تبعات إسقاط إسرائيل للطائرة الروسية. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. الأستاذ زيد م. هاشم

لا شكّ بأنّ تداعيات الأزمة السورية تجاوزت ملفات الشرق الأوسط المعقدة، إلى ملفاتٍ عالمية، والحضور الروسي السياسي والعسكري في الميدان السوري كقوة عالمية، جعل موسكو تُحجّم القطب الأوحد الأميركي، الذي ما عاد وحيداً.

تنخرطُ تل أبيب بشكل مباشر في الحرب ضد سوريا، ومصالحها هي الأولى في أيّ حلّ تتخذهُ واشنطن، بينما تأتي تركيا في المرتبة الثانية وبعدها دول الخليج، أما مصالح الشعب السوري وأكذوبة “الإنسانية” فهي لتجارة الإعلام ولخداع القطيع فقط.

تمّ تقزيم دور تركيا بقيادة الإرهابيين في إدلب فقط، بعد أن حاول أردوغان أن يقودهم في كامل الأراضي السورية، حيث قامت موسكو باستغلال تغير مصالح أنقرة بعد عثرات في مشروعه الإخواني، وهنا نقولها بصراحة من مركز فيريل:

المشروع الإخواني في سوريا لم يفشل، ويتم تحقيقهُ بواسطة مسؤولين سوريين يتربعون على الكراسي، وهذا حديث يحتاج لوقفة طويلة.

 جاء حشرُ تركيا في إدلب عقب إسقاطها المقاتلة الروسية أواخر تشرين الثاني 2015، ثم حادثة الانقلاب على أردوغان، وبروز مشروع الانفصاليين الأكراد في الشمال السوري، كل هذا دفعَ أنقرة مُكرهة لطاولة أستانا، فبدأت تجزئة الأزمة في الطريق لإنهاء الحرب وانكفاء الجماعات المسلحة نحو الشمال ضمن حل متدرج يعتمد أسلوب الخطوة بخطوة

إسقاط إسرائيل للطائرة الروسية نقمة أم نعمة؟

عندما اتخذ القرار بتحرير درعا والقنيطرة، كانت موسكو عرّابة القرار والضاغط الأساسي على تل أبيب وعمّان والرياض وطبعاً واشنطن. رُحّلَ قسم من الإرهابيين والباقي بقوا ضمن عملية المصالحة بعضهم “خلايا نائمة”. كما انسحبت فصائل تابعة لطهران بعيداً عن الجولان المحتل، وانتهى الجزء الأكبر من مخطط “سلخ الجنوب السوري” واقتسامه بين إسرائيل والأردن.

من مصلحة روسيا إنهاء الحرب بأسرع ما يمكن للالتفات لقضايا أخرى داخل وخارج سوريا، سواء في الشرق الأوسط أو في العالم. بالمقابل إنهاء الحرب في سوريا ليس من مصلحة واشنطن وتل أبيب وأتباعهما، هنا يأتي إسقاط الطائرة الروسية وكأنه عمل مُدبر.

إسقاط الطائرة الروسية عملٌ مُدبر!

 لا نقصد في مركز فيريل أنّه تم التخطيط مُسبقاً لإسقاط هذه الطائرة تحديداً، بل القيام بعمل عسكري في سياق إطالة أمد الحرب

  • واشنطن تتجنّبُ أيّ احتكاك عسكري مع موسكو، لهذا ليس هناك أفضل من الطفل المُدلل عالمياً ليقوم بهذا العمل، ولا يمكننا أن نتصور قيام إسرائيل بعمل عدواني خطير دون استشارة وتغطية من الولايات المتحدة

  • إسقاط الطائرة سيُضعف هيبة روسيا العسكرية والسياسية، وهو من مصلحة جميع أعداء سوريا بما في ذلك تركيا، وسيعقدُ الحل السوري ويطيل أمدهُ

  • موسكو استوعبت العملية وكان ردها “سوفيتياً” إلى حدّ ما، فاتخذت عدة قراراتٍ جاءت نقمة على إسرائيل وليست نعمة. كيف؟

إن تمت الإجراءات الروسية كاملة، فهي ردّ قوي

امتصت موسكو الصدمة وردت على الخدعة الصهيونية بطريقة قلبت المعادلة. نقول هذا شرط أن تتم الخطوات التي اتخذتها روسيا كاملة دون إبطاء، مثلاً: حرية الدفاعات السورية في استخدام صواريخ إس 300 للرد على أي عدوان، سواء داخل أو خارج الأجواء السورية، وليس فقط في سماء الساحل السوري، وهذا شرط أساسي…




إن تمت الخطوات الروسية كاملة هذا يعني

  • لجم أي عدوان إسرائيلي أو أمريكي، ورسالة قوية للناتو وقواته في الشمال السوري والتنف، والذي تقول عنهم موسكو أنها قوات غير شرعية ومُحتلة

  • تحذير مباشر لطيران التحالف الدولي الذي يحلق بحرية في الأجواء السورية، ووضع خطوط حمراء له، وصولاً لإنهاء تواجده بالطرق السياسية التي ستؤهلها الانتصارات العسكرية.

  • ردع العدوان الصهيوني “الروتيني” والذي قلنا عنه في مركز فيريل للدراسات: “تحاول إسرائيل جعل قصفها للقواعد العسكرية السورية عملاً روتينياً اعتيادياً”، الخطوة الروسية ستجعل هذا القصف الروتيني صعباً للغاية، وعلى إسرائيل تغيير مساراتها الجوية على الأقل والبقاء بعيداً عن مرمى الصواريخ.

  • الخطوة الروسية فيها تطويق للنفوذ التركي وتحجيم لأطماعه، بتحييد سلاح الجو التركي في الشمال وهذا يعني إضعاف المحتل العثماني عسكرياً وجعله يلتزم بالاتفاقات.

  • من مصلحة موسكو تزويد حلفائها حول العالم بأسلحة استراتيجية، لأنّ فيه تحجيم لنفوذ الناتو ومواجهة للعربدة الأمريكية، وتقوية للحضور الروسي بالساحة العالمية، وهذا سيدعم توجهات روسيا نحو تشكيل حلف عسكري عالمي بزعامتها من خلال كسب ثقة الدول التي ترفض الهيمنة الأمريكية والتي تنادي بموقف روسي يؤمّن الأمن الاستراتيجي لها.

  • روسيا وباعترافها، تحمي جنودها قبل كل شيء بهكذا أسلحة وبالتالي تحمي وجودها ومصالحها واستثماراتها ويجعلها أقوى حتى اقتصادياً.

  • إن تمت الخطوة كاملة، يعني أنّ قواعد الناتو في العراق والأردن وتركيا على الأقل، باتت محدودة الحرية أمّا إن تبعتها خطوات أكبر، وهذا أمر غير وارد حالياً، فسيؤدي لخلق دور إقليمي كبير لسوريا وهو من مصلحة موسكو قبل دمشق.

  • موسكو لن تُعادي إسرائيل كما يحلم كثيرون، وهناك أسباب كثيرة. لكنّ هذه الخطوة تُعد نوعية وخطيرة بالنسبة لتل أبيب وواشنطن وسيكون مفتاح التواجد الإيراني في سوريا بيد موسكو قبل أن تتصرف الطائرات الإسرائيلية دون إذن وتقصف دون رادع




القادم على سوريا بالنسبة للخطوة الروسية

نرى في مركز فيريل للدراسات أنّ الخطوة الروسية تأخرت كثيراً، وكنا نتمنى أن تأتي دون إزهاق أرواح الجنود الروس، لكنها أتت…

التنازلات الروسية في الملف السوري باتت أقل مع الغرب وإسرائيل وموقفها بات أقوى، فهل سيرضى الناتو؟

بدون ورود أية معلومات، ستقوم واشنطن وتل أبيب بالضغط على روسيا بكافة الطرق، لمنع اتمام الصفقة خاصة الصواريخ رغم أنّ قسماً منها قد وصل…

كما قلنا: “إسرائيل بدون حرب تموت” ولا يمكن ردعها إلا بالقوة، فهل ستهاجم سوريا مرة أخرى؟

هذا متوقع وبقوة ولكن لن يكون عبر الطرق الجوية السابقة، إلا إذا كانت إسرائيل تريد جر الناتو لحرب مع روسيا

المرجح أن تستخدم طريق الأردن والتنف، والاحتمال الأضعف هو الصواريخ أرض _ أرض… مع ظهور تلميحات هي بمثابة تمنيان إسرائيلية؛ أن تُشارك الولايات المتحدة سلاح الطيران الإسرائيلي في الهجوم القادم، أو تقوم بالمهمة كاملة عوضاً عنه…

نجحت تل أبيب بإسقاط الطائرة الروسية، لكنها خسرت الجولة، فهل سترضخ للخسارة أم أنّ هناك حلّ بالتراضي؟

إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات الأستاذ زيد م. هاشم. 26.09.2018