ترامب وأردوغان سيشنان حرباً في سوريا، لكن رقبة الأول ورَسنُ الثاني بيد بوتين. د. جميل م. شاهين

بعد استقالة مستشار ترامب للأمن القومي مايكل فلين، على خلفية اتصالاته بالسفير الروسي في واشنطن خلال عهد أوباما، واتهامه بعلاقات وثيقة إلى موسكو، وهو ما سارع الأمريكيون لتسميته بفضيحة Flynngates. حيث جرى الحديث عن رفع العقوبات عن موسكو في كانون الأول الماضي. هنا بدأ المكتب الفيدرالي الأميركي التحقيق بقضايا مشابهة، بينما طلب أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي، بمن فيهم الجمهوريون، الاستماع للمكالمات الهاتفية لمسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية الجديدة، لهذا تراجعت اتصالات ترامب بالرئيس الروسي بوتين، وكأنه وجد السبب الذي يبرر له أمام موسكو، جفاءه وانقلابه على عهد قطعه، بسياسات بعيدة عن كل توافق عالمي، خاصة في الشرق الأوسط المشتعل أصلاً.




وقد علم مركز فيريل للدراسات أنّ ملفات فتحها المكتب الفيدرالي الأميركي، تتضمن اتهامات لمقربين من ترامب، بإجراء اتصالات مع FSB وتحديداً مساعدي رئيسها Alexander Bortnikow، هذه الاتصالات تم تسجيلها ولم تكشف بعد لوسائل الإعلام، هؤلاء المقربون كانوا على علم بهجوم القراصنة الروس على كومبيوتر الحزب الديموقراطي أثناء الحملة الانتخابية لترامب. أي؛ استطاعت المخابرات الروسية إجراء اختراق في صفوف الأمريكيين بين جمهوري وديموقراطي، وربما بمعرفة ترامب نفسه وهنا المصيبة الكبرى التي سيحاول الهروب منها نحو الخارج. والإدارة الأميركية أمام فضيحة تتجاوز حجم فضيحة وترغيت، وسوف ينسفُ ترامب أيّ اتفاق مع موسكو حتى لو كان لصالحه، كي يظهر أمام الشعب الأميركي أنه عدو لها، وهنا الكارثة.

يمكننا تسمية حكومة دونالد بحكومة الفوضى، لهذا أسمينا عام 2017 في مركز فيريل بعام الفوضى التي تقودها واشنطن. فوضى خلط الأوراق بحيث لا يدري أحدٌ؛ مَن ضد مَن ومَن مع مَن.

السِلم، فضيحة في العُرف الأميركي

لنفرض أنّ الاتصالات مع موسكو صحيحة، وأن الجبارين اتفقا على قضايا عالمية هامة، وتسويات تزرع السلام في مناطق التوتر، فهذا أخلاقياً صحيح. لكن أين هي الأخلاق في العرف الأميركي؟!! يجب أن تبقى الولايات المتحدة في حالة حرب، وسيطرتها على العالم لا ينازعها فيها أحد. هكذا تربى الشعب الأميركي على أنه “سيّد العالم”. إذاً على سيد العالم هذا الخروج من فضيحته بإشغال الرأي العام الداخلي بحروب خارجية، ينتصر فيها على حساب الشعوب الأخرى. هي حروب أربع بالوكالة أو باشتراك الجيش الأميركي، وبمدة زمنية تصل إلى سنوات؛ حرب في سوريا يتم اشعال فتيلها عبر تركيا شمالاً، والأردن وإسرائيل جنوباً. الحرب الثانية ضد إيران يجمعُ فيها الدول العربية في حلف ناتو عربي، يضم ثماني دول لمجابهة دولة واحدة! وكم هو شرفٌ كبير لهذه الدول! الحرب الثالثة حرب في أوكرانيا والبلطيق ضد روسيا.  وأخيراً، حرب في جنوبي شرقي آسيا ضد كوريا والصين.

الحرب الأولى في سوريا

مع بدء التحقيقات بقضية الاتصالات في الشهر الماضي، طار رئيس مدير المخابرات المركزية الأمريكية CIA، Mike Pompeo إلى أنقرة، واجتمع بأردوغان ورئيس جهاز استخباراته هاكان فيدان، والمحور الرئيسي كان: “منطقة آمنة شمال سوريا”. بومبيو هذا يكره الإسلام والمسلمين وبالعلن حسب تصريحاته الإعلامية، لكنه اتفق مع “السلطان” المسلم أردوغان في الأهداف. أردوغان انقلب على روسيا دون شكّ، تلقى صفعة روسية عسى أن يفيق، بقتلها لجنوده في الباب، لكن أردوغان الذي يبيع كل شيء لأجل عيون واشنطن وكي يبقى سلطان على الرعاع، تلقى دعماً من إدارة ترامب، ومن دول الخليج العربي، فأدار ظهره لموسكو. لهذا قلنا: “الصراع العسكري بين موسكو وأنقرة، قادم لا محالة”. وإن كان صراعاً غير مباشر أحياناً.

المشروع باختصار: جيش من مرتزقة معظمهم، للأسف، سوريون، بتدريب وإمداد عسكري تركي وولاء مطلق لأردوغان، وتمويل سعودي، وتخطيط أميركي.

إسرائيل تلقفت الرسالة، وبدأت طلباتها تزداد وقاحة، فهي تريد من واشنطن الاعتراف بالجولان أرضاً لكيانها، وبنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ولا لحل الدولتين، ونقل الفلسطينيين إلى سيناء. ومشروعها الذي سيظهر للعلن، هو اعتراف العربان بها، والتنسيق معهم ومع الأردن ضد إيران، وطبعاً ضد سوريا. دعمها للمجموعات المسلحة ظهر فوراً بمحاولة يائسة في درعا، انتهت بعشرات القتلى منهم، لكن هذه المحاولة ستتكرر، وبدعم جوي إسرائيلي، فإشعال الجنوب السوري يندرج ضمن هذه الخطة.

إيران تعرف اللعبة، دعمها الاقتصادي لسوريا وبكل شفافية تراجع خلال الأشهر السابقة، اليوم عادت إلى الساحة لأنّ النيران بدأت تشتعل في أطرافها، شمالاً وغرباً، وليس لها إلا… سوريا.

القادم على سوريا خطير، لكنّ دمشق تمسك الخيوط جيداً، وإغراق تركيا لن يكون معجزة، وجرها للمستنقع بدأ منذ أن وطئ أول جندي عصملي ترابها. وحسب معلومات مركز فيريل، خسرت تركيا حتى الآن أكثر من 600 جندي في سوريا. وخسارتها تتضاعف اقتصادياً خاصة بحربها مع الاتحاد الأوروبي وألمانيا تحديداً، والهدوء الذي نراه على صعيد الهجمات الإرهابية في مطاعمها وباراتها… مؤقت. وورقة الأكراد، تكفي كي تجعل أردوغان وعصابته، يستهلكون كامل إنتاج معمل من الفوستان.




رقبة ترامب، ورَسَنُ أردوغان بيد بوتين

شحنات الأسلحة المتتالية لسوريا، وعودة دعم قاعدة حميميم بالطائرات الروسية له مبرراته على الأرض، فخطة أنقرة الرياض واشنطن في الشمال والجنوب السوري واضحة، ولا يهمنا هنا عربان الخليج، فلا وزن عسكري لهم مجتمعين. بل سنكشف في مركز فيريل أنّ لدى الاستخبارات الروسية تسجيلات لمسؤولين أميركيين كبار، ومحادثات هاتفية وفيديوهات أخرى، تجعل رقبة دونالد ترامب الغليظة، تلتوي بيد بوتين، ويبدو أنّ ترامب قد نسي أنه يتعامل مع رجل استخبارات وليس مجرد رئيس. عندما يتجاوز ترامب حدوداً معينة سوف تطيحُ به هذه التسجيلات، خلال 24 ساعة… أما أردوغان وهنا يتجلى الغباء التركي بجلاء، فالمخابرات الروسية التي أنقذت السلطان من انقلاب تموز 2016 ومن عملية اغتياله، وحسب اعتراف هاكان نفسه، هذه المخابرات قادرة على… الصمت مع ابتسامة خفيفة على عملية اغتيال… قادمــــة.

إذاً؛ الذي صعدَ بالحمار إلى السطح، هو القادر ليس على انزاله فقط، بل على رميه من فوق برج العرب… يا عرب…

الكاتب: د. جميل م. شاهين 17.02.2017

مركز فيريل للدراسات ـ برلين

https://www.youtube.com/watch?v=2Uhj9zrrMto&t=12s