سلامات يا وزارة التعليم العالي. ملف الفساد 3

سلامات يا وزارة التعليم العالي

ملف الفساد 3

“القضاء والتعليم بخير، إذاً الدولة بخير”

في ملف الفساد نفتح اليوم الباب على ما يجري في وزارة التعليم العالي، بعد ورود مئات الشكاوى لمركز فيريل للدراسات، حيث قام الفريق بتقصي الأمر في ثلاث جامعات سورية رسمية، بالإضافة للجامعات الخاصّة. كانت أول ملاحظاتنا أنّ الفساد في الجامعات الخاصّة أقل منه في الحكومية…




بعد نجاح الطالب في الثانوية العامة، يكون شغله الشاغل هو دخول الجامعة، فيكون الأمر أيسر إن كانت علاماته كافية لدخول كلية حكومية شبه مجانية، وإلا فعليه أن يفتش في خزينة والده لتأمين أقساط الجامعة الخاصّة. في الحالين يُقبـِلُ هذا الطالب على حياته الجديدة بتفاؤل كبير وابتسامة عريضة، لِمَ لا وقد أصبح جامعياً… فيصطدم بما يجري في الجامعات من بيروقراطية ومحسوبية وفساد وتدني مستوى الأخلاق، فإما أن يكون براغماتياً يتأقلم مع هذا الجو الجديد، أو تكون الصدمة فيصبح ذهابه إلى الجامعة بمثابة عقوبة يومية. البيروقراطية موجودة في دول العالم كافة، لهذا لن نتحدث عنها. سنكتفي بالحديث عن أمور ثلاثة: الواسطة، انحطاط الأخلاق، و… مافيات وزارة التعليم العالي، من خلال حوادث تأكدنا من صحتها، حدثت وتحدث ضمن “الحرم الجامعي”، الذي لم يعد حرَماً بل أصبح مُباحاً…

تنبيه هام

أي شخص سواء كان طالباً أو مسؤولاً مهما كانت مرتبته، يرى في حادثة يرد ذكرها أنها تخصّهُ أو تستهدفهُ شخصياً، ننصحهُ بالصمت وتصحيح مسيرته، فإن عجزَ عن ذلك، فلينشق ويرحل قبل مؤتمر جنيف… كما نُطالبُ السلطات المختصة بالتحقيق بما سيرد، ولن نكشف الأسماء لأننا نراعي قوانين المهنة الصحفية، وليس هدفنا التشهير أو شخصنة الفساد بأفراد فقط… الفساد عام، واليوم هو يوم وزارة التعليم العالي.

حوادث سريعة ومختصرة

طالبة في كلية الآداب، ترفعّت إلى السنة الثالثة حسب نتائج الامتحانات، عند تقدمها لامتحانات الفصل الأول، تفاجأت بأنّ اسمها غير موجود ضمن اللوائح. راجعت إدارة الكلية، فاكتشفت أنّها مازالت في السنة الثانية. حسب جداول الكلية المكتوبة لم تنجح، وحسب نتائجها على النت، نجحت، وبين المكتوب والنت خسرت الطالبة سنة دراسية كاملة. لكن والحق يُقال؛ إدارة الكلية وعدت بمعاقبة الموظف “المهمل” والمسؤول عن هذا الخطأ.

تيسير طالب متفوق في السنة الأولى كلية الهندسة، تقدم لامتحانات الفصل الثاني. كان بين الطلاب في القاعة ابن أحد المسؤولين، وبين المراقبين أحد حراسه الشخصيين. فتح ابن المسؤول كتاباً ونسخ منه بعض الإجابات، ثم سأل أحد الطلاب عن الإجابات الصحيحة على مرأىً من المراقبين. يبدو أنّ الطالب تيسير “كثير غلبة”، قام واشتكى عملية الغش لرئيس القاعة. الأخير وعدهُ بالحزم، فقام وهمس بإذن الطالب الغشاش، فتراجع عن غشه وصار مرافقه الشخصي هو الذي يفتح الكتاب ويلقنه الإجابات بصعوبة. بعد الامتحان بأيام، ألقي القبض على تيسير بتهمة انتمائه لجبهة النصرة!!

سمر طالبة سنة أخيرة كلية الآداب، بارعة الجمال ومن عائلة فقيرة، نجحت في كافة المواد باستثناء مادة من السنة الثالثة، أعادت تقديم المادة مرات دون جدوى. فقد أصرّ أستاذ هذه المادة على “ترسيبها بها. راجعتْ قسم الامتحانات وطلبت إعادة تصحيح ورقتها، ولم تصل لنتيجة. قابلت الأستاذ مؤكدة له أنّ علامتها يجب ألا تقل عن 80%، لكنها رسبت بها.  بعليائية طلب منها أن تعيد الامتحان. سألت عن الأستاذ عدة زملاء وزميلات لها فكان الجواب واحد: “هذا الأستاذ عندما يرى طالبة جميلة، غير مدعومة، يرسبها بالمادة حتى يحصل على ليلة حمراء معها.”. سمر مازالت حتى الآن تنتظر الرد على شكوى تقدمت بها لرئاسة الجامعة.

“شلف” علامات العملي: في الكليات التي يكون نصف المواد عملي والنصف الآخر نظري، يتم منح العلامات بطريقة “الشلف”، وحسب واسطة الطالب، وجمال الطالبة ونسبة هرمون الأنوثة لديها… وكلية طب الأسنان خير مثال.

أجهزة معطّلة منذ سنوات: أجهزة مخابر وأجهزة طبية، مضت سنوات على عطل فيها، طبعاً العذر الأول عدم توفر قطع بسبب الحصار على سوريا. لكن بعض الأجهزة لا تحتاج لقطع غيار بل ليد خبيرة، وقليل من الهمّة، وليست بحاجة لعشر لجان، تتفرعُ عنها عشر لجان لشراء الكباب ثم اتلاف الكباب… لكن يبدو أن اصلاحها ليس فيه “لحس إصبع”… يا وزارة التعليم العالي.

  

 

أستاذ “غير مدعوم” ويرتشي!

حالة فريدة ومثال نادر هو أستاذ في كلية الهندسة، غير مدعوم ولا يستند لمسؤول كي يخلصه من ورطته إن حدث وألقي القبض عليه يوماً، وحسب قوله: “عند الحزّة واللزّة، الفلوس أهمّ من أي مسؤول بالمزة”. يدخلُ الأستاذ قاعة الامتحانات ويخاطب الطلاب: “هذه المادة صعبة، صعبة جداً وبحاجة لهزّ… الأصابع”. وهو يشير للنقود بإصبعيه. تقدّم طالبان للامتحان، رسبا في المادة. أعادا الامتحان في الفصل التالي، الطالب الأول مجتهد نسميه أحمد والثاني يعتمد على الفلوس للنجاح، نسميه مروان. الوسيط مُعيد في الكلية في قسم يرأسهُ الأستاذ، ينتقي الطلاب كي يخبرهم بأن النجاح مضمون إن دفعوا للأستاذ. فعلاً دفع مروان مبلغ 35 ألف ليرة سلفاً، وأخبر صديقهُ أحمد بذلك قائلاً: “لا نجاح بهذه المادة بدون دفع”. وافق أحمد لكنه اشترط أن يكون الدفع بعد النجاح. برفقة المعيد ذهبا لمنزل الأستاذ الجامعي، كان منزله فاخراً وكأنه صالة عرض لأحدث المفروشات والأجهزة الكهربائية. عرض عليهما أوراق الامتحانات كي يتعرفا على ورقتيهما. تعرفا عليها. مروان حصل على 38 علامة قبل الدفع، أصبحت 68 بعده. مروان جمع علاماته فوجدها 71 علامة، رفض أن يدفع. بعد جدال ونقاش طويل وتلميح من المعيد بالرسوب، وافق أن يدفع قيمة مخفّضة وهي 20 ألفاً. طريقة الأستاذ في تصحيح الأوراق خبيثة، فهو لا يجمع العلامات وينتظر حتى يحصي عدد الذين يمكن أن يدفعوا، عن طريق معلومات يأتي بها المعيد. رغم أنّ إدارة الجامعة منعت الأساتذة من تصحيح أوراق الامتحانات في المنازل، لكن أستاذنا رشى الموظف الذي يختم الأوراق، وكان يأخذ معه لمنزله ثلث الأوراق… بعد أسابيع، ونتيجة الشكاوى ضد هذا الأستاذ، ألقي القبض عليه، وتم التحقيق معه مطوّلاً… عاد الأستاذ إلى عملهِ بفضل “القاضي الشريف”، لأنّ المجرم هو المعيد المرتشي، أمّا أستاذنا فهو أشرف من الشرف.!

 أساتذة جامعات أم عصابات مافيا

كثير من أساتذة الجامعات السورية نفتخر بهم، وبإنجازاتهم العلمية والأهم أخلاقهم المهنية. لكن للأسف بدأ عددهم بالتناقص بسبب الهجرة والتضييق عليهم ضمن سياسة “التطفيش”، فتركوا سوريا ورحلوا إلى بلاد غريبة ليبدؤوا من الصفر بعد مسيرة سنوات طويلة. هؤلاء العظماء حلّ محلهم رجال عصابات المافيا التعليمية، وآخر لقب يستحقونه هو “أستاذ”. في إحدى الجامعات السورية الحكومية رجل مافيا يُطلق عليه مجازاً لقب “الأستاذ الدكتور”، ذو سيرة جعلتنا نحتار باسمه أهو  “فلان” أم “جبرائيل آل كابون”؟ مجاز من جامعة أوروبية، قيل عنه الكثير أثناء دراسته، لكن لا دليل لدينا عما فعلهُ في أوروبا لهذا سنهمله، ونتحدث عما وصلنا من ملفه الجنائي. عندما عاد هذا الأستاذ من أوروبا، عادت معه ثروة مالية غير طبيعية بالنسبة لطالب ينحدر من عائلة تميل للفقر معيشياً. بعد تعيينه في الجامعة بفترة قصيرة، اعتقل بتهمة “تسهيل الدعارة” من قبل السلطات الأمنية وبالجرم المشهود، قضيته موثقة قضائياً، فأوقف عن العمل في التدريس ومُنع من دخول الحرم الجامعي. أطلق سراحهُ بواسطة ثقيلة، بعدها بفترة أقل من سنة، وكأنها مكافأة على تهمة الدعارة، أصبح عميداً للكلية! قام بالتحرش الجنسي بطالبة متفوقة في مكتبه. استدعاها بحجة مكافأتها، عندما رفضت الطالبة الاستجابة لرغباته الجنسية، صرخت به واشتكته لرئيس الجامعة، فقام “الأستاذ” باتهامها بسرقة “هاتفه الجوال”، وطويت القضية ضد الطالبة “اللصة” بعد أن دفعت ثمن الهاتف الجوال الذي سرقتهُ!

استغل منصب العميد فأصبح تاجر عملة وتحديداً تاجراً بالدولارات، ثم تاجر عقارات. لم تأتِ الشكاوى ضد هذا “الأستاذ” بنتيجة، رغم أن ملفهُ طُرِحَ على مستوى عالٍ، فالأستاذ بات وراءه جيشٌ من المنتفعين والأقارب والطلاب الوصوليين والداعمين من داخل وخارج سوريا وتحديداً؛ لبنان الشقيق.  جيشٌ مختصّ إعلامياً واجتماعياً بنشر الإشاعات وتلفيق التهم والأكاذيب حول كل مَن يُعارضهُ أو يشكوه أو لا يستجيب لطلباته.




الحق يُقال: الأستاذ هذا ذكي ويعرف كيف يستميل المسؤولين الكبار إلى صفه، بهدايا ثمينة وإقامة حفلات وموائد طعام تملأ الفم فتخجل عيون المسؤولين، ويستمر هذا الأستاذ بنموه ليصل إلى خارج حدود الوطن، ويتعامل مع أعداء سوريا من مافيات لبنان ومن مسؤولين سوريين منشقين، فيكون تعامله بصيغة وطنية وتقديم تسهيلات لمنظمات إنسانية مشبوهة.

حاولنا لقاء “الأستاذ” للتعرف به شخصياً، فأوقفنا “حرسهُ الشخصي” سائلاً إن كان لدينا موعد، ثم أعلمنا الحرس بطريقة “باب الحارة” أنّ الأستاذ يتحدثُ مع مسؤول أمني كبير في دمشق حول الوضع في سوريا. تجاهلنا الموضع فذكر لنا هذا الحرس اسم المسؤول… طبعاً لم نستطع لقاء الأستاذ، ويبدو أنّ لقاء المسؤول الأمني الكبير أسهل من لقائه.

طالب مسؤول ابن مسؤول

إياد، طالب جامعي ابن مسؤول “هام”، فاشل دراسياً. استنفذ فرص نجاحه رغم سطوة والده، فهناك أساتذة جامعات لا يهمهم سلطان ولا جاه، رفضوا منحه علامة نجاح لا يستحقها. رغم ذلك بقي إياد في الجامعة وأصبح مسؤولاً كبيراً في الاتحاد الوطني لطلبة سوريا وبدعم من والده وأصدقاء والده… وبدأ رحلة فساد مالي وأخلاقي، بتعاملات تراوحت من ايصالات وهمية للسكن الجامعي ومبالغ بآلاف الليرات، تطورت لتصبح جمعيات المساعدة الإنسانية وجمع تبرعات لجرحى الحرب بالملايين، فكبر إياد وكبرت حلقة الفساد من حوله والتي شملت طلاباً وطالبات ومن داخل المناطق التي يُسيطر عليها المسلحون! إياد الآن؛ مسؤول كبير في الجامعة، حاصل على شهادة في العلوم السياسية من دولة أوروبية شرقية، زارها مرة قبل سنوات وأمضى فيها ثلاثة أسابيع،  وبسبب نبوغهِ حصل على الشهادة خلال ساعات!! متسلط على رقاب الطلاب ومعظم المدرسين والموظفين. يحضر كافة جلسات الاجتماع التي تخص الطلاب، والمخصصة فقط لأساتذة الجامعة. مروّج عن طريق عصابته لحبوب الهلوسة المثيرة جنسياً خاصة بين الطالبات. قام بعملية خطف لأحد الموظفين، وتهديد أستاذة جامعية، قررت هذه الأستاذة لاحقاً الرحيل خارج سوريا وتركت الجامعة لإياد وأمثاله. شكّل مجموعة عسكرية “لحماية الوطن” من الإرهابيين، وحصل على الدعم المادي من كبار المسؤولين، لتتحول هذه المجموعة إلى جيش تعفيش. كل هذه الحقائق موثقة في سجل الأمن الجنائي، لكن الجرائم كانت تُسجل ضد مجهولين أو يتحمل شخص آخر مسؤوليتها، وإياد يكبر ويكبر دون حسيب أو رقيب.

 

تسعيرة المواد الدراسية الجامعية

سوق بمعنى الكلمة وتسعيرة تضاهي تسعيرة وزارة حماية المستهلك، وضِعت للنجاح بمواد جامعية عند بعض الأساتذة. تتم العملية عن طريق وسطاء أو بشكل مباشر. ويكون أحد الطلاب الوسيط أو موظف لدى هذا الأستاذ أو معيد في الكلية، ولكلّ نصيبهُ. وقد علم مركز فيريل أنّ سعر المادة يبدأ من 20 ألفاً ليصل إلى 100 ألف ليرة حسب وضع الطالب. فكلما كان وضعهُ حرجاً، ارتفع السعر. هذا بالإضافة لقبول هدايا عينية و… جسدية. طبعاً كان لمركز فيريل جولة مع أكثر من أستاذ مرتشي…

 

أخيراً

ما ورد جزء يسيرٌ من مئات الحوادث التي حصلنا عليها وبالأسماء…

نشكر السلطات على استجابتها لملف الفساد السابق الذي طرحهُ مركز فيريل للدراسات، وننتظر من هذه السلطات الاستجابة لهذا الملف الحساس. الأسماء الحقيقية موجودة لدينا مع الوقائع بتفصيلاتها. نلفت النظر لأن الأسماء الواردة مستعارة.

التحية لفريق مركز فيريل للدراسات في سوريا، ولكل مَن ساعدنا في الوصول لمكاتب وأدراج “مافيات وزارة التعليم العالي”.

ونكرر

“القضاء والتعليم بخير، إذاً الدولة بخير”

مركز فيريل للدراسات. 18.02.2017