تركيا بدأت بضمّ الشمال السوري المُحتل. الدكتور جميل م. شاهين

تتعدّدُ أشكال الاحتلال فتبدأ على الأغلب بالعسكري، وهو أسهلها! نعم التحرّرُ من الاحتلال العسكري هو الأسهل. ليأتي الاحتلال الثقافي والفكري ويكتملُ بالاحتلال الإقتصادي. تركيا العثمانية عبر تاريخها الطويل كانت تقوم بالاحتلال بكافة أشكاله وهنا مكمن خطورتها الذي يجعلها من أسوأ الدول الاستعمارية.

 مُخطئٌ مَن يظن أن عودة الاحتلال العثماني لسوريا بدأت عام 2011. عودوا بذاكرتكم لما قبل هذا التاريخ أيام الانفتاح العشوائي على أنقرة، عندما غزت البضائع التركية الأسواقَ السورية ومعها المسلسلات المُدبلجة والسياحة وتحت أعين ورعاية الحكومات السورية ومشاركتها… هذه كانت البداية والتمهيد لما سيأتي لاحقاً.

بدأ الاحتلال العسكري منذ آذار 2011 وإن كان على شكل تسهيل مرور الإرهابيين من أصقاع الأرض. ثم جاء الاحتلال العسكري المباشر… وكلما حذّرنا في مركز فيريل للدراسات يأتينا الرد الإنفعالي “فشروا”… فشروا وها هو الشمال السوري يدخلُ مرحلة التتريك بقوة… استمروا بـ “فشروا” حتى يضيعَ #لواء_إسكندرون ثانٍ وثالثٍ…

تتريك الشمال السوري في مراحله الأخيرة

مَن يرى كلامنا مبالغة، فليبقَ نائماً في العسل حتى يرى التركي ينام وراءهُ… بعد الغزو الثقافي والفكري والعسكري، أخذت عملية تتريك الشمال منحنىً خطيراً مع وصولها للإقتصاد وتحديداً التعامل بالليرة التركية.

هذا هو الجيل القادم في الشمال السوري

استقطبت أنقرة المعارضة السورية بدافع طائفي بحت في بيئة شعبية حاضنة ومؤيدة لكلّ ما هو عثماني. غيّرت المناهج التعليمية واستبدلت أسماء الشوارع والقرى والمراكز الرسمية. رممت وبنت عدة مدارس ومؤسسات وحدائق ورفعت العلم التركي في كلّ مكان. نشرت اللغة التركية… ماذا تبقى يا جماعة “فشروا” كي تُعلن ضمّ تلك المناطق إليها؟

دائماً وأبداً الرد سيكون أين هي روسيا وإيران؟ ومَن قال أنّ هذا الأمر يجعل ساسة البلدين لا ينامون الليل! فلتستولي تركيا على بضعة آلاف من الكيلومترات المربعة طالما أنّ هذا يُبقيها في صفّنا. هذه هي الحقيقة. السؤال الذي يجب أن يُطرح: “أين هي الدولة السورية؟”. سنعود للإجابة عليه لاحقاً.

بدأ التعامل بالليرة التركية في الشمال رسمياً

سبق ونشرنا قبل أيام على صفحة الفيس بوك لمركز فيريل حول هذا الموضوع، عندما صرّح #أردوغان: (لن ننسحب من #سوريا إلا بطلب من الشعب السوري وإنسحاب الدول الأخرى.) النتيجة لن ينسحب.

مع تسارع خطوات التتريك والتغيير  الديموغرافي بدأ التجار في عدة مناطق شمال #سوريا الواقعة تحت الإحتلال التركي، مارع إعزاز جرابلس الراعي وغيرها، فعلياً باستبدال التعامل بالليرة السورية بالتركية. وكانت الأخبار تتحدّثُ عن خطط لتعميم التعامل بـ #الليرة_التركية خلال الشهور القادمة تدعمها حكومة الإخوان المسلمين العميلة، والذريعة هو ضعف الليرة السورية.

لم يمرّ يومان فقط حتى يأتي تصريح زعيم الحكومة المؤقتة الإخوانية المدعو “عبدالرحمن مصطفى” في حسابه على تويتر الأحد 08.12.2019: (نسعى لضخّ الأوراق النقدية الصغيرة من فئة 5 و10 و20 ليرة تركية في أسواق المناطق المحررة بالفترة المقبلة، بهدف الحفاظ على القوة الشرائية للمواطنين وحماية أموالهم وممتلكاتهم.)

المدعو “عبد الحكيم المصري” وزير إقتصاد تلك الحكومة الإخوانية قال: (تركيا تدفع الرواتب بالليرة التركية).

لا أدري إن كان الإعلام السوري قد نشرَ حول الموضوع، لكثرة إنشغاله بطريقة تكاثر الثعلب القطبي… هل تحدّثَ الإعلام عن إغراق أسواق الشمال السوري المحتل  بفئة 2000 ليرة سورية؟ حيث يتم التبادل بها خاصة في الصرافة وشراء القطع الأجنبي. السؤال: كيف تصل هذه الفئة النقدية إلى هناك؟ هناك احتمالان…

تركيا تخدعُ السوريين التابعين لها

تراجع سعر صرف الليرة السورية خلال الفترة الماضية، كان أحد أسباب اللجوء إلى الليرة التركية، وكأنها ملاذ آمن! ذاكرتهم الضعيفة لم تعد بهم إلى فترة إنهيار الليرة التركية في آب 2018، عندما أغلقت المحلات أبوابها وتوقفت عملية البيع والشراء… ماذا لو حدث ذلك مرة أخرى؟ هؤلاء الجهلة الذين يستبدلون الليرة السورية بالتركية، ليسوا خونة وعبيداً للعثماني فقط، بل لا يعلمون أنّ الاقتصاد التركي وليرته ليسا بأحسن حال من نظيرهما السوري… على العكس، فرص تحسن أداء الإقتصاد السوري ومعه الليرة السورية أعلى بكثير. حتى التعامل بالدولار غير آمن، فمن اشترى بضاعته قبل أسبوع بسعر قارب ألف ليرة للدولار، خسر فيها اليوم 30%…

أمرٌ آخر، رواتب الموظفين مازالت تأتيهم من دمشق بالليرة السورية، ماذا لو قررت سوريا قطع الرواتب؟

محلاتُ الصرافة في عدة مدن من الشمال المحتل وعبر شركات تركية، نشرت إشاعة أنّ فئة الـ 2000 ليرة سورية سيتم سحبها من الأسواق قريباً بسبب رفض الدول المجاورة التعامل بها. الجهلة اشتروا الدولار والليرة التركية وخسروا خلال أيام أيضاً 30% والرابح هي الشركات التركية.  

المجلس المحلي في مدينة إعزاز التابع لأردوغان، أصدر قراراً بالبدء بتسعير الذهب بالليرة التركية بدلاً من السورية، وألزم الصاغة بعرض السعر بالليرة التركية على شاشات العرض، كما في الصورة.

الخطة الإقتصادية لتركيا في الشمال السوري

لا داعي أن تتفوه أنقرة بحرف فالتابعون لها يتولون كشف خططها. وزير الاقتصاد في الحكومة الإخوانية عبد الحكيم المصري صرّح بالتالي: (سنبدأ باستبدال عملة التداول في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وقد خطونا خطوات مهمة في هذا المجال… المقترح المناسب هو أن يتم التعامل بالدولار الأمريكي للصفقات الكبيرة، وبالليرة التركية للمعاملات المتوسطة والصغيرة، بينما سيتم وقف التعامل بالليرة السورية بشكل تدريجي، أي منع تداول فئة الـ2000 ليرة سورية، ومن ثم فئة الـ1000 ليرة سورية، وبذلك “ستُلفظ” الليرة السورية.) الفترة حسب قوله قبل حزيران القادم.

عائق وحيد يقف أمامهم هي عدم وجود بنك مركزي يُحدد سعر الصرف، الخطر الأكبر أن يتم إتباع هذه المناطق للبنك المركزي التركي، عندها سيكتمل الاحتلال…

ربط مناطق الشمال السوري بالبنك المركزي التركي يعني ضمّ تلك المناطق نهائياً

هل هناك أوضح من هذا التتريك؟!! حديقة الأمة العثمانيةفي إعزاز

معلومات مركز فيريل للدراسات تؤكد أن تركيا تدفع رواتب أعضاء المجالس المحلية العميلة وجيش الإخوان المسلمين والشرطة والعاملين في المشافي والمدارس… بالليرة التركية. العدد يقارب 90 ألف موظف وهؤلاء مسؤولون عن 400 ألف شخص… والعدد يزداد.

لا تظنّوا أنّ التعامل بالليرة التركية حديث. في شهر آب 2015 قامت الحكومة التركية بتجربة تسليم الرواتب بعملتها وكان العدد لا يتجاوز المئات… الآن مع نهاية 2019 أصبح عشرات الآلاف.

العلم التركي وصورة أردوغان في كل مكان في الشمال السوري المحتل. عفرين

ماذا يمكن أن تفعل سوريا؟

دعكم من الشجب والاستنكار وإرسال رسالتين متطابقتين… هذا كله لا يقتلُ بعوضة. أول تصرّف هو منع وصول فئات نقدية كبيرة إلى الشمال المحتل من فئتي 1000 و2000، وإرسال الرواتب بالفئات الأصغر. الاحتمالان اللذين تحدثنا عنهما: هل وصلت الفئات الكبيرة سابقاً بشكل طبيعي ضمن الرواتب؟ ما القصد من إرسالها؟ هل المُبرر أهم من النتيجة؟ هل وصلت بشكل غير طبيعي؟ هذا فساد.

رفع قيمة الليرة السورية وثباتها وتحسين الاقتصاد السوري، كفيل بتردد الناس هناك والتفكير قبل الإقدام على أية خطوة “خيانة”.

لابد من اتخاذ إجراءات صارمة بما في ذلك العسكرية منها، وبالتالي إحراج روسيا وإيران الضامنتين لتركيا. المساحة التي تحتلها تركيا وعصاباتها تقارب أربعة أضعاف لواء إسكندرون، فكم إسكندرون ستخسرون؟!

تحريض الدول العربية المعادية لأردوغان وعلى رأسها السعودية والإمارات ومصر، وكشف خطورة ما يحدث وتأثيرهُ على العرب و”العروبة”… أم ستبقى الشعارات العروبية فقط على اللوحات الجدارية وللاستهلاك في الخطابات الرنّانة؟

الأمر الإيجابي

الأمر الإيجابي الذي نراهُ في مركز فيريل للدراسات وسط هذه السلبيات؛ هو أنّ أردوغان بدأ بتوسيع خطواتِه، وآخرها إمكانية إرسال قواتٍ عسكرية إلى ليبيا. طمعهُ وغروره وجنون العظمة لن يوقفه عند حدّ، وهذا أمرٌ إيجابي لأنّ اشتباكه السياسي وحتى العسكري مع دول قوية سيضعفهُ داخلياً وخارجياً، ومعه جيش الإخوان المسلمين. لكن يبقى هذا احتمال زمني غير مُحدّد والموضوع واسع سنتطرقُ إليه ببحث واسع ووضع تركيا المتأرجح في الناتو.

ختاماً

آخر تصريح لأردوغان قال فيه؛ بدأنا بتوطين مليون لاجئ سوري في المنطقة الآمنة برأس العين وتل أبيض… مليون لاجئ وثلاثة أضعافهم في إدلب وريف حلب. بينهم لا يقل عن مليوني صوت إنتخابي الآن، كم العدد بعد سنة؟… الانتخابات الرئاسية على الأبواب. مركز فيريل للدراسات يُحذّر فهل وصلت الفكرة؟ مركز فيريل للدراسات. 09.12.2019 الدكتور جميل م. شاهين

كما دخل أردوغان بالقوة، لن يخرج إلا بالقوة.

هذه الصور من الشمال السوري

شاهدوا أيضاً: