يتم منع إستيرادها نهائياً لفترة معينة؟

المواد الغذائية والمنتوجات الزراعية

طالما هناك أرض زراعية لا يجوز أن يعاني المواطن من الجوع أو إرتفاع الأسعار. إذا كانت كافة المواد الأولية والتسويق والبيع داخلي 100%، فلماذا يتم ربط ذلك بسعر صرف الدولار؟ يأتي الجواب: لأنّ أسعار باقي المنتوجات ارتفع. بيعَ كيلو غرام البندورة بالجملة في درعا قبل أيام بـ100 ليرة سورية، والسبب زيادة العرض تخفض السعر مهما كانت قيمة الدولار. وصلت للمواطن بـ400 ليرة أي أنّ الخاسر الأكبر هو المزارع!! بينما أرباح التاجر والعارض هي 300%! لماذا لا تشتري الدولة الكيلو بـ200 ليرة فتدعم المزارع، وتعرض المنتوج في صالات التجزئة بشكل أوسع وتكون الأرباح 50% أي سعر الكيلو بـ300 ليرة؟ ادعموا المزارع يعطيكم أكثر وينقذكم لأنه بالنتيجة مواطن سوري.

الأمر ينطبق على باقي المواد الغذائية، فكيف يُباع لحم الغنم السوري في الإمارات بسعر مماثل بل أقل من سعرهِ في سوريا؟!

تشجيع الكفاءات والخبرات السورية

الإصرار على استجلاب خبراء من الخارج وإهمال الكفاءات السورية هو ضربٌ من الحماقة والغباء الممزوجين بالفساد. صدّرت سوريا آلاف العلماء والمبتكرين ومازالت تضم آلافاً ممن يحتاجون لفرصة ودعم… كم من مرة سمعنا عن إختراعات سورية قام بها مواطنون سوريون؟ هل تمت رعايتهم…

ألم يتمّ ابتكار جهاز يقوم بتحويل الماء إلى وقود هيدروجيني، حيث يُستخرج الهيدروجين والأكسجين من ماء البحر أو الأنهار والآبار، ويستخدم في إدارة بعض محركات مولدات الكهرباء التي تعمل على البنزين والمازوت. أليست هذه الطريقة تجعلنا نستغني على الأقل جزئياً عن البترول؟

نسأل هنا ماذا حصل بابتكارات: محمد زاهر الخياط (محرك يعمل على الماء). المهندس محمد ياسين (جهاز تعقيم). فارس محسن الباروكي (محرّك الهواء المضغوط). المهندس منذر البوش (سيارة بالطاقة الشمسية). المهندس محمد فراس السقا (مدفأة تعمل على الماء). سليمان الرويسة (سيارة بالطاقة الشمسية). عبد الرحمن المصري (مزرعة خضار على سطح منزل 65 متراً مربعاً تُنتجُ 35 طناً سنوياً).

مثال آخر؛ يتقدّم خبراء إقتصاديون بمشاريع تنموية إلى المسؤولين، فتتم عرقلة مشاريعهم ووضع العصي في العجلة، أو سرقتها… السبب (عقدة الأجنبي). تقدّم خبير إقتصادي سوري حائز على درجة دكتوراه بمشروع (الإعمار التنموي المجتمعي) لدى مركز فيريل للدراسات نسخة عن المشروع. ماذا كانت النتيجة؟ المستشار الإقتصادي طرق الأبواب عدة مرات ووضعت فكرة المشروع على الرفوف. هو لا يبحثُ عن أجر مادي ويُقدّم مشروعه مجاناً لخدمة وطنه، فهل نأتي بمستشار أجنبي يتقاضى عشرات الآلاف من الدولارات شهرياً ولا ندري مع أية جهة يرتبط؟

إنقاذ الإقتصاد السوري يبدأ من الداخل فلا تنتظروا ضربة حظ أو عصىً سحرية من الخارج، أو حليفاً يهبّ لنجدتكم دون مقابل. أنقذوا سوريا قبل أن يلعنكم التاريخ. مركز فيريل للدراسات. 12.06.2020