عود على بدء: عقود الزّواج خارج المحاكم الشّرعيّة. الشيخ محمد وليد فليون. مركز فيريل للدراسات

السّيّد رئيس مجلس الوزراء:

وزراؤنا واعظون أم آمرون؟ فَجَمَلُ توجيهاتكم في كفر سوسة تمخّض في الميسات فولد فأراً!

والسّيّد وزير الأوقاف: أعانك الله.. يحزنني أنّك الحلقة الأضعف.

فبعد التّوجيهات الكريمة للسّيّد خميس التي أصدرها لكم وللسّيّد وزير العدل بخصوص وجوب اتّخاذ الإجراءات الّلازمة لضبط عقود الزّواج خارج المحاكم، ومنْع رجال الدّين من إبرامها.. أصدرتم الكتاب رقم (13) تاريخ 30/1/2018 ميلاديّة وغير مؤرّخ هجريّاً!!.

وقد افتُتح الكتاب بـ (براعة استهلال) في مقدّمة وعظيّة مؤثّرة، قد تسمن ولكنّها لا تغني من جوع الحقيقة، تلاها ثلاثة مفعولات (لأجله) هي:

انطلاقاً من ـ عملاُ بـ ـ تأكيداً على.

ثمّ جاء الكلام التّالي:

{… فإنّنا نهيب بالسّادة الخطباء وأئمّة المساجد والمدرّسين الدّينيّين ومديري ومدرّسي الثّانويّات والمعاهد الشّرعيّة:

  • الحديث عن ضرورة هذا التّوثيق وأهمّيّته في ظلّ الظّروف التي يعيشها مجتمعنا تحت وطأة هذه الحرب الظّالمة، والتّأكيد على أنّه من الواجبات الشّرعيّة وليس من المُستحبّات لما يترتّب عليه من تبعات دينيّة واجتماعيّة واقتصاديّة وصحّيّة.
  • عدم إجراء عقود الزّواج خارج إطار المحكمة الشّرعيّة حفظاً للحقوق وحماية للمجتمع وأداء للأمانة التي استرعاهم الله إيّاها بحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته “متّفق عليه”.

للاطّلاع وتضمين خطبة الجمعة تاريخ 2/2/2018 أو التي تليها الحديث عن هذا الموضوع}.

التّوقيع وزير الأوقاف

 

نعم، هذا الكتاب (الوعظيّ) وما فيه من إهابة، هو التّرجمة العمليّة لتوجيهات السّيّد رئيس مجلس الوزراء. ويمكنني أن أقول فيه:

1ـ مُسامَح بالتّأريخ الهجريّ مَن كتب الكتاب على الحاسب، فلعلّه سقط سهواً؛ مع أنّ وزارة الأوقاف تقيم مرّتين في السّنة على الأقلّ حفلاً عند إثبات هلال الشّهر القمريّ ـ الهجريّ ـ بداية ونهاية شهر رمضان.

2ـ لا أدري مناسبة تلك المقدّمة الوعظيّة والاستعطاف و ـ موضوع التّعبير ـ في كتاب رسميّ صادر من رئيس إلى مرؤوسيه المفروض فيه أن يكون ملزماً. ومَن يدري فلعلّه يأتيك يوم تسمع فيه عن كتاب استعطاف مِن وزارة التّعليم العالي تكتفي فيه الوزارة بالإهابة بالطّلّاب عدم تزوير الشّهادات الجامعيّة!.

3ـ أرجو من بلغائنا في العربيّة وضع أصبعهم ولو على كلمة واحدة في الكتاب تفيد إلزام المُوجّه إليهم بما فيه.

4ـ حتّى سكّان الفضاء باتوا يعلمون أنّ الحرب التي تشنّ علينا هي حرب ظالمة، ولا شكّ في أنّ المُوجّهة إليهم هذه (الإهابة) يعرفون ـ بعد السّبع العجاف ـ ذلك، ولهذا فلا داعي لإدراج هذا الوصف أصلاً في الكتاب إلّا إذا كان الهدف زيادة عدد كلماته مع شيء من المحسّنات البديعيّة.

5ـ بالحديث عن التّبعات التي أشار إليها الكتاب ـ ومنها الصّحّيّة ـ يكون السّؤال عن الأضرار الهائلة التي بيّنها الطّبّ في تزويج الصّغيرات ممّا يرفض المشايخ الاعتراف به مادام أنّه ورد في صحيح البخاريّ (وأقرّه) الفقهاء وقانون الأحوال الشّخصيّة صحّةُ تزويج القاصرين ولو كانوا دون البلوغ؛ ولو مع الفارق الكبير في السّنّ، وهم يستندون في ذلك على ما صحّ في كتب الحديث ممّا هو أكثر من “متّفق عليه” من أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عقد على عائشة وهي بنت ستّ سنين، ووطئها وهي بنت تسع؛ وهو في الـ (54) وأنّه أوتي قوّة جنسيّة تعدل قوّة (40) شاباً من شباب الجنّة الذين أوتي كلّ واحد منهم قوّة (100) من شباب الدّنيا!!!! وذلك لئلّا يخرج مفسّرونا (بسواد الوجه) حين فسّروا قول الله تعالى (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) حيث نصّوا على أنّ هذا الشّغل هو ـ افتضاض البكارى ـ ثمّ عنون البخاريّ لمهزلة جواز تزويج الصّغيرات بعنوانات منها:

ـ باب تزويج الصّغار من الكبار.

ـ باب إنكاح الرّجل وَلَدَه الصّغار.

ـ باب تزويج الأب ابنته من الإمام.

6ـ استشهد السّيّد الوزير بحديث الرّعاية وأنّه “متّفق عليه” وحيث يعرف المختصّون معنى هذا المصطلح، فإنّ ممّا اتّفق عليه الفقهاء وأساطين الأحوال الشّخصيّة أنّه لا عبرة لكلام القضاة ولا لحكمهم فيما يخالف ما ورد في كتب الصّحاح ـ البخاريّ على الأخصّ ـ وأنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

7ـ هل يملك الـ (خمسة أصناف) الذين اكتفى السّيّد الوزير بالإهابة بهم الجرأة على إعلان أنّ ما ورد جوازه بهذا الخصوص في صحيح البخاريّ له كلّ تلك التّبعات الخطيرة التي ذكرها الكتاب (دينيّة واجتماعيّة واقتصاديّة وصحّيّة)؟.

8ـ أمّا قضيّة (للاطّلاع وتضمين خطبة الجمعة تاريخ 2/2/2018 أو التي تليها الحديث عن هذا الموضوع) فلستُ أدري هل يكفي مجرّد التّضمين؟ أم إنّ المطلوب أكثر، ممّا أقلّه احترام الكرامة الإنسانيّة، والاعتراف بأخطاء الأوّلين ثمّ رفضها؟.

 

السّيّد وزير الأوقاف:

لا أجد مثالاً لحضرتك مع المشايخ إلّا مؤمنَ آل فرعون، تدعوهم إلى سبيل الرّشاد ثمّ يصرّون على طريق (استغباء النّاس) وأجِدُك الحلقة الأضعف في هذه المعمعة التي يمكنك أن تقلبها إلى الحلقة الأقوى، بل الأقوى على الإطلاق؛ وتنصِف شرع الله، ولن تكلّفك هذه النّصفة سوى ما أشرتُ به على السّيّد رئيس مجلس الوزراء في المنشور السّابق:

الدّعوة لمؤتمر علميّ فقهيّ يترك المدعوّون إليه خارج القاعة تعنّتهم وما ورثوه من فقه عفن، ويُدخلوا (مناقيشهم) ليُخرجوا الشّوك الذي أدخله سدنة الشّريعة في جسد الشّريعة حتّى غدت مثل (صبّار المزّة).

وقد كنتُ شبّهتُ ما ستُترجم به توجيهات السّيّد خميس في وزارتكم بالباب الكبير ذي القفل الأكثر تقنيّة لبستان لا سور له ولا جُدُرَ؛ ولقد صدق تشبيهي، فقد صدر كتابكم الكريم ولا رائحة فيه لأيّة صيغة إلزاميّة أو مؤيّدات جزائيّة، وأعتقد أنّ السّبب في هذا الخلّو شيآن:

أـ عدم امتلاككم الصّلاحيّة ـ ولا أقول الجرأة ـ في إصدار هذه المؤيّدات لأنّها في حال صدرت تعلنون خروجكم عن المنظومة الفقهيّة وما سمّاه الفقهاء ثوابت الشّريعة.

بـ ـ المُهاب بهم غير معترفين بها، وليسوا مستعدّين للتّخلّي عن قانون (إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم) لصالح أيّ قانون تصدره أيّة محكمة شرعيّة، لأنّ المحاكم الشّرعيّة ذاتها غير قادرة على التّخلّي عمّا ورد مخالفاً للقرآن الكريم في كتب صحاح الحديث، ولا ما بُني عليها في حاشية ابن عابدين؛ ولو كان في عدم التّخلّي عن ذلك خراب بيت العابدين واحتقارهم؛ وإنّ (إهابتكم) لن تثمر، ما لم تضعوا أصبعكم على موضع الخلل، فيصدر بيان عن المؤتمر المرجوّ انعقاده، ثمّ يكون عنوان البيان: ليس كلّ ما في كتب الصّحاح صحيح.

والصّحيح كذلك، أنّكم لن تفعلوا هذا بغير عناء، وأنّكم لن تـَسلَموا ـ في حال فعلتم ـ مِن اتّهامات مَن أهبتم بهم، لأنّ المطلوب منهم أن يعترفوا بأنّ ما استندوا إليه في تشريع خطايا تتعلّق بعقد الزّواج ممّا ليس أقلّه أنّ جواز زواج القاصرات مكذوب على الشّريعة؛ ولو كان موجوداً في كتب الحديث والفقه والسّيرة النّبويّة، ثمّ يعتذروا أو يعتزلوا. الشيخ محمّد وليد فليون، باحث في حوار الأديان وفقه المرأة. مركز فيريل للدراسات. 05.02.2018